كتاب عربي 21

مرسي.. الذي فيه يمترون

1300x600
لا مانع عندي، في أن يقولوا في الرئيس محمد مرسي ما قال مالك في الخمر، فقد سبقتهم بالقول، لكن الذي يجعل "العصبي يركبني"، هو التجني على الرجل بالتأليف والفبركة!

فبعد الحكم ببراءة مبارك وأركان حكمه، في قضية قتل المتظاهرين، انطلق فريق من "الثوار المتقاعدين"، يهاجمون مرسي، كما هي العادة. فالهجوم عليه صار قبل الأكل وبعده، وباعتباره يدخل في باب النضال المجاني، فلن يحاسبوا على التطاول، الآن، وهم لم يحاسبوا عليه والرجل في السلطة، فضلاً عن أن الهجوم على مرسي، سيجنبهم الدخول مع الجاني الحقيقي في معركة لن يتحملوا تبعاتها وتكلفتها الباهظة، وهو عبد الفتاح السيسي، الذي جاء بقوة "الدفع الثوري" ليعيد نظام المخلوع. والسيسي لا يرحم، وقد تعلموا من رأس الذئب الطائر، فنفر من الذين منحوا ثورته المضادة غطاء ثورياً، هم الآن في سجونه، بتهمة الغباء السياسي، إذ ظنوا أن كل "الطير يؤكل لحمه"!

كنت أقلب في أرشيف موقع "بوابة مصر للقضاء والقانون"، التي أعوض بها بعدي عن مكتبتي القانونية، عندما عثرت على قرار، خيل إلي أنني أطالعه لأول مرة، مع أنه القرار الأشهر، الذي أعطى لخصوم مرسي الفرصة لينالوا منه، لكن على ما يبدو أنهم لم يكترثوا بقراءته، وإنما انشغلوا بما يمكن أن يمسكوه منه، وعليه فقد حاصروا قصر الاتحادية، وهناك شاهدت قساوسة ورهباناً، لا أعرف صلتهم بما نسب للرئيس من أنه ينصب نفسه فرعوناً، مع أن الكنيسة كانت ضمن حسابات الفرعون الأكبر حسني مبارك، وقال البابا شنودة لأتباعه منذ اليوم الأول للثورة: "نحن مع الرئيس مبارك"!

القرار كان هو "الإعلان الدستوري"، الذي صدر في نوفمبر سنة 2012، وجاء يحصن مجلس الشورى من الحل، بحكم من محكمة انتماؤها لنظام مبارك أصيل، وقد جاء المخلوع بقضاة من خارجها، تخطوا الرقاب، بعد مرحلة الدكتور عوض المر. كما أن "الإعلان الدستوري" يحصن قراراته من الطعن عليها أمام القضاء!

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد كنت من القلائل الذي انحازوا للرئيس، رغم تصدع جبهته الداخلية واستقالة عدد من مستشاريه على أثر ذلك. وكانت المشكلة في الإخراج فقد كان واضحاً انه لم يستشرهم في الأمر، لكنني لم أكن من مستشاريه، بل كنت من معارضيه، ومن هنا فقد تجاوزت هذه المسألة الإجرائية، المرتبطة بالشكل، وأدلفت للموضوع.

مما قلته أن الرئيس لم يستحدث بهذا التحصين جديداً، ولم يخترع تقليداً، فالفقيه الدستوري عبد الرازق السنهوري، هو الذي أفتى لجمال عبد الناصر بأن قرارات رئيس الدولة، هي من "أعمال السيادة"، التي لا تخضع لرقابة القضاء، ولهذا لم يحدث أن ألغى القضاء قراراً لعبد الناصر، أو للسادات، أو لمبارك، والوحيد الذي تجرأ القضاء على قراراته هو الرئيس محمد مرسي، عندما أوقف قراراً له بفتح باب الترشيح للانتخابات البرلمانية، وفي حكم سابق نظر طعن مثل هذا القرار، رفض القضاء الطعن، باعتبار أن قرار الرئيس هنا من "أعمال السيادة"!

"نظرية أعمال السيادة" لم يخترعها السنهوري، لكنه استلهمها من قضاء مجلس الدولة الفرنسي، ومن أراد أن يرفضها كان عليه ألا ينظر للرئيس مرسي على أنه أتى جرماً غير مسبوق، كما أن عليه ألا يتغافل عن أن الرجل كان يواجه مؤسسات مبارك، التي تعادي الثورة بدورها، وكان واضحاً أنها تسير في اتجاه هدم المعبد، وإسقاط المؤسسات المنتخبة، ولو دون سند من القانون. تماماً كما حلت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب، والحل من عدمه هو أمر خاص بمحكمة الموضوع، وهذا القرار خارج اختصاصها المعقود لها قانوناً.

كل هذا يعد خارج موضوع هذا المقال، فالموضوع أنه لفت انتباهي، ما لم يكن قد انتبهت له من قبل في ظل الفتنة التي أحدثها خصوم الرجل، على قاعدة "الكيد السياسي"، أن المادة الأولى من "الإعلان الدستوري" الذي أصدره، تنص على أنه "تعاد التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل وشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب، التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصباً سياسياً أو تنفيذياً في ظل النظام السابق، وذلك وفقاً لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين".

ظروف هذا النص، كانت بعد صدور الأحكام ببراءة بعض الجناة، ولأن الرئيس الموالي للثورة، استشعر خطورة الموقف، لا سيما وأن النائب العام قدم القضايا غير مكتملة لكي يمكن مبارك ورجاله من الإفلات من العقاب، لأن مبارك هو من عينه في موقعه، فقد جاء هذا النص الذي وضعه محمد مرسي، بعد قرار آخر أصدره بعد تنصيبه رئيساً بأسابيع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لتقدم أدلة جادة للقضاء، لمحاكمة رموز العهد البائد، وعندما انتهت اللجنة من أعمالها تم تقديم تقريرها لجهات التحقيق، الذي تم تجاهله بعد الانقلاب العسكري، الذي أضفى عليه البعض غطاء ثورياً!

والغريب، أن هؤلاء الذين مكنوا نظام مبارك من العودة، مما مهد الطريق لبراءته، لتضيع دماء الثوار هدراً، يتهمون مرسي بالتقصير، مستغلين عدم إلمام من يناظرهم بالموضوع، لينشروا الأكاذيب التي يتم التعامل معها على أنها حقائق. وهم من نسبوا أحكام البراءة لحكم محمد مرسي.

لا توجد عندي أزمة في الرأي الآخر على فجاجته، وعدم منطقيته في كثير من الأوقات، لكني صحفي أعرف معنى المعلومة، لهذا فإنه يعز عليّ نشر الأباطيل، على أنها حقائق مع سبق الإصرار والترصد، وهذا الأمر هو بضاعة الانقلاب وأنصاره، التي عانينا منها كثيراً طوال الفترة الماضية!

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد استضافت "الجزيرة" لفترة ليست بالقصيرة، شخصاً يحرص على أن يذكر الناس أنه حاصل على "الدكتوراه"في العلوم السياسية، وتخرج في الكلية التي أنتجت عدداً من الشخصيات المشوهة نفسياً، فلا هم قانونيون رغم دراستهم للقانون، ولا هم اقتصاديون رغم دراستهم لبعض مناهج كلية التجارة، وكانت أزمة البعض أنه دخل في هذه الحالة لمركز الدراسات بالأهرام وانضموا لنقابة الصحفيين، فكانوا أرباع باحثين وأخماس صحفيين، مثلهم مثل الكائنات الهجين!

والصحفي يهتم بالمعلومة، المكتملة، باعتبار أن المعلومة ضالة الصحفي، والباحث يستخدم منهج البحث العلمي في التحليل، وقد عانينا من هذا الهجين البين بين!

أحد هؤلاء قال إن مرسي هو من أفرج عن الإرهابيين، وذكر أسماء منها شقيق الدكتور أيمن الظواهري وقتلة السادات من أمثال عبود الزمر، وجرى ترديد هذا الكلام في وسائل الإعلام التابعة لسلطة الانقلاب، مع أن كل الأسماء التي ذكرها أفرج عنها بقرار من المجلس العسكري، وهناك من كان منهم قد حصل على أحكام بالإعدام من المحاكم العسكرية، لكن هذه المحاكم قامت بعد الثورة بإعادة محاكمتهم وألغت أحكامها وحصلوا منها على البراءة!

القائمة التي أفرج عنها مرسي لم تزد على سبعة عشر اسماً، ولم يكن هو صاحب القرار لكنه أحال أمرهم للجنة قانونية برئاسة رئيس مجلس الدولة الأسبق أمين المهدي، وهو الذي قرر أن الإفراج عنهم قانوني تماماً. وكان المهدي والفتي يروج أكاذيبه يشغل موقع وزير العدالة الانتقالية.. في عهد الانقلاب!

ما علينا، فهذا هو مرسي الذي فيه يمترون، لقد أصدر قراره بإعادة المحاكمة وشكل لجنة لتقصي الحقائق، ليكون أمام القاضي أدلة جديدة تصلح قانوناً لإعادتها، فـ ألا شاهت الوجوه.. ألا شاهت الوجوه.