مقابلات

حقوقي مغربي: بعض تشريعاتنا متخلفة عن دستور 2011

حامي الدين انتقد بشدة واقع حقوق الإنسان في المغرب ـ أرشيفية
أكد رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عبد العالي حامي الدين، في مقابلة مع "عربي21"، "أن المملكة المغربية ما تزال أمامها تحديات أساسية في مجال تطوير منظومة حقوق الإنسان، سواء على مستوى التشريع أو الممارسة".
 
ودعا أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، مختلف الناشطين في المجال الحقوقي إلى الانخراط في إنفاذ القانون، واحترام مقتضيات حقوق الإنسان بنفس السرعة ونفس الإرادة، التي قال إنها موجودة على مستوى التشريعات.
 
الناشط الحقوقي الإسلامي، انتقد بشدة وقلق بالغ ما سجله من استمرار التضييق على العمل الجمعوي وقمع للعديد من التظاهرات الفئوية والحقوقية، داعيا إلى ضرورة فتح ملف الحكامة الأمنية.
وشدد على أن المغرب ليس له من خيار سوى الاستمرار في ترسيخ وتثبيت دعائم دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان.
 
"عربي21" استعرضت في هذه المقابلة واقع حقوق الإنسان في المغرب بمختلف مستوياته، وسلط الضوء على محطة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي احتضنه المغرب قبل أسابيع، كل ذلك في إطار تخليد الحركة الحقوقية في العالم، لليوم العالمي لحقوق الإنسان.
 
وفيما يلي نص المقابلة:
 
 ما هي في نظركم أهم المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، في صلة بما جاء به دستور 2011؟

 من المؤكد أن هناك مكتسبات جديدة عرفها المغرب منذ سنة،2011 ابتدأت بالدستور الجديد الذي عزز الضمانات القانونية لحماية العديد من الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنات والمواطنين بحيث يمكن اعتبار الباب الثاني من الدستور بمثابة ميثاق حقيقي للحقوق والحريات.

أما على مستوى التفعيل والتطبيق فيمكن القول بأن بلادنا انخرطت في جيل جديد من التشريعات، التي تهم حماية الحقوق والحريات، بالإضافة إلى التفاعل مع المواثيق الدولية ومع الآليات الدولية في مجال حقوق الإنسان، في هذا الإطار نستحضر مصادقة الحكومة المغربية على الاتفاقيات التسع الأساسية بالإضافة إلى اتفاقية منع الاختفاء القسري.. كما صادق المغرب على البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول المحلق باتفاقية "سيداو"، وانخرطت بلادنا في مسلسل تشريعي هام يتعلق بإصلاح منظومة العدالة وكل التشريعات ذات الصلة بها، من قبيل القانون التنظيمي للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة ومراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية. هذه الأخيرة التي تضمنت مسودتها التي لازالت في طور النقاش العديد من المكتسبات الهامة، من قبيل حضور المحامي مع موكله أثناء مرحلة البحث التمهيدي، والتسجيل السمعي البصري لجلسات الاستنطاق.

وعلى صعيد الالتزامات الدولية للمغرب نسجل بإيجابية التحسن الملحوظ في وتيرة التفاعل المغربي مع آليات الاستعراض الدولي الشامل ومع آليات المعاهدات المختلفة، كما ننوه بانفتاح المغرب على الإجراءات الخاصة مثل استقبال عدد من المقررين الأمميين الخاصين وفرق العمل المتخصصة. بالإضافة إلى بعض الآليات الموازية كإحداث المرصد الوطني للإجرام وقانون مراكز حماية الطفولة كما ننتظر صدور قانون مناهضة العنف ضد النساء، بالإضافة إلى القوانين التنظيمية المتعلقة بتوسيع فضاءات اشتغال المجتمع المدني وخاصة ما يهم ملتمسات التشريع وتقديم العرائض.
 
ما هي أهم التحديات التي تواجه المغرب في مجال حقوق الإنسان؟
 
بطبيعة الحال ما تزال أمام بلادنا تحديات أساسية في مجال تطوير منظومة حقوق الإنسان سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق، وأيضا على مستوى انخراط مختلف المكلفين بإنفاذ القانون في احترام مقتضيات حقوق الإنسان بنفس السرعة ونفس الإرادة الموجودة على مستوى التشريعات بحيث سجلنا بقلق بالغ استمرار التضييق على العمل الجمعوي، من خلال المنع التعسفي لأنشطة بعض الجمعيات لاعتبارات غير قانونية، وهناك استهداف واضح لبعض الجمعيات الحقوقية، كما سجلنا في عدة محطات ضرب الحق في التظاهر ومنع التجمهر بدون مستند قانوني، كما سجلنا على المستوى التشريعي بعض التشريعات التي لازالت متخلفة عن روح دستور 2011، من قبيل مشروع قانون الولوج إلى المعلومات وكذلك قانون هيئة الوقاية من الرشوة، كما تعرف المسودات ومشاريع القوانين المطروحة فيما يتعلق بمنظومة القوانين الانتخابية العديد من الثغرات بالنظر إلى ما كان مأمولا في هذه المرحلة.
 
ما تعليقكم على القمع الذي ما تزال تواجه به عدد من التظاهرات أو بعض المهن، كالصحافة مثلا؟
 
نسجل بأسف الاعتداء على بعض الصحفيين وهم يمارسون عملهم المهني في تغطية بعض المظاهرات، وأيضا تعنيف بعض مظاهرات المعطلين وأيضا بعض التظاهرات التي جوبهت بعنف القوات العمومية في الأقاليم الجنوبية، هذه التعسفات التي ينبغي أن تتوقف لأنها لا تساير الإرادة السياسية المعبر عنها رسميا.
 
ما هي ملاحظاتكم الحقوقية على مستوى سجون المملكة؟
 
على مستوى الوضعية داخل السجون المغربية، نسجل في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، استمرار تدهور الأوضاع المعيشية للسجناء من خلال تسجيل نسبة عالية من الاكتظاظ الناتجة عن النسبة العالية من الاعتقال الاحتياطي، وتواضع الميزانية المخصصة للسجون، وهو ما ينعكس سلبا على برامج التأهيل والاندماج الاجتماعي، مما يجعل المؤسسات السجنية مكانا غير مناسب لإعادة الإدماج.
 
موضوع المعتقلين في إطار مكافحة الإرهاب، هناك أكثر من سؤال حول الجمود الذي بات، يطبع هذا الملف منذ الانفراج الذي عرفه سنة 2011؟
 
نسجل بكل أسف استمرار إغلاق ملف المعتقلين في إطار مكافحة الإرهاب أو ما يعرف إعلاميا بمعتقلي "السلفية الجهادية"، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من طرف المجتمع المدني؛ فإن مبادرة المقاربة التصالحية التي سبق أن تقدم بها منتدى الكرامة إلى جانب عدد من الجمعيات الحقوقية، ورغم الالتزام المعلن من طرف الحكومة باعتماد المقاربة التصالحية، فإن هذا الملف لازالت تواجهه العديد من الصعوبات، فمن المعلوم أن هناك الكثير من التعقيدات الأمنية التي تحيط بهذا الملف بسبب المغاربة الذين يقاتلون في سوريا، من بينهم عدد مهم من المعتقلين السابقين، ومع ذلك فإننا لازلنا نؤمن بأن الحوار ثم الحوار ثم الحوار، هو المدخل في المعالجة النهائية لهذا الموضوع سواء داخل السجون أو خارجها.
 
بم تفسرون تردد المغرب في المصادقة على بعض الاتفاقيات، خاصة من تطرح منها بعض الإشكالات كاتفاقية "سيداو" أو ذات الصلة بموضوع التعذيب؟
 
من المعلوم أن المغرب رفع جميع التحفظات على اتفاقية سيداو التي أصبحت متجاوزة بفعل التشريعات الجديدة وخاصة مدونة الأسرة، أما التحفظات التي لازالت مسجلة فهي تتعلق بطبيعة النظام السياسي المغربي وبعض قطعيات الشريعة الإسلامية. لكن علينا أن نسجل استمرار تردد المغرب في عدم المصادقة على اتفاقية "روما" المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية.
 
ما هو تقييمك للدورة الأخيرة للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان خاصة أمام الاحتجاجات والمقاطعة التي صاحبته؟ 
 
لا تعليق لي على موقف بعض الجمعيات التي اختارت المقاطعة، أما التقييم الإجمالي للمنتدى العالمي، الذي انعقدت دورته الثانية في المغرب بعد البرازيل، فلا يمكن أن يكون إلا إيجابيا؛ نظرا لأهمية احتضان بلادنا لهذا الكم الهائل من العاملين في مجال حقوق الإنسان، من حكومات وبرلمانات ومنظمات غير حكومية وخبراء دوليين ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة، ونظرا لأهمية المواضيع المطروحة للنقاش ولتنوع المشارب المشاركة، لكن سجلنا بطبيعة الحال الكثير من الاختلالات المتعلقة بالتنظيم واللوجيستيك وضعف التواصل.

بالنسبة لنا في منتدى الكرامة فقد حرصنا على إنجاح هذه الدورة من خلال ثلاثة أنشطة نوعية: ندوة موضوعاتية حول العالمية والخصوصية ولقاء مناقشة مع فرانسوا بورغا المفكر الفرنسي المعروف، ولقاء مناقشة حول عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء.
 
ما هي الآفاق المستقبلية التي تراها لمجال حقوق الإنسان في المغرب؟

بالنسبة للأفق أعتبر أنه ليس أمام المغرب إلا الاستمرار في ترسيخ وتثبيت دعائم دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان. سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى العملي، وهو ما يتطلب نوعا من التأهيل الجماعي لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، والعمل على تعزيز ثقافة وقيم حقوق الإنسان، وبصفة خاصة تفعيل مفهوم الحكامة الأمنية بالنسبة لكافة المؤسسات والأجهزة المعنية بهذا الموضوع.