مقالات مختارة

مشكلة الديمقراطية المستهلكة

1300x600
كتب علي بيرام أوغلو: في إحدى اللقاءات التلفزيونية، سئل رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق "دنيز بيكال" عن إمكانية عودته إلى رئاسة الحزب فقال: "تعيش السياسة تحولات باستمرار. لا نعرف ما الذي سيحصل فيها. دائما ما يكون هناك مفاجآت ونقاط مجهولة في الحياة السياسية".

"بيكال" هذا، الذي أسس للعقلية الضيقة في الحزب الجمهوري، كان سببا في خروج حزبه من البرلمان التركي بسبب عدم تأمين النصاب اللازم لدخول الأحزاب في البرلمان. 

(دنيز بيكال هو الرئيس السابق للحزب الجمهوري والذي خرج من رئاسته على اثر فضيحة جنسية - المحرر). 

وحزب الشعب الجمهوري هذا، حزب سياسي عقد الآمال على شخصية مثل بيكال ، وستكون مصيبة كبرى لو أردنا أن نأخذ حزب الشعب الجمهوري كمثال يحتذى به في أدائه السياسي.

لكنه من الجيد أن نأخذ العبرة من مشاكله.

لكن الأمر لا يقف عند هذا. نحن هنا نتكلم عن الحزب الرئيسي في المعارضة. نتحدث عن البديل المعارض للحزب الحاكم، عن الحزب الذي يفترض أن يتطلع للحكم وللحفاظ على الديمقراطية.

إن إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها الديمقراطية في تركيا وبدون أدنى شك، هي الفراغ المتمثل بغياب حزب سياسي معارض بكل ما للكلمة من معنى.

يحكم حزب العدالة والتنمية الدولة التركية منذ 12 سنة. وسنضيف 4 سنوات أخرى في الانتخابات القادمة بشكل حاسم. يعني أننا نتكلم عن 15 سنة من الحكم وربما أكثر..

دعونا نتذكر، يحصد حزب العدالة والتنمية أكثر من 40 بالمئة من الأصوات في حوالي 70 بالمئة من مناطق تركيا. يوجد 3 مدن فقط صوتت بأقل من 10 بالمئة للحزب.

في 27 مدينة حصد الحزب ما بين 20 إلى 40 بالمئة.

أقل من 10 مدن لم يكن الحزب فيها في المركز الأول أو الثاني. 

لا توجد أية إشارة حول تغير هذه النسب في الانتخابات القادمة. 

حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر حزب المعارضة الأساسي في تركيا يحوز على ثلث الأصوات.

في حوالي 30 مدينة ينال على أقل من 10 بالمئة من أصوات الناخبين.

ربع مدن تركيا تعطيه ما بين 10 إلى 20 بالمئة.

ولا يوجد أية علامة حول تغير هذه النتائج قريبا.

هذا التوازن، أو بالأحرى هذه الحالة من عدم التوازن تعود إلى نجاح حزب العدالة والتنمية بشكل أساسي. وعندما نتكلم عن الانجازات لا بد أن نتذكر الثورة الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة التركية على يد الحزب بالإضافة إلى رفع الروح المعنوية عند الشعب التركي المتمثلة في السياسة الخارجية. وللموجة الإيجابية التي اجتاحت تركيا بدون انقطاع حتى العام 2010 على يد الحزب دور مهم جدا.

والفضل في هذا التقدم الواضح للحزب الحاكم يعود إلى أداء الحزب الجمهوري نفسه الذي يقاوم أية حركة نحو التغيير ويحبس نفسه في دوائر سياسية ضيقة ويبقى تمثيله السياسي محصورا عند فئات محددة في المجتمع.

يقف وراء هذا الأداء السياسي الضعيف فكر الجماعات للسياسة.

يظهر الصراع على السلطة داخل الحزب الجمهوري جليا. فالسيد بيكال لم يقطع أمله بعد في الرجوع إلى رئاسة الحزب بعد كل ما حصل. والرئيس الحالي "كيليتشدار أوغلو" يخطو خطوتين للوراء مقابل كل خطوة للأمام. هذا بالإضافة إلى الانشقاقات التي تحصل داخل صفوف الحزب من القوميين. ولا ننسى العوامل الخارجية في منافسته للأحزاب السياسية الأخرى فنجد أن المنافسة هذه تزيد من الصراع الداخلي وتغذيه.

لا يزال الفكر القديم المعتمد على المصلحة الشخصية والمتوارث من النظام السياسي القديم موجودة عند حزب الشعب الجمهوري. تعتمد هذه السياسة على التوسع والامتداد داخل شريحته المستهدفة فقط وتأمين مصالحهم على حساب الشرائح الأخرى في المجتمع.
يحمل حزب الشعب الجمهوري هذه العقلية وهذه الجينات المسرطنة داخله التي تمنعه من التقدم والتفكير بالمجتمع ككل. وهذا أداء متناقض وفاضح في السياسة الحديثة.

لن تتخطى السياسة التركية هذا التناقض، ففي حال لم تحل مشكلة الحزب المعارض سوف يبقى الطريق إلى الديمقراطية حلما غير متحقق على الأرض.

المقال من صحيفة يني شفق التركية، ترجمته وحررته صحيفة "عربي21".