قضايا وآراء

بنو سيناء والتيه المصري

1300x600
يبدو أن التاريخ حقا يعيد نفسه وهذا ما حصل بالفعل مع أهالي سيناء ففي ذكرى تهجيرهم من بيوتهم إبان حرب العدوان الثلاثي والتي شنتها فرنسا والولايات المتحدة بمشاركة  الكيان الصهيوني على مصر عام 1956  كرد فعل على قرار تأميم قناة السويس أنذاك فها هو نفس المشهد يتكرر ولكن على أيدي الجيش المصري هذه المرة لا الجيش الإسرائيلي.

إن مشكلة أهالي سيناء وخاصة سكان الشريط الحدودي منهم مع الدولة المصرية مشكلة قديمة حديثة فمن مشاكل انعدام المواصلات إلى ضعف الخدمات الصحية وتدني مستوى التعليم إلى انعدام المشاريع التنموية والتي تؤمن فرص العمل لأبناء تلك المنطقة حتى بات الشعور السائد لدى السكان المحليين بتخلي الدولة عن واجباتها تجاههم مما خلق عند فئة منهم بعض الحنق واضطرهم إلى سلوك سبل أخرى لكسب عيشهم كتهريب السلاح والمخدرات وكل ما يمكن تهريبه عبر الحدود المفتوحة وقد ساعدهم في ذلك جغرافية المنطقة التي يقطنونها، ومع أن منطقة سيناء تساهم بشكل كبير في الدخل القومي المصري لما لها من خصوصية وتنوع بيئي حتى أصبحت من الوجهات السياحية المفضلة لكثير من سكان العالم كما أن الثروات الطبيعية الموجودة فيها من نفط وغاز وفوسفات ومعادن أعطاها تلك الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للحكومات المتعاقبة .

أما إذا ما تحدثنا عن البعد الأمني فيما يخص قضية سيناء فمن حق أي دولة أن تركز جهدها الأمني على مناطق  الحدود والتماس مع العدو خاصة وأن سيناء تم احتلالها من قبل اسرائيل في حرب اكتوبر 1973  لتتحول فيما بعد إلى شبه منطقة عازلة بعد معاهدة كامب ديفيد زمن الرئيس السادات  أما في عهد مبارك فتعرضت شبه جزيرة سيناء للإقصاء والتهميش على كافة الأصعدة وباتت تهمة الإرهاب تلاحق معظم أبناءها للأسباب التي ذكرناها آنفاً بلجوء السكان إلى ممارسة الأعمال المخالفة للقانون بسبب التضييق وتشديد الخناق عليهم  ويبدو أن مجاورة سيناء لقطاع غزة الفلسطيني كان له الأثر الكبير في التركيز على منطقة شمال شرق سيناء وتحديدا رفح المصرية فمن تهم بتهريب السلاح إلى قطاع غزة عبر الأنفاق إلى تسلل مقاتلين أجانب من القطاع باتجاه الأراضي المصرية لتنفيذ أعمال إرهابية ما دفع بإسرائيل ودول غربية للضغط على مصر لتشديد القبضة الأمنية هناك.

جاءت ثورة يناير لتصل بأول رئيس مصري منتخب لسدة الحكم فاستبشر أهل سيناء خيراً خاصة بعد الوعود التي أطلقها الرئيس مرسي أثناء حملته الإنتخابية بأن زمن التهميش لأهالي سيناء قد انتهى ووضع الرئيس على طاولة لقاءاته واجتماعاته مع وجهاء سيناء مشروعاً متكاملا لتنمية المنطقة يشمل مشاريع تنموية وزراعية تؤمن فرص عمل للأهالي وترفع من سوية حياتهم الإجتماعية والإقتصادية مع تأكيده على وجوب الإبقاء على الإنضباط الأمني ما دفعه للطلب من الجيش بالقيام بعملية عسكرية واسعة لكنها بطيئة ومتأنية ولا تضر أو تمس بسكان سيناء ولرفع صفة الإرهاب عنهم قبل البدء بالمشاريع التنموية ولكن رؤية ومشروع الرئيس مرسي لم تكتمل ليأتي الإنقلاب العسكري بقيادة الجنرال السيسي مطيحاً بآمال وأحلام السيناويين لتعود قضيتهم للمربع الأول ولتعود الحوادث الأمنية المتعاقبة إلى الظهور و كان آخرها استهداف ثلاثين جنديا من قوات الجيش المصري ما لبثت أن حملت حكومة السيسي مسؤولية قتلهم لأيادي اجنبية قادمة من جهة قطاع غزة عبر الأنفاق الشي الذي سارعت حركة حماس بنفيه مؤكدة أنه ليس من مصلحتها معاداة الجانب المصري والذي اختارته ليكون الوسيط في وقف إطلاق النار بينها وبين إسرائيل إبان العدوان الأخير ولكن على ما يبدو أن قرار تهجير أهالي سيناء بحجة تحييدهم والحفاظ على أمنهم خلال العملية العسكرية المزمع تنفيذها وفرض منطقة عازلة مع الشريط الحدودي لغزة ما هو إلا تنفيذ لأجندة إسرائيلية غربية متفق عليها مسبقا لقطع خطوط الإمداد للمقاومة الفلسطينية ولمعاقبة أهالي سيناء لوقوفهم إلى جانب جيرانهم الفلسطينيين في حربهم الأخيرة.

 إذا ما كان تهجير أهالي سيناء تهجيرا مؤقتاً خلال حرب 1967 يبدو أن التغربية السيناوية ستطول هذه المرة بعد تفجير منازل الأهالي بحجة وجود الأنفاق داخلها وبعد تصريح الرئيس السيسي بأن الحرب في سيناء هذه المرة سوف تكون حرباً طويلة.