مقالات مختارة

حديث الأقليات في سوريا

1300x600
كتب رياض نعسان أغا: أتيح لي أن أحضر كثيراً من الحوارات التي تنشط بين السوريين، وكانت آخر ندوة حضرتها قبل أيام قد ضمت ممثلين افتراضيين عن كل مكونات الطيف السوري، وقد لفت اهتمامي عبر هذه الحوارات إلحاح بعض ممثلي الأقليات على فكرة تقديم ضمانات لها في سوريا المستقبل، ولن أكتم القارئ أن هذا المطلب يؤرقني ويحرجني كثيراً، ولا أدري لم يصر عليه مثقفون وناشطون سوريون يمتلكون وعياً سياسياً راقياً، ولكن يغيب عنهم أن جوهر هذا الطلب يوحي بأحد أمرين وربما بكليهما، وهما أولاً اتهام خفي للأقليات أو لبعضها بأنها قدمت مواقف لا ترضى عنها الأغلبية، وتؤكد على تورط بعضها بارتكاب جرائم ضد الشعب السوري، وهي إذن تخشى من المحاسبة والعقاب في النهاية، ولذلك هي تريد أن تضمن ألا يحاسب مجرميها أحد، فأما الاتهام الخفي الثاني فهو يوحي بكون هؤلاء المطالبين ينظرون إلى الأغلبية على أنهم مجرمون أو متوحشون وإذا وصلوا إلى السلطة فإنهم سيعيثون في الأرض قتلاً وإجراماً، ولهذا لابد من ضمانات دولية للأقلية الخائفة من الأكثرية المتوحشة. وأنا أدرك أن من يطلبون هذه الضمانات يفترضون إذن أن داعش (مثلاً) هي التي ستنتصر، أو أن التيارات الدينية عامة هي التي ستحكم سوريا المستقبل، وهم يعبرون عن (فوبيا) من الإسلام عامة.

والمؤسف في هذا الطرح أنه يتناقض مع شعار أعلنه شعبنا من أول أيام انتفاضته، هو (الشعب السوري واحد) وسيقول أحدهم (هذا صحيح لكن الأحداث تجاوزت هذا الشعار، وظهرت قوى إرهابية اعتدت على المسيحيين والإيزيديين وبعض الأكراد في العراق وفي سوريا)، وسيكون الجواب (إنها اعتدت على أهل السُنة والجماعة وقتلت منهم أضعاف من قتل أو تعرض لاعتداء من الأقليات، فمن سيمنح أهل السُنة والجماعة ضمانات بالحماية من قوى إرهابية تعلن انتماءها أيضاً لأهل السنة والجماعة، وهل يمكن لأحد من أهل السُنة أن ينكر أن الحامل السياسي الرئيس للنظام السوري اليوم هم مؤيدوه من أهل السُنة الذين لم يلتحقوا بثورة شعبهم ولم يؤرقهم لحظة ما يرون من طوفان الدم، ومن الدمار الذي محى قرى وبلدات وأحياء كبيرة من المدن من الخريطة السورية!

إن الافتراضات الطائفية في توصيف الفاجع السوري تميل إلى التعميم الذي يجعل الأحكام مطلقة وغير موضوعية، حتى في تحميل الطائفة العلوية مسؤولية أكبر عن المجازر التي ترتكب ضد الشعب السوري، ولئن كان النظام قد استعان بالطائفة العلوية لحمايته والدفاع عنه فإن هذا لاينفي مشاركة ممثلين عن كل الطوائف والشرائح في الدفاع عن النظام وفي مشاركته عسكرياً في تدمير المحافظات السورية. ومهما تكن المبررات عند المشاركين، فإنها لا تعفي أحداً من المسؤولية القانونية بوصفه قتل أو سرق أو نهب أو اغتصب أو خطف أو ذبح وليس بوصفه علوياً أو مسيحياً أو كردياً أو سنياً أو شيعياً إلى آخر ذلك.

والخطر في فكرة تقديم الضمانات أنها تنسف ما ندعو إليه من جعل المواطنة وحدها عمود العقد الاجتماعي، وإذا اعتمدت بوصفها هوية للجميع فإنها المخرج الوحيد من خطر المحاصصات الطائفية التي يعرف السوريون ما فعلت في لبنان حيث مزقت المجتمع، وبات تشكيل حكومة فيه يتطلب صبر سنين، وهي سر ما يقع فيه لبنان من تفكك اجتماعي وسياسي، وسيكون مفجعاً أن يقع السوريون في هوة المحاصصات ويصير الانتماء إلى الطائفة بديلاً عن الانتماء إلى الوطن.

إنني أدعو كل السوريين إلى رفض الحديث عن الأقليات واعتبار هذا المطلب ترسيخاً لتقسيم معنوي قبل أن يصير تقسيماً جغرافياً وسياسياً، وقد طالب بعض ممثلي الأقليات بهذا التقسيم المعنوي واعتبروه حلاً رغم اعترافهم في أحاديث جانبية باستحالة التقسيم الجغرافي الذي لن يمكن أية طائفة من بناء استقلالية أو تفرد داخل الوحدة الوطنية.


(الاتحاد الاماراتية)