ملفات وتقارير

الصور الفضائية ترصد ضياع معالم حلب الأثرية

حلب بعد الدمار (المصدر AAAS)

ترصد صور التقطت بالأقمار الاصطناعية على فترات مختلفة حجم الدمار الكبير الذي لحق بمعالم حلب الأثرية في المنطقة القديمة المحيطة بقلعة حلب، والتي صنفتها لجنة التراث العالمي العام الماضي على قائمة "التراث المهدد".

وترصد الصور التي نشرتها مؤسسة أمريكية تُعرف اختصارا باسم "إيه إيه إيه إس" (AAAS) التغيرات التي طرأت على حلب القديمة بين كانون الأول/ ديسمبر 2011 وآب/ أغسطس 2014.

وتعتبر مدينة حلب التي أدرجتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي عام 1986؛ من أقدم المدن المأهولة في العالم، حيث تعود لأواخر العصر البرونزي (العهد الميليني الثاني)، وكانت حتى منتصف عام 2012 العاصمة التجارية والصناعية في سورية، قبل أن تصل إليها المعارك ما أدى تدمير القسم الأكبر من المناطق الشرقية ووسطها القديم نتيجة القصف بالبراميل المتفجرة بشكل خاص والتفجيرات تحت الأرض، فيما نزح غالبية السكان من المدينة.

وتمتلئ المدينة القديمة بالمعالم الأثرية التي خلفتها الحضارات القديمة، بدءا من الهيتيتيين والهيلينستيين مرورا والرومان والبيزنطيين، مرورا بالأمويين والسلجوقيين والأيوبيين وصولاً إلى العثمانيين.

ومن الآثار التي لحقها الدمار الهائل السوق الأثري المعروف باسم "سوق المدينة" الذي بُني لأول مرة في العصر الهلنستي ثم البيزنطي، وهو أحد أكبر وأقدم الأسواق الأثرية المسقوفة في العالم، إضافة إلى الجامع الكبير (الجامع الأموي) الذي هدمت مئذنته بالكامل كما تعرض المسجد لدمار كبير قبل ذلك وخصوصا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

وتعرض سوق المدينة الذي يعود تاريخ بناء القسم الأكبر منه للقرن الخامس عشر ويصل طول أقسامه مجتمعة إلى نحو 13 كيلومترا؛ لحريق ضخم في أيلول/ سبتمبر 2012، أتى على نحو 700 محل تجاري في السوق الذي يضم نحو 5 آلاف متجر تبيع مختلف البضائع. كما امتدت الاشتباكات أكثر من مرة لهذا السوق الذي خط التماس بين الثوار وقوات النظام المتمركزة في قلعة حلب وبعض الأبنية القديمة المحيطة.

كما تبادل الثوار وقوات النظام السيطرة على الجامع الأموي الذي بني في القرن الثامن الميلادي، والذي تعرض لدمار كبير جعله غير قابل للاستخدام، ثم تبع ذلك تدمير مئذنته الفريدة من نوعها والتي أنشئت في العصر المملوكي، نتيجة القصف المدفعي من جانب قوات النظام في نيسان/ أبريل 2013، علما بأن مساجد عديدة ومآذن تعرضت للقصف من جانب قوات النظام السوري. وفي آذار/ مارس 2013 تم تفكيك المنبر الأثري المعروف باسم منبر صلاح الدين الأيوبي، وقيل حينها إنه نُقل إلى مكان آمن بإشراف المجلس المحلي في حلب (التابعة للثوار). كما جرت محاولات لحماية ضريح النبي زكريا الذي يعتقد أنه مدفون في المسجد الذي يقع إلى الغرب من قلعة حلب، عبر بناء سور يحيط بالضريح.

وأبرز المعالم الأثرية قلعة حلب التي يبلغ ارتفاعها نحو 50 مترا، وتقع على تلة مرتفعة تشرف على مجمل مدينة حلب القديمة. وتحيط بها مجموعة من المباني الأثرية، كما يحيط بالمنطقة بالكامل سور لم يتبق منه سوى جزء بسيط إلى إضافة بعض بوابته التي تعود للعصور الوسطى. وقد لحق دمار بمدخل القلعة وبابها الذي يعود للعهد الأيوبي.

ومع بداية الأحداث في سورية، حوّل النظام القلعة الأثرية لمقر رئيس لقواته في حلب، كما يتمركز القناصة على أسوارها، وهو ما يجعل مساحة واسعة من وسط حلب ضمن مرمى نيرانهم.

ويُعتقد بأن القلعة يعود إنشاؤها إلى أكثر من 300 سنة قبل الميلاد (بدءا من اسكندر المقدوني مرورا بالرومان والبيزنطيين)، ثم تطور بناؤها خلال مراحل لاحقة وخصوصا في عصر الأيوبيين (خلال الحروب الصليبية).

كما تبرز في المنطقة معالم مسيحية تعود للقرن السادس الميلادي، وطرق مرصوفة بالحجارة ترجع للعصر الروماني، ومساجد ومدارس وقصور أنشئت في عصور الأمويين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين.

وإلى جانب المسجد الأموي تقع المدرسة "الحلاوية" التي أنشئت لتدريس الفقه الحنفي، وهي كانت قبل ذلك كاتدرائية أقيمت في القرن الخامس الميلادي على أنقاض كنيس يهودي قام مكان معبد وثني في العصور القديمة، بحسب بعض الدراسات التاريخية.

وتجري معارك عنيفة في المنطقة القديمة المحيطة بالقلعة، حيث تشكل المنطقة إحدى نقاط التماس بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والأخرى الخاضعة لسيطرة الثوار. كما يعمل الثوار منع استفادة النظام من مواقعه في قلعة حلب.

ولحق الدمار بالمنطقة المحيطة بجنوب القلعة بشكل خاص، والتي تحوي مبنى وزارة العدل الأثري، والسرايا الكبير الذي كان مقرا للحكومة المحلية في حلب خلال فترة الاحتلال الفرنسي، ومقر الشرطة القديمة. كما نال الدمار مبنى الجوازات الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ودار الفتوى التعرضت لدمار شبه كامل.

وتعرض مبنى وزارة العدل القديم لدمار كبير عندما قام الثوار بحفر نفق تحت الأرض لتفجير فندق الكارلتون الذي كانت تتمركز فيه قوات النظام السوري. وبني الفندق الذي دُمر بالكامل في القرن التاسع عشر.

ودُمرت أجزاء من حمام يلبغا الذي يعود إلى الخامس عشر الميلادي، وخصوصا إحدى قبتيه اللتين تميزان البناء. ومثله كذلك جامع الخسروية الذي بُني في منتصف القرن السادس عشر.

وطال الدمار خان قرط بيك الأثري، الذي يضم بشكل خاص قهوة البرتقال الشهيرة. ويقع الخان إلى الشمال من القلعة، ويعود بناؤه إلى العهد المملوكي (تحديدا في القرن الخامس عشر) حيث كان قد تم البدء به كقصر لكنه لم يكتمل ليتحول في عهد العثمانيين إلى خان. وقد تعرض السوري الشرقي بشكل خاص للدمار، فيما تمت المناطق التي تلي السور بالأرض. ووتضمن المواقع التي نالها الدمار شمال القلعة مبان تعود للعهدين المملوكي والعثماني (ابتداء من القرن الثالث عشر وحتى التاسع عشر).

وبشكل عام، تشير التقديرت إلى أن ما لا يقل عن 35 مسجدا أثريا، تعود للعصور المملوكية والأيوبية والعثمانية، قد تعرضت للضرر. وإضافة إلى مئذنة الجامع الأموي، دُمرت مئذنة جامع المهمندار التي تعود للقرن الثالث عشر، وتتميز بلمسات الفن المعماري في سمرقند.

لكن ما لا يُذكر دائما هو الدمار الذي لحق بالبيوت القديمة في حلب، والتي بنيت ابتداء من القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر. وتشير التقديرات إلى أن نحو 3 آلاف من هذه البيوت قد تعرضت للدمار، من أصل نحو 6 آلاف بيت، وكثير منها كانت مصنفة بأنها "محمية" كمعلم أثري، حيث كان لا يُسمح لأصحابها بالتصرف بها أو إجراء أي تعديل عليها.

ويبقى أن حلب القديمة تشكل جزءا من مجمل مدينة حلب التي تعرض نحو نصفها للدمار الكامل، نتيجة القصف العشوائي وخصوصا عبر البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام السوري.

صورة التقطت لمدينة حلب القديمة في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2011


السهم الأحمر يشير إلى مكان مئذنة الجامع الأموي المدمرة، الأزرق يشير إلى حفرتين في حائط الجامع، والسهم الأخضر يشير إلى سوق المدينة. أما الأسهم الصفراء فتشير إلى الدمار في معالم عديدة في المحيط (المصدر: AAAS)

صورة لمنطقة جنوب القلعة التقطت بتاريخ 6 كانون الأول/ ديسمبر 2011 (المصدر: AAAS)




صورة لمنطقة جنوب قلعة حلب التقطت بتاريخ 10 آب/ أغسطس 2014. السهم الأخضر يشير لجامع الخسروية، اسهم البرتقالي يشير إلى السرايا الكبير، السهم البنفسجي يشير لحمام يلبغا. وفي الطرف الأيسر من الصورة يظهر دمار المنطقة بأكملها (المصدر: AAAS)