كتاب عربي 21

كل السلطة بيد أردوغان

1300x600
يستدل من دستور تركيا أن موقع الرئاسة لم يقصد له أن يكون مجرد منصب رمزي أو احتفالي، إنما تردى إلى هذا الوضع بسبب تدخلات العسكر.

لأول مرة في تاريخ تركيا، وصل رئيسها - وهو الثاني عشر هذا القرن - إلى موقعه من خلال الاقتراع الشعبي العام. وليست هذه بالحقيقة الهينة، بل إن ما نحن بصدده هو تطور سيغير بشكل كبير الطريقة التي تتشكل فيها الحكومات في تركيا. 

 ولتقدير حجم هذا التغيير، من الأهمية بمكان التأمل في الصلاحيات التي يمنحها الدستور للرئيس. 
فيما يلي المواد ذات العلاقة من الدستور: 

المادة 104 - رئيس الجمهورية هو رأس الدولة، وبهذه الصفة فإنه يمثل الجمهورية التركية ووحدة الأمة التركية، وتناط به مهمة ضمان تطبيق الدستور وكذلك ضمان أن تعمل أجهزة الدولة بشكل منتظم وفي انسجام وتكامل. 

وتحقيقاً لهذا الغرض فإن الواجبات التي تناط به والصلاحيات التي يمارسها بموجب الشروط المنصوص عليها في المواد ذات العلاقة من الدستور هي على النحو التالي: 

 أ) تلك الواجبات والصلاحيات ذات العلاقة بالتشريع:

 أن يلقي، إن رأى ذلك ضرورياً، الكلمة الافتتاحية أمام المجلس الوطني الأعظم لتركيا في اليوم الأول من السنة التشريعية.

دعوة المجلس الوطني الكبير لتركيا للانعقاد، عند الضرورة، من أجل إعلان القوانين، أو إرجاع القوانين إلى المجلس الوطني الأعظم لتركيا لإعادة النظر فيها.

 الاستئناف أمام المحكمة الدستورية لإلغاء مواد معينة من القوانين سواء بشكل جزئي أو كلي وكذلك المراسيم التي لها قوة القانون والأحكام والإجراءات الخاصة بالمجلس الوطني الأعظم لتركيا نظراً للطعن في دستوريتها سواء من حيث الشكل أو المضمون.

 اتخاذ القرار بتجديد انتخابات المجلس الوطني الأعظم لتركيا.

ب) تلك الواجبات والصلاحيات ذات العلاقة بالسلطة التنفيذية:

تعيين رئيس الوزراء وقبول استقالته.

تعيين وفصل الوزراء بناء على مقترح مقدم من رئيس الوزراء.

ترؤس مجلس الوزراء أو دعوة مجلس الوزراء للانعقاد تحت رئاسته حيثما وجد ذلك ضرورياً.

اعتماد ممثلي الدولة التركية لدى الدول الأخرى واستقبال ممثلي الدول الأجنبية المعينين لدى جمهورية تركيا.

التصديق على المعاهدات الدولية وتعميمها.

تمثيل مكتب القائد العام للقوات المسلحة التركية نيابة عن المجلس الوطني الأعظم لتركيا.

اتخاذ قرار بشأن استخدام القوات المسلحة التركية.

تعيين رئيس هيئة أركان القوات المسلحة.

دعوة مجلس الأمن الوطني للانعقاد.

ترؤس مجلس الأمن الوطني.

إعلان تطبيق القانون العسكري أو حالة الطوارئ، وإصدار المراسيم التي تتمتع بقوة القانون بقرارات مجلس الوزراء تحت رئاسته. 

التوقيع على المراسيم.

إجازة أو تخفيض الأحكام الصادرة ضد أفراد معينين بسبب المرض المزمن أو الإعاقة أو الشيخوخة. 

تعيين رئيس وأعضاء مجلس الدولة للرقابة.

تكليف مجلس الدولة للرقابة بالقيام بالتحقيقات والاستفسارات والرقابات. 

تعيين أعضاء المجلس الأعلى للتعليم.

تعيين رئيس الجامعات.

ج) تعيين أعضاء المحكمة الدستورية وربع أعضاء مجلس الدولة، والمدعي العام ونائب المدعي العام لدى محكمة الاستئناف العليا، وأعضاء محكمة الاستئناف العسكرية العليا، وأعضاء المحكمة الإدارية العسكرية العليا وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ووكلاء النيابة. 

كما يمارس رئيس الجمهورية صلاحيات الانتخاب والتعيين ويمارس الواجبات الأخرى المناطقة به من قبل الدستور والقانون. 

المحاسبة وعدم المحاسبة الرئاسية:

المادة 105 - جميع المراسيم الرئاسية، فيما عدا تلك التي يتمتع الرئيس بصلاحية إنفاذها بشكل فردي دون توقيعات رئيس الوزراء والوزير المعني بموجب أحكام الدستور والقوانين الأخرى، يوقع عليها رئيس الوزراء والوزراء المعنيون، ويكون رئيس الوزراء والوزراء المعنيون مساءلين عن هذه المراسيم. 

لا يجوز الاستئناف لدى أي سلطة قضائية، بما في ذلك المحكمة الدستورية، ضد القرارات والأوامر التي يوقع عليها رئيس الجمهورية بالأصالة عن نفسه. 

يمكن أن يطلب التصويت على سحب الثقة من رئيس الجمهورية بسبب الخيانة العظمى بتوصية من ثلث أعضاء المجلس الوطني الأعظم لتركيا على الأقل وتسحب الثقة بتصويت ما لا يقل عن ثلاثة أرباع العدد الكلي لأعضاء المجلس. 

من يتأمل بعناية في الأحكام المذكورة أعلاه سوف يخلص إلى أن الرئاسة ليست مجرد منصب رمزي أو احتفالي، رغم أنها حتى الآن بدت بالفعل كما لو كانت كذلك، للأسباب المفصلة أدناه. 

ولهذا بالضبط كانت كل انتخابات تجري في تركيا حتى انتخابات الرئاسة التي جرت مؤخراً في 2014 تجلب معها أزمتها، والحقيقة أن التعديل الدستوري الذي سمح بإجراء الانتخابات الرئاسية تمت إجازته بسبب الأزمة التي تمخضت عن انتخابات 2007.

كان من المفروض أن ينتخب الرئيس من قبل البرلمان في عام 2007. رشح حزب العدالة والتنمية عبد الله غول للرئاسة، إلا أن مادة لم يسمع بها من قبل ظهرت فجأة فيما بدا تلاعباً قصد منه النيل من سيادة القانون. مارس العسكر والقضاة ضغوطاً شديدة، وابتدعوا حكماً جديداً كان سيعرف بـ "الحكم رقم 367"، وكان الأمر كله صادماً لشدة سوئه. 

بحسب المادة رقم 102 من الدستور في ذلك الوقت، كان يمكن أن ينتخب الرئيس من خلال ما لا يزيد عن أربع جولات اقتراع داخل البرلمان. وبموجب هذه المادة يتحقق النصاب بأغلبية الثلثين ( أي 367 صوتاً) من الأعضاء في الجولتين الأولى والثانية)، وبالأغلبية المطلقة( أي 267 صوتاً) في الجولتين الثالثة والرابعة).

ما طرح في حينه بشكل يبعث على الريبة هو الادعاء بأن الأغلبية المؤهلة من 367 صوتاً لم تكن النصاب المطلوب لاتخاذ قرار وإنما يتوجب تحققها لصحة انعقاد الجلسة الافتتاحية، الأمر الذي حال دون أن يتمكن حزب الأغلبية، بما يتوفر لديه من 354 مقعداً، من انتخاب الرئيس القادم لتركيا. 

في أمسية الجولة الأولى يوم 27 إبريل 2007 أصدر العسكر مذكرة، فيما اعتبر انقلاباً مبطناً، ظناً منهم أن التهديد بانقلاب مبطن سوف يلجئ حزب العدالة والتنمية إلى التراجع. 

ثم حدث شيء لم يحدث قط من قبل في تاريخ تركيا، حين رد إردوغان على التهديد المبطن بنفس القوة التي صدرت بها مذكرة العسكر، وأعلن بأن الحكومة ستسعى لإجراء انتخابات مبكرة وكذلك إجراء استفتاء على تعديل الدستور بحيث يصبح اختيار الرئيس من خلال الاقتراع الشعبي العام.

تحقق النصاب المؤهل للأغلبية حينما فاز حزب الحركة القومية ببعض المقاعد في الانتخابات المبكرة، وتم انتخاب عبد الله غول رئيساً جديداً لتركيا، فلم يكن أمام نظام الوصاية المشكل من تحالف العسكر والقضاء، وقد فاجأه الرد غير المتوقع، إلا أن يتراجع. 

هذه هي الحكاية التي تسنى بسببها لرجب طيب إردوغان أن ينتخب رئيساً قادماً من خلال الاقتراع الشعبي العام يوم العاشر من أغسطس. 

وصلت البلاد إلى نقطة حصلت عندها على رئيس مسلح بسلسلة واسعة من الصلاحيات ومدعوم بعدد من الأصوات تجاوز ما حصل عليه أقوى الأحزاب السياسية في البلاد. 

في الماضي كان الرؤساء يستخدمون جزءاً بسيطاً من الصلاحيات المخولة لهم نظراً لأن نظام الوصاية كان لديه ما يكفي من السطوة والسلطان على الحكومات التي تكون قد تشكلت في العادة قبل انتخاب الرئيس عبر الجولات البرلمانية. وكان الرئيس يتدخل فقط حينما كان نظام الوصاية راغباً في عدم تلويث يديه، وبذلك كان مكتب الرئيس أشبه بمركز سلطة النظام الكمالي. 

ينوي إردوغان كرئيس منتخب استخدام كافة الصلاحيات المخولة له من قبل الدستور والشعب. 

لم تستجب أحزاب المعارضة لنداءاته لها بالتعاون لتصحيح هذا الوضع الخاطئ. وكان إردوغان قد قال مراراً وتكراراً بأن مكتب الرئاسة في تركيا كان فعلياً نظاماً رئاسياً، ودعا إلى تغيير بنيوي حتى تستبين صلاحيات السلطات المختلفة ويتحقق الفصل بينها، واقترح لإصلاح الوضع وإزالة اللبس أن تطبق البلاد نظاماً رئاسياً أو شبه رئاسي أو نظاماً رئاسياً متعدد الأحزاب( وهو النظام الذي كان معمولاً به إلى أن وقع انقلاب عام 1960.

في السابق لم يكن يتسنى إجراء التعديل المطلوب بدون دعم من المعارضة، أما الآن، فعلى الرئيس المنتخب والحكومة التعاون فيما بينهما لإصلاح الخلل. وقد يسأل سائل إلى متى يستمر ذلك؟ والجواب: إلى أن يكتمل إجراء كافة التعديلات الضرورية على الدستور.