حاولت أم محمد، وهي أم لثلاثة اطفال اصغرهم يبلغ شهرين من عمره، الهرب من "الرعب" في بلدتها
عرسال الحدودية
اللبنانية أكثر من مرة، لكن القصف العشوائي الذي لا يوفر الأحياء السكنية في البلدة أرجعها الى بيتها لتحتمي بعيدا عن النوافذ، وسط دخان القذائف الاسود الذي يزيد حلكة انقطاع الكهرباء عن المنطقة.
أم محمد هي واحدة من بين حوالي 30 الف لبناني وأكثر من 100 ألف نازح سوري، تحاصرهم المعارك الدائرة منذ السبت بين الجيش اللبناني ومجموعات من المسلحين في عرسال ومحيطها. تمكن حوالي 500 شخص كلهم لبنانيون، من مغادرة بلدتهم، لكن في المقابل منع الجيش الذي يقيم مراكز على اطراف عرسال، اي سوري من مغادرة البلدة.
وزاد "الطين بلة" احتراق "نحو 1000 من خيم النازحين السوريين في القصف على معاقل المسلحين في عرسال، ما ادى الى "عشرات" القتلى والجرحى وتشرد "اكثر من 5000 لاجئ" في طرقات البلدة ومساجدها.
لا تزال ام محمد، وهو اسم مستعار للسيدة التي طلبت عدم ذكر اسمها، في منزلها في حي وادي عطا ببلدة عرسال مع اولادها الثلاثة "غصبا عنا" لانها لم تستطع الهرب من البلدة بسبب "القصف الشديد"، بحسب ما قالت في حديث عبر الهاتف لـ "الاناضول".
وأضافت ان "المعارك تدور على اطراف البلدة لكن القصف يطال داخلها"، ووصفت القصف بأنه "عشوائي ويطال البنايات السكنية"، مشيرة الى "اننا نسمع قصفا ومن ثم نرى دخانا اسود كثيفا". وقالت: "نعيش رعبا كبيرا. هناك شهداء وجرحى في المستشفيات وحتى على الطرقات".
وأوضحت ان "القصف ينطلق من ناحية قرية اللبوة المجاورة لكن لا ندري إن كان من يقصف هو الجيش ام حزب الله"، مضيفة أن الاشتباكات مستمرة على مداخل عرسال حيث ينتشر مسلحون.
روت أم محمد كيف أنها حاولت أن تهرب صباح اليوم الاثنين من عرسال "لكن من دون جدوى. اصابت قذيفة سيارة خلال خروجنا فمات ثلاثة اطفال وحالة الأب والأم حرجة وذلك حتى قبل ان نصل الى مدخل البلدة".
وأضافت: "رجعت ولم أرد المخاطرة بحياة أولادي الثلاثة خصوصا الصغير. ونختبئ حاليا في المنزل بعيدا عن النوافذ"، لكنها اوضحت انه "لا توجد منطقة آمنة في عرسال. القصف عشوائي وذلك امر مخيف وخطير".
وأشارت إلى أن "الكهرباء مقطوعة بشكل شبه تام وبالكاد تكفي لشحن بطاريات التلفونات، ولا يوجد إنترنت لننقل للعالم الخارجي ما يجري".
وقالت إنه "لا مراكز او حواجز ثابتة" للمسلحين السوريين، لكنها شكت من أنهم "لا يستثنون احدا (من اعتداءاتهم)"، فهم هاجموا مركزا لقوى الامن الداخلي يوم السبت الماضي "فتصدي الاهالي لهم خلال اقتحامهم مقر الشرطة وقتل اثنين من خيرة شبابنا".
وفي هذا الاطار، افاد مصدر امني "الاناضول" ان "نحو 500 شخص، اطفال ونساء ورجال، فقط تمكنوا من الهرب من عرسال حتى الآن، بعضهم عبر طرق ترابية وفرعية هم".
من جهته، قال حسن رائد، ممثل "اتحاد الجمعيات الاغاثية" في عرسال، الذي يعنى بإغاثة مخيمات
اللاجئين السوريين في لبنانان "الجيش اللبناني قصف معظم المخيمات اللاجئين السوريين وأحرقها"، مضيفا ان "5 اطفال استشهدوا اليوم في القرية".
وأوضح رائد، الذي غادر عرسال في وقت سابق اليوم، ان "اكثر من 1000 خيمة احترقت، أي أكثر من 5000 نازح سوري صاروا نازحين مجددا وقد افترشوا الطرقات ولجأوا الى الجوامع" داخل البلدة.
وأشار الى انه "يمكن للبنانيين مغادرة البلدة متى سمح الوضع الامني بذلك، لكن الجيش اللبناني يمنع السوريين من مغادرة عرسال"، مضيفا ان "المسلحين يتواجدون على اطراف البلدة وأحيانا يقتربون من الاحياء السكنية في عمليات كر وفر تتأثر بالمعارك الدائرة".
وفي هذا الإطار، أقر مصدر عسكري رفيع المستوى في حديث لـ "الاناضول"، باحتمال "سقوط قذائف عن طريق الخطأ على مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال". وأوضح أن "المسلحين يخرجون من بين خيم اللاجئين ليشنوا الهجمات على الجيش ونحن نقوم بالرد مدفعيا كدفاع عن النفس ومن الممكن أن تسقط قذائف خطأ على المخيمات".
من ناحيته، اعلن "المرصد السوري لحقوق الانسان" في بيان تلقت "الاناضول" نسخة منه، ان "العشرات من المواطنين السوريين الذين لجأوا إلى لبنان، سقطوا بين قتيل وجريح خلال الاشتباكات والقصف الدائر في منطقة عرسال".
ووجه المرصد "نداء عاجلاً إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وإلى كافة المنظمات والجهات والأطراف الدولية المعنية، وإلى الأمم المتحدة"، من اجل "التحرك الفوري لإخلاء المدنيين وإبعادهم عن منطقة القصف والاشتباك في عرسال، كما ندعوهم إلى تأمين ملاذ آمن ومأوى للاجئين السوريين المتواجدين في عرسال".
وقالت مصادر في منظمات انسانية عالمية لـ"الاناضول"، ان "الوضع الامني في عرسال لا يسمح بإدخال اي مساعدات لأن الطرقات مقطوعة ولا نعرف أي شيء عن الوضع داخل البلدة".
وعند سؤال مسؤولة في منظمة "اطباء بلا حدود" التي تدير مركزا طبيا في عرسال، خلال اتصال مع الاناضول" عن الوضع في البلدة، قالت ان المنظمة الدولية تمتنع حاليا عن اعطاء اي تفاصيل عن اعداد الضحايا في البلدة او الوضع الصحي والنقص في الادوية فيها.
لكن رئيس بلدية عرسال علي الحجيري قال في اتصال مع "الاناضول"، ان هناك سعي لـ"مبادرة لوقف اطلاق النار وسحب المسلحين وبعدها يجري التفاوض حول الجرحى والاسرى"، موضحا ان المسلحين "يحتجزون 30 عنصرا من القوى الامنية اللبنانية".
وأوضح الحجيري ان "المسلحين غير موجودين داخل البلدة بل على أطرافها ويمرون بسياراتهم احيانا داخلها". وعبّر عن عبء كبير على اهل البلدة التي احتضنت النازحين السوريين وناصرت الثورة
السورية ودفعت ثمنا لذلك حالة من عدم الاستقرار الامني والاقتصادي، فقال ان "الاهالي ضاقوا ذرعا بما يحصل".