قضايا وآراء

العرب وإيران.. علاقة جوار أم خصومة؟

1300x600
كانت الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني والتي أفضت إلى تغيير هائل في الشرق الأوسط ذات طابع ديني تحرري، فقد رفعت الثورة شعارات التحرر من قوى الاستكبار متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ومناصرة قضايا الشعوب المضطهدة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وقد لقيت الثورة الإيرانية أصداءً هائلة في الأوساط العربية ولدى الحركات الإسلامية خصوصاً حيث بادرت بالتواصل مع الخميني وتهنئته على نجاح الثورة التي  اعتبروه نجاحاً إسلامياً  ، بل لم تتحرج بعض الحركات الإسلامية من إرسال بعض كوادرها للاستفادة من تلك التجربة كما فعلت الحركة الإسلامية في السودان بقيادة الترابي حينها . 

ولم يكن ظاهراً أن الثورة الايرانية قد تحمل عداءً للعرب أو السنة ، إلا أن مسارعة النظام العراقي ومن خلفه الأنظمة الخليجية لشن حرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفتية - خشية تمدد رقعة الثورة ووصولها إلى مدنها وشوارعها - والتي استخدمت فيها تلك الحكومات التعبئة القومية باعتبارها حرباً عروبية ضد الفرس المجوس تارة ,،  والحشد الطائفي تارة أخرى ، أيقظت لدى الإيرانيين كل الموروثات والنزاعات الطائفية والعرقية بينهم وبين العرب السنة ، حيث شكلت تلك الحرب بالنسبة للإيرانيين حدثاً مفصلياً تاريخياً  شبهه قائد الثورة الخميني بمعركة بدر الكبرى التي لا بد من الانتصار فيها والظفر بها لحماية الاسلام والمضي قدماً في التاريخ ، وفي سبيل تحقيق تلك الغاية تصبح كل وسيلة مباحة حتى ولو كانت إحياء الموروثات والتقاليد القومية التي تنافي روح الإسلام وتعاليمه !! 

إلا أنه من الجلي أن لا علاقة بين هذه الحرب التي شنها النظام البعثي العراقي والتي دعمتها الأنظمة الملكية الخليجية وبين تلك النزاعات التاريخية بين السنة والشيعة والتي دارت رحاها في حقب تاريخية سابقة ،، وأن إضفاء هذا البعد التاريخي والعقدي على الصراع من الطرفين في حقيقة الأمر هو أمر طارئ جاء بعد حدوث الصراع وبغرض  التجييش والحشد الشعبي والجماهيري ، ولاكتساب مشروعية  دينية تضفي هالة مقدسة على الصراع لا أكثر ،، أما جوهر النزاع فيتعلق بقضايا حديثة تتمثل في الصراع على الطاقة وحقول النفط ( النزاع على حقل شط العرب بين إيران والعراق ) وقضايا تتعلق بالسلطة والدولة الحديثة ( خطر تصدير الثورة الإيرانية الذي تبناه النظام الايراني ) والمصالح الجيواستراتيجية وغيرها . 

إن استدعاء التاريخ بصورة إنتقائية بغرض تغذية الصراع والتحشيد له ، وإضفاء قداسة دينية عليه ، هو أسوأ ماقامت به القوى المتنازعة في هذه الحرب ، حيث مثل ذلك قطيعة بين العرب والإيرانيين بعد عقود من التواصل عرفتها الشعوب والنخب الإيرانية - العربية منذ بداية العصر الحديث وحتى فترة قريبة من الثورة الإيرانية . 

فمنذ بداية العصر الحديث واجه كل من العرب والايرانيين ذات التحديات المتعلقة بالتحديث والتحولات السوسيولوجية للمجتمعات الاسلامية ، وهو ما أدى إلى تواصل وتواد بين النخب السنية والشيعية ، فقد ترك جمال الدين الأفغاني رائد الإحياء السني أثراً كبيراً على العالم الاسلامي ومن بينها ايران ، بل وقد كان على تواصل مع نخبها الدينية أمثال السيد محمد حسن الشيرازي ، وكذلك يلحظ التقارب بين إنتاج الكواكبي في كتابه ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) والذي أصل فيه لفكرة الدستور والشورى والتنظيم السياسي الحديث ، وبين كتا الميرزا حسين نائيني ( تنبيه الأمة وتنزيه الملة ) والذي تطرق لذات المواضيع وبتقارب فكري شديد .

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فمع قيام الحركات الاسلامية في العالم العربي وايران على راسها حركة الاخوان المسلمين وحركة فدائيان اسلام بزعامة نواب صفوي ، والتي قامت لذات التحديات التاريخية المتمثلة بالحفاظ على هوية الشعوب ضد التحديث والتغريب ، ربطت بين الحركتين علاقة وطيدة أدت إلى مشاركة حسن البنا مع قيادات دينية في الأزهر وقيادات شيعية إلى إنشاء جمعية التقريب بين السنة والشيعة في القاهرة ، ثم قام شيخ الأزهر شلتوت بضم المذهب الجعفري إلى المذاهب الإسلامي التي تدرس في الأزهر ، بل إن قائد الثورة الايرانية الخميني استفاد من كتابات المفكر الاسلامي سيد قطب رحمه الله وقام بنفسه بترجمة بعض أعماله إلى الفارسية ، كما قام السيد الخامنئي القائد الاعلى للثورة الايرانية الحالية بترجمة تفسير قطب للقرآن في ظلال القرآن إلى اللغة الفارسية ، ومع نجاح الثورة الايرانية قام قادتها بوضع صورة سيد قطب على إحدى الطوابع البريدية الإيرانية في دلالة بارزة على اعترافهم بفضل وتأثير سيد قطب على تصوراتهم ورؤاهم . 

وأخيراً فإننا لا ننكر حدوث نزاعات بين العرب والفرس والسنة والشيعة في فترات متفرقة في التاريخ الإسلامي القديم، إلا أن الطرفين شهدا كذلك فترات تواصل وتعاون في تلك الحقب ، ولو نظرنا إلى الحضارة الإسلامية التي قامت في القرون الوسطى لوجدنا أنها تأسست على ثلاث ركائز هم : العرب والأتراك والفرس، ولا يسعنا هنا الإشارة لتلك الفترات التي حدث فيها التواصل بين السنة والشيعة ، ولكننا نحيل القارئ العزيز إلى رسالة الدكتوراه للدكتور محمد المختار الشنقيطي بعنوان "أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " والتي تحدث فيها بإنصاف وتوثيق  عن الدور الذي لعبه السنة والشيعة - في واحدة من أهم المنعطفات التاريخية في مسيرة الأمة- في مواجهة الصليبيين وقتالهم جنباً إلى جنب ضد عدوهم المشترك ، على عكس مايروج له بعض المؤرخين  ذوو العقول الطائفية من   الطرافين والذين يسوقون - على عكس الوقائع التاريخية - لتآمر  شيعي مع القوى الصليبية أو تآمر سني مع الصليبيين ضد الدولة الفاطمية ، وغيرها من الخزعبلات التي صاغتها العقول الطائفية. 

ومع الإقرار بوجود تاريخ من الصدام بين الطرفين، ووجوده في العصر الحالي كذلك ولأسباب ذات طابع حديث ذكرنا بعضها في هذا المقال، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى ان هذا الصراع لم يكن حتمياً كما يروج البعض ، وأنه نتيجة لعقود من التحريض المتبادل واستدعاء التاريخ بصورة انتقائية ومزورة وتسخير الدول القومية الحديثة لكافة إمكانياتها وطاقاتها في عملية التحشيد والتجييش تلك ، كما أن العمل على وضع حد لهذا النزاع الذي يستنزف الأمة ومقدراتها هو واجب الوقت ، مع التشديد على وجوب القتال ضد الباغي والمعتدي ودفع الصائل أياً كانت توجهاته وعقائده، ووجوب   نصرة المجاهدين الثوار في سوريا لتحقيق حريتهم وإقامة نظام  عادل يكفل للجميع حقوقهم وحرياتهم.