كتاب عربي 21

عاش الملك مات الملك

1300x600
مشهد يومي متكرر للقمع وانتهاكات حقوق الإنسان على كافة أشكالها وألوانها، بداية من حظر الحق في التظاهر ومصادرة جرائد وحجب قنوات أيا كان محتوى ما تقدم إقرارا بسياسة العقاب الجماعي للجميع، ومرورا بأحكام سجن مشدد بحق الصحفيين بدعوى تكدير السلم العام الذي لا يخفى على أحد أن السلم العام هذا في قمته الوجدانية والشعورية، والدليل ومنذ وقت إذاعة أغنية علي الحجار الشهيرة (أنتم شعب وإحنا شعب) لم يكن ذلك وقتها تكديرا للسلم العام ولا دعوة لإمعان العمل على تقسيم مجتمعي ووجداني.. حتى تجد هستيريا إذاعة تلك الأغنية على مدار اليوم وكأنها آية المرحلة يجب تلاوتها على المسامع في كل القنوات والإذاعات بالتناوب.

وكما أن السلم العام يحتاج لمؤيديه تجد فضاء القنوات فتح أبوابه ونوافذه كاملة لمجموعات بعينها محسوبة على كل الأزمنة وآكلة على كل الموائد، هؤلاء بخبرتهم الكبيرة في تضليل الرأي العام آخذون على عاتقهم ومنذ أزمنة في نسج أنشودة الولاء ليل نهار يسبحون فيها بتلاوات عاش الملك مات الملك.

تجدهم حاضرين بقوة لتبرير كل انتهاك وتشجيع الآلة الأمنية على التمادي في استخدام القوة والبطش والتحريض ضد كل من قد تهيئ له نفسه أن يخالف السرب أو قد يتطلع في محاولة بائسة للخروج من الصندوق الأسمنتي الذي يعزل يوما فيوما إحساس الإنسان عن واقعه وعن قدرته في الإدراك الحقيقي للأمور وكذلك يصبغه بطبقه سميكة من مشاعر عدم الاكتراث والمبالاة حتى يعتاد الإنسان تقبل كل الأكاذيب مع علمه بشبهة حقيقتها ككذبة وتقبله كل انتهاك للحريات الأساسية.

فمن ليس معي فهو عليّ بالتأكيد ولا وجود للصوت الآخر ولا مكان لمن هم أعداء الوطن فهؤلاء خونه يعارضون استقرار الوطن وأمنه بل ضالعون في المؤامرة الكونية التي تم نشرها وحقنها في هواء ووجدان رئة الشعب المصري على مدار أعوام الثورة فضاقت مساحة النفس وتقبل الكثيرون تلك الزخات من أنفاس اصطناعية واعتاد الناس ضيق النفس وقصور المساحة الفعلية لاستنشاق أنفاس الحياة الطبيعية لاستبدالها بالاصطناعية كما اعتادوا من زمن على ضيق العيش وضيق مساحات الطموح والتطلع تلك المساحات التي تضيق على المواطن يوما فيوما فتجد اعتياده مساحته الضيقة في عمله ومساحته الصغيرة والشخصية لسلامة جسده في رحلة عذابه اليومية في المواصلات العامة ومساحته في حديثه مع رب عمل قد يقذف به في الشارع دون رحمة لو تطلع ذلك العامل لمساحة من التعبير عن احتياجاته وتطلعاته الغير مرغوب فيها في طلب علاوة أو غيره من طلبات مشروعه.
 
وتلك المساحة الضيقة أمام الطالب الذي لا يجد أملا لتوسيع تلك المساحة على الرغم من أن السبيل الوحيد لتحسين المساحة المجتمعية والانتقال فيما بين المساحات الطبقية للمجتمعات لا يكون إلا من خلال توسيع مساحة ورقعة التعليم، ولكن يكتشف كل طالب مجتهد أو مخترع  أنه ليس بعلمه فقط يمكنه أن ينتقل لمساحات مجتمعية وإنسانية أوسع ولكن في مجتمعات الضيق الأسمنتية هناك طرق أخرى قد لا يجيد عزف معزوفاتها الكثيرون فهي قدرات استثنائية لفرق المطبلاطية يقرعون ليل نهار طبول الولاء والطاعة وذاكرتهم جاهزة كقرص مدمج يمكن أن يفرغ في لحظة ويعاد شحنه وتجهيزه في لحظة أخرى.

اعتياد القبح والمساحات الضيقة تخلق في الوعي الجمعي قبولا واعتيادا لكل أصناف الانتهاكات. 
 وضيق الشارع وضيق الفضاء العام لن يختلف كثيرا في فرضه  ونتائجه على مجتمع هو في النهاية  مجتمع عن رضى أو بغير رضى قادر على اعتياد الضيق المكاني والإنساني.