بورتريه

بورتريه.. البغدادي: التحول من "القاعدة" إلى "الدولة"

البغدادي كان مسؤولا عن إيصال المقاتلين لسوريا والسعودية سابقا - عربي 21
قبل ثلاث سنوات كانت المكافأة للقبض عليه أو قتله عشرة ملايين دولار، لكن بعد أن أصبح "نجم الجهاديين الصاعد" فإن الرجل يدخل في معادلة "ترتيب الفوضى" التي تسببت بها الإدارة الأميركية حين سلمت المنطقة لإيران  وحليفها نوري المالكي على طبق من فضة.

كان يلقب سابقا بأمير "دولة العراق الإسلامية"، وقام بإعلان الوحدة بين "دولة العراق الإسلامية " و"جبهة نصرة أهل الشام" في سوريا تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو ما رفضه  أمير "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني. 

أبو بكر البغدادي، وفقا لوزارة الداخلية العراقية، هو إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي، ويلقب بابي دعاء ، فيما يعتقد أن اسمه عوض بن إبراهيم البدري، ولد في مدينة سامراء عام 1971، وتذكر "مواقع جهادية" أنه حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد.

في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2006 ضربت طائرة حربية أمريكية مخبأ يُعتقد أنه للمسلحين بالقرب من الحدود السورية في محاولة لقتل البغدادي، في ذلك الوقت كان يعرف بأنه شخص بارز في تنظيم "القاعدة" في العراق.

ورغم تقرير الاستخبارات الذي يفيد بأن الرجل كان موجودًا في ذلك المخبأ وقت تنفيذ الهجوم إلّا أنه لم يتم العثور على جثته، وفي النهاية تبين أنه لم يقتل في ذلك الهجوم.

كان جزءا من شبكة "القاعدة" في بلدات صغيرة بالقرب من الحدود السورية، وكانت مهمته في ذلك الوقت تسهيل وترتيب قدوم "النشطاء" والراغبين في الانضمام إلى صفوف " القاعدة" من سوريا والسعودية.

و كشفت صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية أن البغدادي الذي كان معتقلاً في قاعدة أميركية بالعراق لسنوات طويلة، قال لسجانيه لحظة وداعهم وإطلاق سراحه في العام 2009: "نراكم في نيويورك"، ونقلت الصحيفة عن الجنرال كينيث كينج أنه يتذكر ما قاله أبو بكر البغدادي لحظة مغادرته السجن عندما قال: "أراكم في نيويورك يا شباب"، وحينها لم يأخذ الجنرال كينج هاتين الكلمتين على محمل الجد ليكتشف الآن بأن البغدادي كان يعني ما يقول، وأنه كان خارجاً من السجن لمواصلة القتال.

ويقول كينج إنه لم يكن يتخيل أنه خلال أقل من خمس سنوات فقط سيجد أن أبو بكر البغدادي سيتصدر وسائل الإعلام وتقارير الأخبار. ويتابع: "أنا لست متفاجئا أن يكون هذا الرجل أمضى الكثير من وقته في مخيم اعتقال بوكا، لكنني متفاجئ أنه ذاته الذي كنت أراه"، ويؤكد أن "أسوأ السيئين كانوا محتجزين في مكان واحد، لكن أبو بكر البغدادي لم يكن من بينهم".

ويبدي إحباطه بسبب إطلاق سراح أبو بكر البغدادي في 2009، حيث يقول: "نفذنا العديد من المهمات، وفقدنا الكثير من جنودنا خلالها، من أجل إلقاء القبض عليه، ثم أطلقنا سراحه".

لكن الصحيفة تقول إنه طوال أربع سنوات من اعتقال البغدادي لم يكن الأمريكيون قادرين على التنبؤ بدرجة خطورة هذا الرجل، مشيرة إلى " أن البغدادي لم يكن حتى محتجزاً في المجمع رقم (14) الذي كان مخصصاً للمعتقلين الأكثر تطرفاً والأكثر خطورة". وتشير الصحيفة إلى أن البغدادي كان واحداً من بين 26 ألف سجين يقبعون في معسكر اعتقال "بوكا".

في كانون الأول / ديسمبر عام 2012 ادعى مسؤولون عراقيون أنهم ألقوا القبض على البغدادي بعد عملية تجسس وتتبع استمرت لشهرين، وقالوا إنهم حصلوا على أسماء وأماكن متعلقة بتنظيم "القاعدة"، وفي رد على الإدعاء نفى التنظيم صحة هذا البيان، ففي مقابلة مع "الجزيرة" قال وزير الداخلية إن الذي ألقي القبض عليه ليس البغدادي بل هو قائد منطقة تمتد من شمال بغداد وحتى التاجي.

وانتهز البغدادي فرصة اندلاع الثورة السورية ضد الرئيس بشار الأسد، فأرسل مساعده أبا محمد الجولاني إلى سوريا لكي يوجد لتنظيم "القاعدة "موطئ قدم هناك، وشكل "جبهة النصرة "التي أعلنت عن نفسها بسلسلة تفجيرات وباتت رقما صعبا ضمن المعارضة المسلحة التي تقاتل الأسد.
 
لكن البغدادي أكد في أبريل/نيسان 2011، في تسجيل صوتي أن جبهة "النصرة" في سوريا هي امتداد لـ"دولة العراق الإسلامية"، وأعلن توحيد اسميْ "جبهة النصرة" و"دولة العراق الإسلامية" تحت اسم واحد وهو "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

ومع تزايد نفوذ الجولاني بسوريا، ورفضه فتوى دمج قواته تحت قيادة قيادة زعيم "تنظيم الدولة بالعراق"، شنّ البغدادي حربا على "جبهة النصرة" مما أدى إلى انفصاله عن تنظيم "القاعدة".

وتجاهل البغدادي نداءات زعيم "القاعدة " أيمن الظواهري لترك سوريا لـ"جبهة النصرة" والتفرغ للعراق، وأمعن في توسيع عملياته في شمال وشرق سوريا عامي 2012 و2013، واشتبكت عناصره مع قوات النظام السوري، غير أنها كرست جل مجهودها لمحاربة كتائب المعارضة المسلحة الأخرى.

وكان  البغدادي الشخص الوحيد الذي لم يبايع الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن الذي كلفه بتأسيس تنظيم" الدولة".

وحث الظواهري - خليفة أسامة بن لادن في زعامة تنظيم القاعدة- الجماعتين على العمل معا مثلما يعمل الشركاء في أي مشروع مشترك، لكن البغدادي تحداه وصوب بنادق تنظيمه إلى "النصرة"، وبلغة تنم عن استخفاف نشر أبو محمد العدناني المتحدث باسم "الدولة الإسلامية بالعراق والشام" بيانا في تسجيل صوتي في مايو/ أيار يرفض فيه مطالبة القاعدة لتنظيمه بالخروج من سوريا والعودة للعراق.

وقال العدناني موجها حديثه للظواهري: "جعلت من نفسك وقاعدتك أضحوكة ولعبة بيد صبي غر خائن ناكث للبيعة (الجولاني) لم تره وتركته يلعب بكم لعب الطفل بالكرة فأذهبت هيبتك وأضعت تاريخك ومجدك".

ويقول خبراء في شؤون الجماعات "الجهادية " أن الخلافات بين" الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة" لا تتعلق بالعقيدة - إذ أن الجماعتين تسعيان لإقامة الحكم الإسلامي- بقدر ما تتعلق بمناطق النفوذ والأساليب المتبعة والولاء الشخصي.

ويقدر الباحث في مركز بروكينغز في الدوحة، تشارلز ليستر عدد مقاتلي تنظيم "الدولة" في سوريا بما بين ستة وسبعة آلاف، وفي العراق بين خمسة وستة آلاف. 

وتتضارب الأنباء بشأن مصادر تمويل هذا التنظيم، بين من يتهم أجهزة استخبارات إقليمية بتمويله، وبين من يقول إن التنظيم في كل من سوريا والعراق يجمع جزءا من موارده المالية عن طريق الأتاوات التي يفرضها على سكان المناطق التي يسيطر عليها، وعن طريق بيع النفط للنظام السوري من المصافي التي يسيطر عليها.

ويقول خصوم البغدادي إن نجمه في صعود ونفوذه يتجاوز العراق وسوريا، وإنه يحظى بشعبية وسط "الجهاديين".

ووسع البغدادي نفوذه بشكل مفاجئ داخل الأراضي العراقية أمام تقهقر وتراجع الجيش العراقي، وتمكن من السيطرة على عدة مدن رئيسية، فيما نشر خارطة لحلم الدولة التي يطمح بإقامتها حيث تضم سوريا والعراق والأردن وفلسطين.

ويذهب خبراء إلى أبعد من ذلك، إذ يقولون إن تشكيل البغدادي لـ" الدولة الإسلامية في العراق والشام" يجعل دور الظواهري في تنظيم "القاعدة" غير ذي قيمة، فهل يرث البغدادي تركة أسامة بن لادن وعبدالله عزام، لكن تحت مسمى "الدولة" بدلا من "القاعدة"؟!.

الأمر تقرره الإنجازات على أرض المعركة في سوريا والعراق.