كتاب عربي 21

نيابة التكفير والهجرة!

1300x600
اختفت جماعة التكفير وللهجرة، ليظهر وكيل نيابة، في قاعة المحكمة، في دور شكري مصطفي، الذي أسس جماعة "المسلمين" في مصر. والتي أطلق عليها "التكفير والهجرة"، والذي اعتنق فكر التكفير، وكفر الجميع من غير أفراد جماعته، بمن في ذلك شركاءه في السجن، وهم الإخوان المسلمون، وكان يقول لمأمور السجن: " أنت كافر وسيدك كافر"، ومن لم يكفركما فهو كافر، يقصد الإخوان.

يوم السبت الماضي، وفي مرافعته بالمحكمة التي تنظر قضية ما يسمي بأحداث مسجد الاستقامة، اتهم ممثل النيابة المتهمين من جماعة الإخوان، وعلي رأسهم مرشدهم العام، بأنهم من الخوارج، وبأنهم من الكفار. وحدثت جلبة حلها رئيس المحكمة علي طريقته، بأن طرد المتهمين إلى خارج القفص، مع أن حضور المتهم في محكمة الجنايات وجوبي.

قدر الإخوان المسلمين، أن يتهموا من قبل مؤسس جماعة التكفير بالكفر، وهم جيرانه في السجون، لكنه كان يأخذ عليهم تقاعسهم عن إعلان الجهاد ضد حكم عبد الناصر. كما أنه قدرهم أن يتم تكفيرهم الآن، من قبل النيابة العامة، في عهد عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن أنه الوصي علي الدين والقيم والأخلاق. ولا بأس فهو نبي، كما وصفه شيخ أزهري، وأيده "الرب يسوع"، كما قالت دعاية الكنيسة الأرثوذكسية، التي أتعبت "الرب يسوع" معها، فمن قبل روجت بأن "الرب يسوع" يؤيد الفريق أحمد شفيق. ومن الفريق إلى المشير، كأن "الرب يسوع" لا يمنح تأييده سوى للعسكر.

بحثت عن استنكار من قبل دعاة الدولة المدنية، لتبني النيابة العامة لفكر التكفير والهجرة، فلم أجد. وفي الواقع فان الانقلاب، وما سبقه، كشف لي أن الذي يتبني أفكار المدنية، والديمقراطية، ودولة القانون، من بين النخبة قلة قليلة يخافون أن يتخطفهم الناس، وبعض الذين كانوا يهتفون ضد حكم العسكر، هم بيادات الآن في أقدام العسكر. وكثير من الذين كانوا يرفضون توظيف الدين لخدمة السياسة في مواجهة التيار الإسلامي صمتوا الآن وعبد الفتاح السيسي يوظف الدين لخدمة أغراضه وأحلامه و"مناماته الأربعة"، إذ رأي فيما يرى النائم أنه صار رئيساً لمصر.

إن شئت فقل إنها نخبة فاسدة، لا تؤمن سوي بمصالحها، ولا يحركها رأي تعتنقه، وقد تعايشت مع الاستبداد، واستفادت من دولة البطش كثيراً، فلما جاء الرئيس محمد مرسي، وجدت نفسها خارج مربع الاهتمام، فناضلت حتى عادت "دولة مبارك" من جديد.

لا بأس، فالبأس الشديد في أن خطاب ممثل النيابة العامة التكفيري، ليس جديداً، وان كان الجديد، هو في إعلان الكفر الصريح للمتهمين هذه المرة، فضلاً عن عدم تمكن وكيل النيابة من أدواته، وشاهدناه يتلو آية قرآنية بشكل خاطئ، لتصبح " جهنم" هي "جوهنم" علي نحو كاشف بأن سيادته لم يمر علي رصيف مسجد، ولم يحضر حصة دين طوال مرحلة تعليمه المختلفة.

الشيخ صلاح أبو إسماعيل، والد الشيخ حازم، كان عضواً في البرلمان، ومن أشجع رجال زمانه، وقد تقدم ذات مرة باستجواب في برلمان (1978- 1990) ضد وزير الداخلية زكي بدر الذي عُرف بسلاطة اللسان. وقد أخطأ الوزير في تلاوة آية، فلما جاء وقت رد النائب علي الرد، قال: لقد أخطأ اللواء زكي بدر في تلاوة آية، ومن يخطئ في النطق، يخطئ في الفهم.

من أفكه ما قرأت تعليقاً علي هذا النطق لجهنم، أن وكيل النيابة أوشك أن " يدلع" جهنم بـ " جوجو".
من قبل، وفيما عُرف بقضية الجهاد الكبرى، علي ما أتذكر، وكانت الدنيا غير الدنيا، وصف ممثل النيابة المتهمين في القضية بأنهم من الخوارج، وكان علي رأسهم الشيخ عمر عبد الرحمن، فك الله أسره.
ولأن الزمن غير الزمن، ولأن حال العدالة في مصر لم يكن قد وصل إلى مرحلة "القفص الزجاجي"، فقد طلب الشيخ عمر عبد الرحمن أن يترافع عن نفسه، مع أنه كان يدافع عنه وعن المتهمين ثلة من المحامين الكبار. فسمحت له المحكمة، ونشرت مرافعته في كتاب حمل عنوان: " كلمة حق"، واتسع صدر المحكمة للمرافعة علي طولها.

لقد تساءل عمر عبد الرحمن: إذا كنا نحن الخوارج؟.. فمن تكون أنت ورئيسك (يقصد ممثل النيابة وحسني مبارك)، علي وصحبه؟!. ذلك بأن الخوارج كانوا كما هو معلوم في مواجهة سيدنا علي بن أبي طالب، والذين أمنوا معه.

وفي السابق وفي مواجهة تبني النيابة لشعارات التكفير، كانت هناك دفوع ردع من قبل المتهمين ودفاعهم، تدفع بالنيابة لأن تبتعد عن هذه الدائرة، وقبل أن يعرف القضاء المصري، منع المتهمين من الحديث، وطردهم من قفص الاتهام، وكأنهم في مدرسة ولم يبق إلا أن يطلب منهم السيد ناظر المدرسة، عدم الحضور، إلا بعد إحضار "ولي الأمر".

وما دامت مرافعة ممثل النيابة كانت سبباً في تداعي الذكريات، فنذكر أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل في شهادته في قضية " الجهاد الكبرى" ميز بين الحكام الذين لا يحكمون بشرع الله، ما بين ظالم، وفاسق، وكافر. لكن في قضية "الناجون من النار"، اتخذ موقفاً أكثر حدة، وقال انه يعدل عن شهادته الأولى: فالحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله هو كافر بإطلاق.

ولأن المرافعات كانت اقرب للمناظرات، هيئة المحكمة فيها هي الحكم، وليست جزءاً من سلطة التحقيق والاتهام، فقد أراد ممثل النيابة أن يضع الشاهد في "خانة اليك"، وأن يدفعه للتراجع فيصبح مهزوزاً أمام المتهمين الذين تعلقت أمالهم عليه.

ممثل النيابة هو ماهر الجندي، الذي صار محافظاً بعد خروجه علي التقاعد، وتم سجنه في وقت لاحق في قضية رشوة. وقد قال للشيخ صلاح أبو إسماعيل: هل تريد أن تقول أن النظام السياسي في مصر كافر؟!. فجاء الرد مجلجلاً: سيادة المستشار أنا أقول لك أن حسني مبارك كافر.

بعد عدة أيام كنت عند الشيخ في منزله بمنطقة الدقي، وكانت المنطقة ملغمة بقوات الأمن ولم أكن أعلم أن مبارك قد جاء ليفتتح سنترال الدقي. وسألت الشيخ عن سبب التواجد الأمني الكثيف. فقال بسخريته المعهودة: لقد قمت بتكفير مبارك في المحكمة فجاء ليكفرني في الدقي.

ما علينا، فنحن في مرحلة التكفير الرسمي، الذي تتبناه النيابة العامة في مواجهة المتهمين. وهذا كله يليق بمرحلة الرئيس فيها هو من يقدم نفسه علي أنه وصي في أمور الدين، وقد رفعه البعض الى مرتبة الألوهية. وما دام لم يتهور كما تهور الحاكم بأمر الله فيحرم معشوقتي " الملوخية"، فكله في مستوي الاحتمال.

المشكلة في أن وكيل النيابة لم يجد، وهو يتهم المتهمين من الإخوان بقيادة مرشدهم، بأنهم من الخوارج من يقول له: هل أنت والسيسي: " علي وصحبه"؟!

لن أصاب بالدهشة لو أصدر السيسي فرماناً بتكفير معارضيه. حوالينا لا علينا.