مقالات مختارة

الذين يفرضون أنفسهم على كل سلطة

1300x600
كتب عماد الدين حسين: يروى أن الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله العالم الاقتصادى الكبير ووزير التخطيط الأسبق سأل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلا: يا سيادة الرئيس كيف تكون تقدميا ومنحازا للفقراء والمعدمين ثم تضع غالبية اليسارين المؤمنين بنفس أفكارك فى السجن
وفى المقابل تسمح بوجود بعض البطانة الفاسدة والشخصيات الوصولية حولك؟!.

عبدالناصر رد على المفكر الكبير بقوله، نرحب بكم لكن المشكلة أن السلطة بغض النظر عن هويتها لا تستطيع دائما أن تبعد هؤلاء الأفاقين والنصابين، لأنها لا تملك مقياسا محددا يقول إن هذا أفاق وهذا محترم.

بغض النظر عن مدى دقة هذه الرواية، إلا أن جوهرها يظل صالحا، لأنه يتكرر فى كل عهد، وكنت سألت مسئولا حكوميا قبل شهور عن هذه القصة فقال لى كلاما جعلنى أشعر بالتشاؤم خلاصته أن أى سلطة مهما كانت نبيلة ومحترمة تحتاج إلى بعض الافاقين والمنافقين و«الاطيش» لتأدية بعض المهمات القذرة التى لا يمكن لأى شخص يحترم نفسه أن يؤديها.

فى الفترة الأخيرة قابلت مسئولين مختلفين فى الحكومة ورئاسة الجمهورية وسألتهم سؤالا مباشرا: لماذا تعتمدون على شخصيات «محروقة سياسيا فى كل العهود».. ألا تعرفون أنها تسىء إليكم وتدمر سمعتكم؟!.

الإجابة كانت واحدة ومفادها: ومن قال لك إننا نعتمد على هذه الشخصيات، أو حتى نتحدث معها؟!.

كررت السؤال بصيغة أخرى: ولكنكم تسمحون لها بالتحدث باسمكم أو حتى الإيحاء بأن تحركاتها تتم بعلمكم وموافقتكم؟!.
ردوا قائلين: ليس هذا صحيحا بالمرة.

أحد هؤلاء المسئولين أقسم لى بالله وبكتابه الكريم أنهم يتضررون من مثل هذه النوعية من الشخصيات الكريهة والمحروقة شعبيا، وأنه شخصيا يعرف مدى خطورتها على حاضر ومستقبل مصر.

ما فهمته أن بعض هذه الشخصيات تقحم نفسها على الحكومة واجهزة الدولة للإيحاء بأنها تتحدث باسمها.

أحدهم ذهب إلى مؤسسة حكومية وتحدث مع أصحابها بلهجة خشنة موحيا بأنه مسنود من كل الأجهزة. المسئولون فى هذه المؤسسة أزعجتهم هذه الطريقة الفجة، فاتصلوا بكبار القوم مستفسرين فكانت المفاجأة، هى الطلب بالتعامل الخشن مع هؤلاء الادعياء وطردهم.

بطبيعة الحال فإن تطوع بعض خدام كل العهود للخدمة وأداء بعض المهام غير النظيفة، قد يكون مفيدا لأى حكومة فى أى عهد، ويصعب أحيانا على المستوى الإنسانى أن تقول لشخص: «توقف عن نفاقى أرجوك». لكن المشكلة أن بعض العائدين من دولة حسنى مبارك يوشكون بسلوكهم الأحمق على تخريب كل شىء.

لا أستطيع أن أضع كل المسئولين فى عهد حسنى مبارك فى سلة واحدة، بعضهم كان شديد الاحترام وانصرف إلى حال سبيله موقنا أن زمنه قد انتهى. المشكلة هى فى أولئك الذين يخدمون كل عهد بنفس الحماس والهمة ويكونون سببا فى سقوط هذا العهد أو على الأقل تشويه سمعته.

من حق كل مسئول أن يعتمد على أى شخص، لكن عليه أن يفكر فى العواقب خصوصا أن ظهور بعض هذه النوعية المحروقة كفيل بسد الأفق أمام أى مستقبل ودمغه بأنه امتداد فعلى لأسوأ ما فى دولة مبارك.


(الشروق)