استنتجت دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي أن المملكة العربية
السعودية ترى في الحركات الإسلامية السنية وعلى رأسها
الإخوان المسلمون التهديد الأكبر لاستقرار نظام الحكم فيها، مشيرة إلى أن
إيران هي أكثر الأطراف استفادة من الموقف السعودي.
ولم تستبعد الدراسة التي أعدها كل من عوديد عيران، سفير "إسرائيل" السابق في كل من الأردن والاتحاد الأوروبي، ويوئيل جوزينسكي، رئيس قسم "الخليج" في المركز أن تفشل الاستراتيجية التي اتبعتها السعودية في مواجهة الإخوان المسلمين في تحقيق أهدافها.
وأشارت الدراسة إلى أن الإجراءات الخليجية الأخيرة ضد حركات "الإسلام السياسي السنية" قد عززت مكانة إيران، على اعتبار أن حالة الاستقطاب التي يشهدها مجلس التعاون الخليجي تسمح لطهران بهامش مناورة كبير، سيما في ظل تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنطقة.
واعتبرت الدراسة، التي جاءت بعنوان "الإسلام السياسي في حالة دفاع عن النفس" ونشرت في عدد 533 من مجلة "مباط عال"، الصادرة عن المركز أن الأزمة الخانقة التي تعصف بدول مجلس التعاون الخليجي هي الأصعب منذ تأسيس المجلس عام 1981، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تعكس حجم الإحباط الذي يعتمل في القيادة السعودية من سلوك وسياسة دولة قطر.
وأكدت الدراسة أن المملكة العربية السعودية أكثر الدول حسماً في مواجهتها للحركات الإسلامية السنية، مشيرة إلى أن المملكة تجتهد لمنع هذه الحركات من تحريض الجمهور على مواجهة نظام الحكم السعودي، وهو ما دفعها للقيام بكل الخطوات اللازمة للقضاء على العناصر التي يمكن أن تتسبب في هز استقرار نظام الحكم السعودي.
وأشار الباحثان إلى أن كلاً من السعودية والإمارات بشكل خاص تريان في "الإخوان المسلمين" جماعة "متآمرة وتمثل خطرا على استقرار أنظمة الحكم".
ويرى الباحثان أن الموقف من دور ومكانة الإسلام السياسي السني وبشكل خاص الموقف من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتحالفة معها، يمثل نقطة الارتكاز التي على أساسها تبلور السياسات الداخلية والخارجية لدول الخليج.
وأوضح الباحثان أن الدليل الأبرز على مركزية الحرب على الإسلام السني لدى دول الخليج هو قرار كل من السعودية والبحرين والإمارات بإعادة سفرائها من قطر بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.
وأوضحت الورقة أن ما يقلق العائلة المالكة في السعودية هو اعتقادها أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى تدشين نظام سياسي جديد يقوم على مؤسسات منبثقة من اختيارات الجمهور عبر صناديق الانتخابات، ولا يكتفي بالدور الديني للنظام القائم.
وأكد الباحثان أن نظام الحكم في السعودية دعم وتحمس كثيراً للانقلاب في مصر من أجل قطع الطريق على نجاح تجربة الإسلاميين التي تجمع بين الديموقراطية والتقاليد الإسلامية، مشددة على الدور الحاسم للدعم المالي والسياسي الذي تمنحه السعودية لسلطة الانقلاب في القاهرة والذي وصل لدرجة أن الرياض خاضت مواجهة سياسية ضد الإدارة الأمريكية من أجل دعم تأمين الدعم لسلطة الانقلاب.
ونوهت الدراسة إلى أن أنظمة الحكم الخليجية في سعيها لنزع الشرعية عن جماعة الإخوان المسلمين تدعي أن حركات الإسلام السياسي السني تتناقض مع قيم المجتمع القبلي السائد في الخليج وتهدد مكانة النخب التي تقود هذه القبائل.
واعتبر الباحثان أن المحاكمات التي نظمتها دولة الإمارات ضد أعضاء جمعية "الإصلاح" التي تنتمي للجماعة تعكس هذا التوجه.
ونوهت الدراسة إلى أن القيادة السعودية ترى أن سياسات دولة قطر تضعف أنظمة حكم مهمة للرياض، سيما نظام الحكم القائم حالياً في مصر، ويهدد قدرة نظام العسكر على الخروج متعافيا من المرحلة الانتقالية عبر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تمثل تتويجاً للانقلاب الذي بدأ بعزل الرئيس محمد مرسي.
وحسب الباحثين، فإن ما يثير سخط القيادة السعودية حقيقة أن دولة قطر لا تمنح فقط لجوءا لقادة جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي -الذي يعتبر المرجعية الدينية الأبرز- بل أيضا تمنح القرضاوي منبراً أسبوعياً، يتطرق من خلاله لقضايا سياسية تزعج جيران قطر.
وأعاد الباحثان للأذهان حقيقة أن التدهور في علاقة قطر بالسعودية بدأ منذ أن تولى مقاليد الحكم في الدوحة الشيخ حمد بن خليفة عام 1995، وهو ما اعتبر من قبل السعوديين كنقطة تحول تضر بمجلس التعاون الخليجي، حيث نوهت الدراسة إلى حقيقة أن السعودية امتنعت في الفترة الفاصلة بين عامي 2002 و2007 عن إرسال سفير إلى الدوحة.
وأشارت الدراسة إلى أن جماعة "الإخوان المسلمين" تتعرض لحرب في كل أرجاء العالم العربي، منوهة إلى ما تتعرض له حركة "النهضة" التي وصفتها الورقة بـ "المعتدلة"، والتي اضطرت للانسحاب من الحكومة، على الرغم من المرونة الكبيرة التي أبدتها في صياغة الدستور التونسي.
وشددت الورقة على أن الدعم المالي الذي قدمته المملكة السعودية لنظام الحكم الأردني مكنه من إبراز قدر من الاستقرار والصمود، منوهة إلى أنه على الرغم من الصراع التاريخي بين عائلة آل السعود والهاشميين إلا أن السعودية ظلت معنية بتعزيز نظام الحكم الملكي في عمان حتى لا تستفيد من إضعافه جماعة الإخوان المسلمين.
ونوهت الدراسة إلى أن السياسات السعودية أسهمت في تفاقم الأزمة المالية التي تعاني منها حركة حماس عبر فرض قيود على حركة نقل الأموال من الخليج لقطاع غزة.
وتستدرك الدراسة بأن تراجع شعبية حركة حماس في القطاع في أعقاب الأزمة المالية لا يعني الدفع عن إخراجها من حكم القطاع.
ويرى معدا الدراسة أنه لا يوجد ضمانة أن تنجح الاستراتيجية التي تتبعها العائلة المالكة في الرياض في تحقيق أهدافها، بسبب كم الإشكاليات والتحديات التي تواجه النظام، وعلى رأسها: التهديد الإيراني، تبادل الأجيال في العائلة المالكة ذاتها، التمرد الشيعي في شرق السعودية وشمال اليمن، وتحولات مرتقبة في سوق الطاقة العالمي، علاوة على تداعيات دخول كل من الصين وروسيا للفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في المنطقة.
وخلصت الدراسة إلى أن إيران هي المستفيد الرئيس من الأزمة التي تعصف بدول التعاون الخليجي لأن هذه الأزمة تمنع بلورة جبهة موحدة في مواجهة إيران وتعمق الانقسام بين دول الخليج، بالإضافة إلى أنها تسفر عن عزل السعوديين عن "جيرانهم الأصغر"، علاوة على أن هذه الأزمة تسدل الستار على مشروع توحيد دول الخليج، الذي أعلن عنه الملك عبد الله في ديسمبر 2011. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الأزمة تضر بدور الولايات المتحدة الأمريكية وتقلص قدرتها على مواجهة إيران.
وخلصت الدراسة إلى أن مصلحة "إسرائيل" تقتضي تعزيز أنظمة الحكم في كل من مصر والأردن ودول الخليج، وأنه على الرغم من أن حل القضية الفلسطينية لا يؤثر على قدرة دول الخليج في معالجة التهديدات التي تواجهها، لكنها في الوقت ذاته تحسن قدرتها على ذلك.