مقالات مختارة

أبعد من دمشق وكييف

1300x600
من أقصى جنوب درعا في سوريا إلى أقصى الغرب الأوكراني وعمق ساحات كراكاس، تقف واشنطن ومعها أوروبا جبهة واحدة في مواجهة الصعود الروسي. ما يجري في أوكرانيا يكاد يكون مشهداً مستعاراً من سوريا.

معارضة مدعومة من الغرب تطالب بإسقاط النظام متوسلة في سبيل ذلك كل السبل بما فيها العنف. فيما تقف موسكو على الجهة الأخرى ترفض سلخ أوكرانيا عنها بصفتها جزءاً لا يتجزأ من المدى الحيوي لروسيا وخطاً دفاعياً لا غنى عنه في مواجهة الغرب.

وكان واضحاً بعد الطريق المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات في جنيف2، ان موسكو لا تزال غير راغبة في التخلي عن الرئيس السوري بشار الاسد. وظهر ذلك جلياً من خلال تبني موسكو موقف وفد النظام السوري الذي رفض الخوض في تشكيل الهيئة الانتقالية وأبرز اهمية ما تطرحه دمشق من ايلاء الاولوية لمسألة مكافحة الارهاب.

وبعد جنيف2، اتجهت واشنطن الى فتح جبهة درعا انطلاقاً من الحدود الاردنية لإحراز تقدم ميداني نوعي يجعل دمشق ومن خلفها موسكو تعيد الحسابات وتقبل بالخوض في الانتقال السياسي في سوريا. وامست الولايات المتحدة مقتنعة بأنه من دون هذا التقدم الارضي لن يكون هناك تقدم في المفاوضات.

كما ان الغرب لجأ الى ممارسة أقصى درجات الاحراج بالنسبة الى موسكو من خلال طرح مشروع قرار انساني في مجلس الامن يدعو الى فرض عقوبات على الطرف الذي يعرقل ايصال المساعدات الانسانية الى المناطق المحاصرة.

ولم يكتف الغرب بذلك، بل لجأ الى "عسكرة" المعارضة الاوكرانية بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر غرق البلاد في حرب اهلية تجلّى أول نذرها في سقوط عشرات القتلى في الايام الاخيرة في مواجهات بوسط كييف في ظل تزايد الحديث عن اتجاه إلى إعلان الغرب الاوكراني تمرده على السلطات المركزية. كل ذلك يجري وسط مباركة اوروبية وأميركية للمعارضة الاوكرانية وفرض عقوبات على حكومة فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لموسكو.

وتكرس المواجهة بين الغرب وموسكو عودة الحرب الباردة بكل معانيها ودلالاتها. وهل كان مصادفة وجود وزراء الخارجية لفرنسا والمانيا وبولونيا في كييف دعماً للمعارضة الاوكرانية، وقت كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بغداد يبدي استعداد موسكو لتلبية متطلبات حكومة نوري المالكي من الاسلحة في مواجهة الاسلاميين المتشددين، بعد جولة من الحوار الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، وبعد أيام من الاتفاق المبدئي على صفقة سلاح بمليارات الدولارات مع وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، أليست هذه المشاهد تعبيرات واضحة عن انبعاث الحرب الباردة؟

(عن صحيفة النهار اللبنانية 22 شباط/ فبراير 2014)