كتاب عربي 21

أم دم خفيف تغرق بالدم!

1300x600
هذه ليست مصر التي نعرفها...
مصر أم الدنيا ومنارة العلم والإبداع والفن، وملتقى الباحثين عن الحرية والتسامح والشهرة، ومصنع الفكر ومنجم الكتب والمجلات والصحافة، مصر بنت النكتة ومنتجتها، مصر مجتمع الانفتاح والضحكة الدائمة، والضيافة الدافئة، مصر التي يشعر فيها العربي (والأجنبي أيضا) أنه بين أهله ومحبيه، ووسط أسرته، مصر التي تحتاج لكتب ومؤلفات لوصف حبها للناس وحب الناس لها، مصر التي نعرفها، ويعرفها الملايين ممن زاروها فطابت لهم، وطابوا لها، وشربوا من نيلها فلم يقووا على فراقه، فعادوا له مرارا وتكرارا، مصر الحب والمسرح والسينما والتدين العفوي، مصر "أم دم خفيف" كيف تغرق بدم الأبرياء وتتحول شوارعها إلى مواجهات بالمفخخات والسيارات الملغمة، وكيف يقتل العسكري أخاه المدني، والمدني أخاه العسكري، وكيف ينشق المجتمع طوليا وعرضيا، وتنقسم الأسرة على بعضها، وكيف تحرق مساجد وكنائس وتستفيق فتن من غفوتها، حتى كدنا نقول أن تسامح مصر قصف عمر الفتن والأحقاد...!

مصر، اليوم، بلد ممزق، مثخن بالجراح، "رايح بوشه للحيط" أي ذاهب بوجهه إلى الحائط، على حد تعبير كثيرين، يخرج من محنة ليدخل أخرى، والأرقام تتحدث، وتصيبنا بالدوار والحيرة والهم والغم..

منظمة العفو الدولية أعلنت منذ فترة بالوثائق والأسماء المدونة لديها حصيلة ضحايا الانقلاب في مصر، وهي أرقام تؤكد أننا أمام حرب أهلية بمعنى الكلمة..

1 - 6800 قتيل.
2 - 15000 معتقل في السجون على مستوي الجمهورية..
3 - أكثر من 29000 مصاب بينهم إصابات خطيرة و طفيفة ومتوسطة الخطورة.
4 - 260 طالبا مصريا تم قتله في مختلف الأحداث.
5 - 600 طالب وطالبة تم اعتقالهم من كل محافظات الجمهورية.
6 - مصر احتلت مرتبة ثاني أكثر دولة فيها استهداف للصحفيين في العالم بعد سوريا!

حركة "صحفيون ضد الانقلاب" وبمناسبة مرور مائة يوم على الانقلاب، تحدثت عن التدهور الشديد الذي أصاب حالة حريات الرأي والتعبير، وتهديد حق الصحفيين والإعلاميين في السلامة والحياة. والحصيلة مقتل تسعة صحفيين، فيما تعرض أكثر من 27 صحفيًا وإعلاميًا للاحتجاز والاعتقال، وتم تقديم بعضهم للمحاكمات العسكرية، فضلا عن إغلاق عشرات القنوات الفضائية، والمكاتب الإعلامية، واحتجاز عدد من العاملين بها، ومداهمة منازل عدد كبير من الزملاء.. والحبل على الجرار!

مصر التي نعرفها، لم تعد هي هي، بل غدت بلدا آخر، ينزف بالجراح، ويؤذن بمستقبل غامض، قاتم، بعد أن فتح الشباب كوة من أمل في ثورة يناير، سرعان ما أغلقتها أحذية  العسكر الثقيلة، وها نحن في انتظار موجة أخرى من الثورة، تعيدها إلى "سكة السلامة"!