كتاب عربي 21

ليست قضية تكتيكات!

1300x600
يبحث "الإسلاميون" منذ رابعة الشهداء وصدمتها؛ عن "تكتيكات" جديدة للصراع، وأساليب مبتكرة للمواجهة، وآليات جديدة للتعامل مع الانقلاب. وإن كانت هذه صحوة واعتراف بفشل الأساليب والأدوات والآليات القديمة، إلا أنها ليست نابعة من حسن تقدير للموقف بقدر ما هي اصطدام بأدوات الواقع العنيف والمرير. إلا أن الوقوف عند حد طلب تطوير "الآليات" و"الأدوات" و"التكتيكات"، وإن كان في ظاهره تحرك نحو التجديد، إلا أنه يتضمن تملصا كبيرا من مستوى أكبر تتطلبه المراجعة والتجديد وهو المستوى الخاص بالتصورات والاستراتيجية الكبرى.

إن أي تجديد في التكتيكات والأدوات والآليات ليس تجديدا طالما لم يتم النظر في العناوين والاستراتيجيات الكبرى. وإن أي تجديد يفرضه الواقع على الآليات دون أن يمس أنماط التفكير الكبرى المؤسس للحركة والمواجهة لن يكون تجديدا طويل المدى، بل سيظل في دائرة المؤقت متأثرا بوجود الواقع نفسه، وكذلك لن يكون راسخا، لإن أي تحول في الأدوات لا يسبقه إيمان راسخ بها أو تحول في الأفكار الحاكمة سيعتبر تحولا هشا يزيد من مساحة "الفصام- الشيزوفرينيا" بين الأفكار والممارسات، مما يشكل ضعفا كبيرا في التعاطي.

إن أي حديث على مستويات "الأفكار" الكبرى وأهمية إحداث التحولات بها يقابل دوما بسخرية أو استهجان بمنطق "إحنا ف إيه ولا ف إيه" كنوع من أنواع الرفض وكذلك المزايدة على الحركة في الواقع، وإن كان هناك من منطق في هذا كون أن الحركي لا يهتم كثيرا بتحولات الأفكار بقدر ما تهمه تحولات الميادين. إلا أن حركة لا تخضع لأطر فكرية واستراتيجية واضحة ونظام صلب متماسك؛ لا يمكن أن تحافظ على توازنها في ساحات معارك يمتلك فيها أعداؤها خطة واضحة وأفكارا او مصالح صلبة.

يقول الشاعر:

قدّر لرجلك قبل الخطو موضعها   فمن علا زلقا عن غرة زلجا

فرسم مواضع الخطى سابق على الخطو، وهو أهم منه وإلا وقعت الخطا في موضع الزلق!

إن لم تقف الحركة الإسلامية وقفة حقيقية وقوية نحو إحداث مراجعات كبرى في بنية الأفكار الحاكمة والقواعد الحركية لها، وتبدأ في مراجعة الهياكل التنظيمية والإدارية بعد ذلك، وتضع استراتيجيات قائمة على فهم حقيقي وسليم للصراع، فستكون قد قصّرت كثيرا على صعيد واجب المواجهة التي وُضعت فيها مرغمة أو مختارة؛ لتصبح مظلة كل من اتخذ ذات الطريق. ولن يجدي التحجج كثيرا بظروف الواقع، فقد تأخر التطوير كثيرا منذ سنوات بحجة الواقع.. والواقع لا تنتهي فصوله ولا تتوقف مفاجآته ووقائعه.. والتسويف طريق الشيطان وليس من هدي المؤمنين.