أقرت
وزارة الخارجية الأمريكية صفقة عسكرية لمصر، بتكلفة تقديرية تبلغ 200 مليون دولار،
لتحديث أسطول المركبات التكتيكية الخفيفة في
مصر، ما يعزز قدرتها على مواجهة
التهديدات الحالية والمستقبلية، بحسب وكالة التعاون الأمني الدفاعي.
وأشارت الوكالة إلى طلب الحكومة المصرية شراء هيكل إضافي للمركبة التكتيكية الخفيفة
وبناء الأسطول، لهياكل من طراز (REV1-B) مع محركات ديزل بقوة 190 حصانا تمت ترقيتها
إلى محركات بشاحن توربيني بقوة 205 أحصنة، استكمالا لصفقة سابقة، وتم الإعلان عن
الصفقة في 10 يناير/كانون الثاني الجاري،
وأوضحت
أن الصفقة تضمنت التدريب على عملية تجميع الهيكل والعمليات والصيانة، وقطع الغيار
والإصلاح، ومعدات اختبار، وخدمات الدعم الهندسي والفني واللوجستي.
"وكالة
التعاون الأمني الدفاعي" الأمريكية قالت إن الصفقة تدعم أهداف السياسة
الخارجية والأمن القومي الأمريكي في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج
"الناتو"، يشكل قوة مهمة للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي بالشرق
الأوسط.
وأكدت
أن "عملية البيع تساهم في تحديث أسطول المركبات التكتيكية الخفيفة في مصر، وذلك
لمدة خمسة أعوام لدعم التدريب الميداني للبرنامج".
طلب
إسرائيلي
المثير
أن "إسرائيل" كانت قد طلبت في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي صفقة من تلك المركبات، التي تصنعها شركة "أوشكوش Oshkosh" الأمريكية، وفق موقع "Defense
News".
وقررت
واشنطن تزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ 75 مركبة تكتيكية خفيفة مشتركة بحسب ما
نشره موقع "Israel Defense"، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي
بعد شهر من عملية طوفان الأقصى، لاستخدامها في أعمال الإبادة الجماعية بحق
الفلسطينيين في غزة.
وكشفت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أنه سيتم توفير هذه المركبات على أساس سعر يقدر
بـ 400 ألف دولار للمركبة الواحدة كجزء من حزمة المساعدات العسكرية الكبيرة
لـ"إسرائيل" التي بدأتها إدارة الرئيس جو بايدن، مع الحرب الجارية على أهالي غزة.
ثلاثة
خبراء في الشأن العسكري والأمني المصري، تحدثوا لـ"عربي21"، عن أبعاد
صفقة المركبات للجيش المصري في هذا التوقيت، وأشاروا إلى احتمالات استخدامها ضد
الفلسطينيين، خاصة مع التوتر الذي تشهده المنطقة بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية
الممتدة منذ ثلاثة أشهر على قطاع غزة.
كما أنهم انتقدوا شراء مصر أسلحة جديدة بقيمة 200 مليون دولار في الوقت الذي تعاني فيه
البلاد من أزمات مالية خانقة، وحاجتها للاقتراض لسداد 42 مليار دولار خدمة الدين
الخارجي في 2024 وحده، ملمحين إلى أن تلك الصفقات تدعم مصانع السلاح الغربي على حساب
الشعب الفقير والبلد المفلس.
لمواجهة
محتملة
وفي
رؤيته، قال ضابط الجيش المصري السابق، ورئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، عمرو عادل، إن "المنطقة بكاملها الآن
باستثناء بعض النقاط النشطة في مساندة الشعب الفلسطيني تعمل على موجة واحدة وهي
العداء لغزة وللمقاومة ولنموذج غزة".
وأكد عادل لـ"عربي21"، أن
"النظام المصري هو أحد أركان هذا التحالف السيئ السمعة"، موضحا أن "بناء
خرائط القوة ومحاورها وأدواتها تُرسم باستراتيجية واحدة، وعلى الأطراف الموجودة
اتباعها".
وذكر أن "حجم السلاح الموجود في مصر هائل، ولا مبرر له
في إطار الافتراض النظري بعدم وجود عدو بهذه القوة بعد الانسجام الاستراتيجي بين
النظام المصري والاحتلال الإسرائيلي".
وخلص إلى القول: "لذلك لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون هذه الصفقة وغيرها من تدفقات
الأسلحة للكيان الصهيوني أو لأنظمة محور الشر، لضبط المجال في المنطقة لمواجهة
مفتوحة محتملة، أو لإدارة فرض عملية سياسية بالقوة بعد انتهاء الحرب".
طلب
سابق للحرب
وفي
اعتقاد الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، بالنسبة لثمن الصفقة، فيرى
أنه "غالبا ما سيكون مستقطعا من المعونة العسكرية الأمريكية، وليس مبلغا تدفعه
مصر نقدا".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "الموافقة على طلبات شراء الأسلحة
عادة تستغرق من سنة إلى سنتين، لذا فإن الطلب سيكون مقدما من قبل الحرب في غزة بمدة
طويلة".
دعم
الصناعات الغربية
من
جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد: "صُدمنا بعقد النظام صفقة
أسلحة أمريكية جديدة، في ظل ما تعانيه البلاد والشعب من فقر وعوز، وتحذيرات الإفلاس،
بسبب السلوك غير الاقتصادي المسرف غير الرشيد، وفي وقت يلهث فيه للحصول بشتى السبل
على أي دولار".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى اتخاذ النظام "أساليب مخادعة للحصول
على الأموال، كتوفيق أوضاع المقيمين السوريين وغيرهم، مع ما أثير عن إتاوات باهظة
تُفرض بالدولار على أي فلسطيني، ومصري، ومن الجرحى وأصحاب الحالات الحرجة، يمر من
غزة لمصر عبر معبر رفح".
وأكد
أن "هذه الصفقة تثير تساؤلات مشروعة حولها، وتفتح ملفات عديدة سابقة مشابهة،
متسائلا: "هل المقصود منها حل المشاكل الاقتصادية لدول أخرى أكثر ثراء وغنى
وقوة وتقدما، مقابل المزيد من إفقار مصر، والقضاء عليها، أم ماذا؟".
وقال
إنه "سبق تلك الصفقة صفقات عديدة مليارية ومشبوهة، وكان المغزى منها وقتها
شراء الشرعية الخارجية، فكانت صفقة طائرات (رافال) مع باريس، وأخرى مع روما
لإسكاتها عن مقتل الإيطالي جوليو ريجيني، وصفقة مع لندن بعهد رئيس الوزراء بوريس
جونسون".
وأشار
إلى مفارقة أن "مصر تسعى مجددا لعقد صفقة جديدة من رافال، بدعوى تحديث
أسطولها من تلك الطائرات"، موضحا أنه "نفس السبب الذي ذُكر الآن بشأن
المركبات الأمريكية الخفيفة التي تزمع مصر استيرادها".
وقال
الحداد: "لا يجب أن نغفل هنا أيضا ما ذكر بدورية "Defense
Security Cooperation Security"
من أن شركة "Oshkosh"
الأمريكية المصنعة للمركبات، أعلنت سابقا قرب إغلاق خط إنتاج (JLTV) لتلك المركبات نهاية
2024".
وأكد
أن هذا يدفعنا للتساؤل: "هل جاءت تلك الصفقة لدعم استمرار هذا الخط في الإنتاج،
ومن ثم إنقاذ ومساعدة الشركة بإنعاش مبيعاتها، على نحو ما تم بشأن طائرات
رافال؟".
لكن
الأغرب مما سبق، بحسب الكاتب المصري، هو ما جاء على لسان الخارجية
الأمريكية، حيث قالت: "ستدعم الصفقة أهداف السياسة الخارجية، والأمن القومي
الأمريكي عبر المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو... وأن هذا البيع
لهذه المعدات والدعم لن يغير من التوازن العسكري الأساسي في المنطقة".
ويرى
أنه "من هنا يحق لنا أن نتساءل: وماذا عن الأمن القومي المصري، وأهداف
السياسة الخارجية المصرية، والتي تختلف وتتباين قطعا، إذ لم تتناقض مع أهداف
السياسة الخارجية الأمريكية وكذا، ومن ثم، عن الأمن القومي الأمريكي؟".
وفي
مواصلته لقراءة بيان الخارجية الأمريكية أضاف: "ثم ما معنى المساعدة في تحسين
أمن حليف رئيسي من خارج الناتو؟ فهل المقصود به الأمن الشخصي للحاكم، أم أمن
النظام ككل في مواجهة شعبه أم ماذا؟".
وتابع:
"ثم لماذا لا تُحسب الصفقة ضمن المعونة العسكرية الأمريكية لمصر - 1.3 مليار
دولار سنويا - بدلا من تحميلها لخزينة الدولة الخاوية؟ أم إن هذه المعونة، ومعها
المعونة الاقتصادية لا يجب أن نعرف عن قنوات إنفاقها شيئا؟".
وقال
المحلل السياسي المصري: "وبناء على ما ورد في التصريح الأمريكي سالف الذكر
والذي أكد أن الصفقة تخدم الأمن القومي الأمريكي، وأهداف السياسة الخارجية
الأمريكية، فأرى أنها ربما تُستخدم للقضاء على الفلسطينيين إذا ما خرجوا من غزة
نحو سيناء عبر معبر رفح، وبهذا تتحقق أمنية الاحتلال، وقادته منذ غولدا مائير،
وحتى نتنياهو".
وختم
حديثه: "وعند تدفق فلسطينيين نحو معبر رفح لأي سبب فقد يتذرع بأن بينهم
إرهابيين يحملون السلاح، وربما يتم قتل مصريين عند المعبر لإحكام مؤامرة اغتيالهم،
ومن ثم يكون هناك مبرر لفتح النار عليهم من العربات الخفيفة، وتكون مصر الرسمية
ارتاحت من عبء استضافتهم بأراضيها، وبما يخدم الأمن القومي الإسرائيلي الذي لا
ينفصل عن الأمريكي".
صفقات
أمريكا للسيسي
ويوجد
الجيش المصري في مرتبة متقدمة عالميا، وفق تصنيف موقع "غلوبال فاير
باور" المتخصص في الشؤون العسكرية، وكأقوى الجيوش العربية والأفريقية، حيث إنه حل
بالمرتبة الـ14 عالميا من بين 145 دولة، بقائمة أقوى جيوش العالم لعام 2023،
متفوقا على دول في المنطقة مثل إيران و"إسرائيل".
وصنف
معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري)، في 15 مارس/ آذار 2022،
مصر بالمركز الثالث عالميا كمستورد للأسلحة منذ 2015 وحتى 2021، بحصة بلغت 5.7%
من واردات السلاح العالمية، مع زيادة 73% عن مستوياتها من 2012 إلى 2016.
ومن
آن إلى آخر تستخدم واشنطن ورقة المعونة العسكرية المقررة لمصر منذ اتفاقية
"كامب ديفيد" للسلام، والمقدرة سنويا بـ1.3 مليار دولار، بالخصم منها
خلال عامي 2022 و2023، للضغط على نظام السيسي، لتحسين ملف حقوق الإنسان.
وقدمت
واشنطن على مدار سنوات حكم السيسي، منذ 2014، أسلحة تقليدية للقاهرة، تلزم لحماية
الحدود من الإرهاب، والشواطئ من الهجرة غير الشرعية.
ثم
باعت القاهرة أربع طائرات "إف 16" الأمريكية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وفي
ديسمبر/ كانون الأول 2020 قررت واشنطن بيع نظام جوي لمصر لحماية الطائرة الرئاسية من
تهديدات الصواريخ، بتكلفة 104 ملايين دولار.
وفي
مايو/ أيار 2020، عقد الجانبان الأمريكي والمصري صفقة تحديث مروحيات هجومية لمصر
بقيمة 2.3 مليار دولار.
وخلال
النصف الأول من عام 2022، عقد الجانبان المصري والأمريكي ثلاث صفقات أسلحة عالية
التسليح لطائرات ذات أهمية للجيش المصري، ولا يمتلك بعضها إلا "إسرائيل"، وصفت بغير
المسبوقة في تاريخ علاقات البلدين.
وفي
يناير/ كانون الثاني 2022، أعلن عن صفقة أمريكية لمصر لتوريد 12 طائرة نقل تكتيكي
طراز سي 130 "سوبر هركليز"، بقيمة 2.2 مليار دولار، مع عدة أنظمة
رادارية "إس بي إس – 48".