صحافة دولية

فورين أفيرز: خيارات صعبة أمام إدارة بايدن في غزة.. "خطوات جريئة وصارمة"

انتقادات واسعة لإدارة بايدن بسبب دعمها المطلق للاحتلال- جيتي
استعرض تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية خيارات الولايات المتحدة للتعامل مع الوضع في الأراضي المحتلة للكاتبين آرون ديفيد ميلر ودانيال سي كيرتزر، اللذين أكدا، "ليس أمام أمريكا طريق سهل للخروج وعلى بايدن أن يجازف، ويتحدث بصراحة، ويتصرف بجرأة".

وذكرت المجلة، "أن كثيرا من المراقبين يقارنون هذه الحرب بحرب أكتوبر 1973، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حجم إخفاقات الاستخبارات الإسرائيلية، وفقدان الجمهور الإسرائيلي الثقة في حكومته، والصدمة الوطنية التي تلت ذلك".

وقال الكاتبان، "إن أي مقارنة ذات معنى تنتهي عند هذا الحد، بالنظر إلى دمويتها وطولها حيث استمرت حرب عام 1973 ثلاثة أسابيع فقط، وسرعان ما دخلت في اتفاقية فض الاشتباك جيدة التنظيم نسبيًا بوساطة الولايات المتحدة، ما أدى إلى إطلاق عملية أدت إلى معاهدة سلام مصرية إسرائيلية".

وبحسب المقال التحليلي، "فإن الأفكار القائلة بأن إسرائيل، بعد استكمال عملياتها العسكرية لتعطيل حركة حماس، سوف تخرج بشكل كامل من غزة وأن السلطة الفلسطينية قادرة على تولي زمام الأمور بسرعة وبشكل رسمي، ليست واقعية".


وتابعا، "لا يوجد احتمال واقعي في الأمد القريب لنهاية دراماتيكية ومشجعة للصراع تؤكد شرعية تضحيات كل جانب وتوفر الراحة والأمل في المستقبل".

واستدركا، "مع ذلك، إذا أراد بايدن التغيير، فيجب على إدارته اتخاذ خطوات سياسية أكثر جرأة وتحركات توجه المنطقة بحزم نحو حل الدولتين".

وقد يرغب صناع السياسات في تجنب التحركات الجريئة في موقف سريع التغير: فمثل هذه التحركات ستكون صعبة من الناحية العملية ومحفوفة بالمخاطر على المستوى السياسي. 

لكن الحقائق على الأرض تشير إلى أن المنطقة لا يمكنها العودة إلى الوضع غير المستقر الذي كانت عليه قبل الحرب، وبدلاً من ذلك، من المرجح أن ينشأ وضع جديد أشد تعقيداً. 

وأكد التحليل، أن القيادة الأمريكية الجريئة الآن هي وحدها القادرة على دعم التوصل إلى نتيجة جيدة في أعقاب هذه الحرب.

وأردف الكاتبان، "أن المسؤولين الإسرائيليين صرحوا بأن أهدافهم تتلخص في تدمير حماس ومن ثم تجريد غزة من السلاح والتطرف. وما يقصده هؤلاء القادة بالقضاء على التطرف لا يزال غير واضح".

وبحسب التحليل، "فحتى لو نجح الإسرائيليون في تدمير قدرات حماس العسكرية، فإنهم لن يعلنوا ببساطة عن إنجاز المهمة في غزة ثم يغادروا، لقد استبعد قادة إسرائيل حماس والسلطة الفلسطينية كسلطتين حاكمتين، وبالتالي فمن المرجح أن تبقى إسرائيل في غزة لفترة طويلة نسبيا".

وإذا حاولت "إسرائيل" البقاء في غزة لفترة طويلة، فسوف تواجه هجمات متبقية من جانب حماس وغيرها وتحديات هائلة في الحفاظ على القانون والنظام. 

وحتى عندما يتحدث بعض المسؤولين "الإسرائيليين" عن الخروج من غزة، فإنهم يتحدثون علنا عن ضرورة إنشاء "مناطق عازلة" طويلة الأمد وعن مسؤولية "إسرائيل" الشاملة عن الأمن. 

وأشار التحليل، "إلى أنه من المرجح أن تتحول العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة من حملة جوية وبرية مكثفة إلى عمليات أكثر استهدافا، وسوف تكون إسرائيل جزءا من المشهد الغزاوي لبعض الوقت".

ولفتت المجلة، "إلى الخلل الوظيفي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية، والسياسات الإسرائيلية إلى حد كبير، حيث أصبحت السلطة الفلسطينية ضعيفة وغير فعالة، ويرى الفلسطينيون أنها فاسدة ومحاباة وسلطوية".

خلال هذه الحرب، لم تتمكن السلطة الفلسطينية من حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية من غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي وهجمات المستوطنين، ناهيك عن التأثير على مسار العمليات في غزة. 

وفي الوقت نفسه، ارتفع سهم حماس في الضفة الغربية منذ هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي وإطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين عن طريق التفاوض من السجون "الإسرائيلية".

وبين الكاتبان، "أن الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو ركز على الضفة الغربية، في محاولة لتهيئة الظروف للضم، ففي النصف الأول من عام 2023، أبعدت حكومة نتنياهو أي احتمال لحل الدولتين من خلال تقديم أو الموافقة على تصاريح لبناء 13 ألف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ عام 2012".

وأضافا، "أن حقيقة إشراف نتنياهو على أسوأ هجوم وأسوأ فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، قد أفقدت زعامته مصداقيتها، ويفترض العديد من المراقبين أن مسيرته السياسية سوف تصل إلى نهايتها قريبا".


لكن نتنياهو سيقاتل من أجل البقاء في السلطة. وفي مواجهة لوائح الاتهام بخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال، يريد نتنياهو بشدة تجنب السجن.

يبدو أن إدارته تستغل الاهتمام الذي تسحبه غزة بعيدا عن الضفة الغربية لمواصلة المزيد من التوسع الاستيطاني وقمع الفلسطينيين، بحسب التحليل.

بالنسبة للولايات المتحدة تبدو المعضلات السياسية معقدة للغاية. ولكن بعد 56 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي دون نهاية في الأفق، لا بد من تسوية هذه المعضلات عاجلاً وليس آجلاً. 

وقال كاتبا المقال، إن خيار الولايات المتحدة ثنائي – إما محاولة المساعدة في تهيئة الظروف لحل الدولتين أو التكيف مع وضع ما بعد الصراع الذي هو أسوأ من الوضع الراهن، ولا يحل أي قضايا أساسية، وربما يهيئ الظروف لحرب أخرى.

وأضافا، أن مسار العمل هذا من قبل الولايات المتحدة سيكون محفوفا بالمخاطر من الناحية السياسية، فقد يكون له تأثير غير مقصود يتمثل في إعطاء نتنياهو أداة حملة للبقاء في السلطة، فالنجاح ليس مضمونا على الإطلاق. 

ووفقا للمقال، "سوف تتعامل الولايات المتحدة مع قادة مصابين بصدمات نفسية قد يكونون غير راغبين أو غير قادرين على اتخاذ قرارات كبيرة، وقد فشل الإسرائيليون والفلسطينيون مرات عديدة في خلق طريق للسلام عندما كان السياق الخارجي أقل شحونة بكثير مما هو عليه اليوم".

وذكر الكاتبان، "حتى لو ترك نتنياهو منصبه، فلا يبدو أن أي سياسي كبير آخر في إسرائيل حريص على السير على طريق السلام".

من جهة أخرى وباعتبارها وسيطا محتملا للسلام، تفتقر الولايات المتحدة إلى المصداقية، ومن أجل التحرك نحو حل الدولتين، يحتاج العرب والأوروبيون إلى الثقة في نوايا الولايات المتحدة ومتابعتها. 

وأضاف الكاتبان، أن استخدام الولايات المتحدة حق النقض وعدم التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة على قرارات وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية لم يبعث على الثقة.

وحتى هؤلاء الحلفاء الذين يثقون في قدرة واشنطن على تنفيذ خططها سوف يتساءلون عما سيحدث إذا خسر بايدن محاولة إعادة انتخابه المقبلة.

وقال الكاتبان، إن مخاطر الدعوة إلى حل الدولتين تستحق المخاطرة، وسوف تقيس الجهات الفاعلة الأخرى مصداقية الولايات المتحدة من خلال ما تكون واشنطن مستعدة للقيام به لمواجهة الحقائق المزعجة التي ستحدد بشكل شبه مؤكد مشهد ما بعد الصراع.

والسؤال الذي يواجه إدارة بايدن هو ما الذي يمكنها أن تفعله بشكل واقعي في العام السابق للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في ضوء القيود التي تفرضها السياسة الأمريكية وتلك التي من المرجح أن تواجهها في إسرائيل، وبين الفلسطينيين، وفي جميع أنحاء العالم العربي.

وأشار الكاتبان، إلى أنه يتعين على إدارة بايدن، أن تمارس ضغوطا قوية من أجل زيادة كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، بما في ذلك من خلال ضمان بقاء معبر كرم أبو سالم الحدودي مفتوحا، والضغط من أجل استئناف المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى.


كما يتعين على الولايات المتحدة أن تضمن احترام "إسرائيل" للمبادئ التوجيهية الأمريكية بشأن غزة، بما في ذلك عدم تقليص مساحة القطاع، وعدم الترحيل القسري للسكان. 

وينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يوضحوا، سواء في تصريحاتهم العامة أو في اتصالاتهم الخاصة مع "الإسرائيليين" وغيرهم، أن غزة والضفة الغربية يجب أن تظلا وحدة متكاملة وأن السلطة الفلسطينية سوف تستأنف حكمها في غزة في نهاية المطاف.

وستحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى أن تكون استباقية في محاولة ضمان عدم تحول الصراع على طول الحدود اللبنانية إلى حرب واسعة النطاق.

ويتعين على زعماء الولايات المتحدة أن يخبروا الشعب "الإسرائيلي" أن الوقت قد حان بالنسبة لهم لمواجهة الخيار الأساسي الذي تجنبته البلاد منذ عام 1967: هل ستحتل "إسرائيل" الأراضي الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، أم أنها تستطيع أن تعيش جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية؟