قضايا وآراء

الظاهر والباطن في الموقف المصري تجاه المقاومة

لا يزال المعبر مغلقا رغم أنه يخضع للسيادة المصرية- جيتي
بيانات منددة بالعدوان الإسرائيلي، ومظاهرات "مسيّرة" بأمر الحاكم تنديدا به، وفي الوقت نفسه مواجهة أمنية لمظاهرات شعبية حقيقية للغرض ذاته (التنديد بالعدوان)، واعتقال العشرات من المتظاهرين، ثم منع التظاهر في الجامع الأزهر وفي الحسين وفي الجامعات المصرية لاحقا، استعراض عسكري للفرقة الرابعة (درة تاج الجيش المصري)، وتصريحات لقائد الجيش الثالث الميداني (الذي تتبعه الفرقة الرابعة) اللواء شريف العرايشي حول استعداد قواته "لطي الأرض في نطاق مسئوليتها (بينها منطقة سيناء) أو في أي مكان آخر، للحفاظ على أمن البلاد، وأن هذه القوات ستبقى حائط الصد والدرع الواقي ضد كل من يحاول العبث بمقدرات الوطن"، تعقبها غارات إسرائيلية وأخرى مجهولة ضد أهداف عسكرية مصرية توقع إصابات بين جنود وضباط، ودعوات للرد دون مجيب، بل يخرج السيسي ليحذر من هذه الدعوات التي قد تجر البلاد إلى المخاطر!

كتبت في هذا المكان قبل أسبوعين مقالا بعنوان "موقف مصري مختلف تجاه "الطوفان".. حقيقي أم مناورة؟" أشرت فيه إلى البيانات الرسمية التي نددت بالعدوان، لكنني أبديت شكوكا حول جدية هذا الموقف واستمراريته للعديد من الأسباب التي ذكرتها في حينه، وها هي الأيام تزيد عندي هذه الشكوك، رغم المواقف الرسمية الظاهرية التي لا تزال تحمل لغة الإدانة للعدوان، لكن هذا الموقف الكلامي لم يصاحبه الفعل المطلوب على الأرض والذي بإمكان مصر فعله؛ وقد فعلته من قبل دون تعرضها لأي أخطار.
الموقف الرسمي المصري الذي يقتصر على بعض البيانات أو التصريحات المنددة بالعدوان والرافضة ظاهرا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو مصر، يختلف ظاهره عن باطنه. فإغلاق المعبر تحت حجج واهية، ومنع المظاهرات الشعبية الرافضة للعدوان واعتقال النشطاء، والاستمرار في حبس عشرات الآلاف من الوطنيين، والاستمرار في قمع كل صوت معارض.. كل ذلك يتم في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة وطنية حقيقية تترجم في حكومة وحدة وطنية

ليس هناك مبرر موضوعي لاستمرار غلق المعبر الوحيد (معبر رفح) الذي يمثل شريان الحياة للفلسطينيين المحاصرين تحت نيران العدو، فالمعبر مصري تماما لا تشارك مصر أي سلطة أخرى في إدارته، وحتى حينما سمحت مصر لحماس أو للسلطة الفلسطينية بمشاركتها في ضبط حركة العبور فقد كان ذلك بقرار مصري لا دخل لأحد فيه، وبالتالي فإن إغلاق المعبر بحجة رفض إسرائيل لمرور قوافل الإغاثة إلا ما يتم وفق وساطة أمريكية وبعد تفتيش مهين، هو مشاركة في حصار وتجويع وقتل الفلسطينيين الذين ليس أمامهم طريق آخر للحصول على احتياجاتهم الحياتية الأولية من مأكل وعلاج وكهرباء.. إلخ.

الموقف الرسمي المصري الذي يقتصر على بعض البيانات أو التصريحات المنددة بالعدوان والرافضة ظاهرا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو مصر، يختلف ظاهره عن باطنه. فإغلاق المعبر تحت حجج واهية، ومنع المظاهرات الشعبية الرافضة للعدوان واعتقال النشطاء، والاستمرار في حبس عشرات الآلاف من الوطنيين، والاستمرار في قمع كل صوت معارض.. كل ذلك يتم في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة وطنية حقيقية تترجم في حكومة وحدة وطنية أيضا كما فعل العدو، لكن من الواضح أن النظام الحاكم لا يستشعر خطورة حقيقية على الوطن، وإنما يستشعر خطورة على حكمه فقط.

هذا نظام فرّط من قبل في تيران وصنافير، وفي مياه النيل، وفي غاز المتوسط، ولن نتفاجأ حين يقبل التهجير (ضمن صفقة مشبوهة) تحت ذرائع مختلفة مثل الادعاء بقبول مائة ألف غزاوي للعلاج في مصر، بينما كان عليه أن يتدخل بقوة لوقف العدوان كما فعل مرسي رحمه الله في 2012، وكان عليه أن يفتح المعبر لمرور كل القوافل الإنسانية كما فعل مرسي أيضا، دون أن تتعرض مصر في ذلك الوقت لأي أذى، بل إن ذلك رفع مكانتها عند الشعوب العربية والإسلامية وفي العالم أجمع.

حين يتصاعد الحديث عن دور مصري مفتقَد يبادر السيسي بالتحذير من "الغضب والاندفاع في رد الفعل الذي قد نندم عليه لاحقا"، وتهيج أبواقه معتبرة أن ذلك دعوة لإقحام مصر في حرب تأتي على اليابس والأخضر. الغريب أن بعض تلك الأبواق طالبت بالحرب بشكل مباشر وبتمزيق اتفاقية كامب ديفيد، لكن حين تأتي الدعوات من خارج أنصار النظام يتكهرب الجو، ربما لأنهم يدركون أن دعوات بعض الأنصار هي جزء من مسرحية متفق عليها، وان هؤلاء الداعين منهم للحرب سيتخذون موقفا عكسيا حين تصلهم تعليمات جديدة.

ليس كل حديث عن دور قوي لمصر يعني الحرب، وحتى قادة حماس ومنهم خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج، أو أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، أكدوا أنهم لا يريدون جر مصر أو غيرها من الدول العربية إلى الحرب، لكنهم يريدون منهم فقط مواقف جادة لوقف العدوان، ولدعم الشعب الفلسطيني.

هناك عشرات الخطوات التي يمكن لمصر أن تفعلها دون أن تصل إلى الحرب، منها فتح المعبر كما ذكرنا وهو واجب الوقت، ومنها سحب السفير المصري في تل أبيب أو طرد السفير الصهيوني من القاهرة، ومنها وقف الاتصالات السياسية والأمنية، ومنها ترك الشعب المصري ليعبر بحرية كاملة عن موقفه ضد العدوان، ومنها، وقف اتفاقيات الكويز، واتفاقيات الغاز وغيرها من الاتفاقيات الاقتصادية، وأخيرا فإن نصب شبكة دفاع جوي قرب الحدود لمواجهة الاعتداءات (سواء مقصودة أو خاطئة) لا يعد حربا ولكنه دفاع عن الوطن.
النظام المصري يتعامل مع حماس بوجهين، فهو يحتضن مكتبا لها في القاهرة، ويلتقي بقادتها ويتواصل معهم، لكنه على خلاف حكومات عربية وإسلامية أخرى تلتقي قادة حماس على مستويات رؤساء الدول، فهو يبقى هذا التواصل في الإطار الأمني وليس السياسي، أي مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في الحد الأعلى. وهو يحتاج لهذه العلاقة لتبقي له على دور في الوساطة بين الحين والآخر، لكنه يدرك أن حماس هي فرع للإخوان المسلمين الذين يعتبرهم عدوه الأول، وهو لا يزال يصنف حماس حركة إرهابية بحكم قضائي هزلي

إقدام النظام المصري على خطوة جدية حقيقية واحدة أو أكثر دون الذهاب إلى خيار الحرب سيوصل رسالة صادقة إلى الكيان الصهيوني الذي لا يزال يثق في حلفائه وأصدقائه العرب، ويعرف أنهم يناورون بتصريحات علنية لا يواكبها فعل حقيقي، وأنه يتفهم تلك التصريحات التي تحافظ على بقاء تلك النظم الضامنة لأمنه، ووصول رسالة صادقة سيجبر العدو على وقف عدوانه لأنه لا يملك ترف خسارة مصر، أكبر وأول دولة عربية أقامت معه سلاما فاتحة الباب لغيرها، وكما ذكرنا من قبل فإن الكيان لم يفعل شيئا حين فتحت مصر المعبر في 2012.

ليس خافيا أن النظام المصري يتعامل مع حماس بوجهين، فهو يحتضن مكتبا لها في القاهرة، ويلتقي بقادتها ويتواصل معهم، لكنه على خلاف حكومات عربية وإسلامية أخرى تلتقي قادة حماس على مستويات رؤساء الدول، فهو يبقى هذا التواصل في الإطار الأمني وليس السياسي، أي مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في الحد الأعلى. وهو يحتاج لهذه العلاقة لتبقي له على دور في الوساطة بين الحين والآخر، لكنه يدرك أن حماس هي فرع للإخوان المسلمين الذين يعتبرهم عدوه الأول، وهو لا يزال يصنف حماس حركة إرهابية بحكم قضائي هزلي، وهو يتمنى زوالها من الوجود، وحتى حين عبر السيسي عن رفضه لتهجير أهل غزة في لقائه مع المستشار الألماني ومن بعده الرئيس الفرنسي، فإنه لم يعترض على تصفية حماس من حيث المبدأ لكنه نصحهم بأن هذا الأمر يستغرق وقتا طويلا!!

twitter.com/kotbelaraby