أفكَار

البريكس.. الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.. الحالة الإيرانية

إيران ذات موقع استراتيجي مهم للأهداف التجارية للبريكس حيث إنها الدولة الأقوى المطلة على الخليج العربي.. (الأناضول)
نتطرق في هذا المقال الجديد إلى إيران، ضمن مساهمتنا في فحص الشروط الجيواقتصادية والجيوسياسية والجيواستراتيجية في اختيار الأعضاء الجدد في البريكس، التي استخلصناها من تصريحات قادة هذه المنظمة، التي لا تزال موضوع بحث ودراسة لفهم تأثيراتها المستقبلية على النظام العالمي.

ربما تكون إيران هي الدولة التي سهل التوافق بشأن عضويتها أكثر من غيرها بين قادة البريكس، فهي عضو في منظمة شنغهاي للتعاون (الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، طاجيكستان، الهند، باكستان،إيران)، التي اعتبرتها الولايات الأمريكية المتحدة منظمة أسست لمواجهة الحلف الأطلسي، وشروط العضوية فيها من الناحية الجيوسياسية والجيوستراتجية تسهل العضوية في البريكس كذلك.

وإيران ذات موقع استراتيجي مهم للأهداف التجارية للبريكس، حيث إنها الدولة الأقوى المطلة على الخليج العربي، الذي تسميه الخليج الفارسي، الذي يعد من الأكثر المواقع البحرية ازدحاما في العالم، بسبب عبور عدد كبير من ناقلات النفط من خلاله، ويقع مضيق هرمز بينها وبين سلطة عمان، وهو المضيق الأكثر ازدحاما بالسفن التجارية والعسكرية. كما أصبح لها تأثير كبير على تطورات الوضع في العديد من دول الشرق الأوسط بواسطة تحالفاتها المذهبية، ومنها وجودها في العراق القوي بالنفط، وسوريا بموقعها وممراتها البرية الاستراتيجية الطاقوية نحو البحر الأبيض المتوسط، واليمن المطلة على البحر الأحمر الأحمر.

وعلاوة على مواقفها الدولية الواضحة في مواجهة الولايات الأمريكية المتحدة بما يساهم في تحقيق رؤية العالم متعدد الأقطاب، التي جعلتها تكسب الإجماع في تشكيل قائمة الأعضاء الجدد في البريكس، فإنها تملك مقدرات اقتصادية كبيرة تساعد على التبادل التجاري خارج العملة الأمريكية، وفق ما تهدف إليه منظمة البريكس. فبرغم حالة الحصار، استطاعت إيران أن تحافظ على المرتبة الاقتصادية الثالثة في الشرق الأوسط والمرتبة 22 من 193 دولة عالميا، حسب صندوق النقد الدولي، بناتج داخلي خام في حدود 388,54 مليار دولار.

استطاعت إيران أن تبني اقتصادا مقاوما في مواجهة الحصار الذي تقوده الولايات الأمريكية المتحدة، فأعطت أهمية كبيرة للفلاحة؛ إذ تساهم الزراعة بنسبة ربع الناتج الوطني الإجمالي، وتستوعب 28% من العمالة، ويركز الإيرانيون على إنتاج الحبوب بنسبة 75% من المنتجات الزراعية المتنوعة، خصوصا القمح، وقد سبق لإيران أن حققت أمنها الغذائي قبل أن تتراجع محاصيلها بسبب الجفاف.
ويعتمد الاقتصاد الإيراني أولا، على قوتها الإنتاجية للطاقة، فقد وصل إنتاجها للنفط ومشتقاته عام 2021 إلى 3.6 مليون برميل يوميا،  تستهلك منه نحو 47 في المائة، وتصدر الفائض، وهي صاحبة ثالث أعلى احتياطي للنفط في العالم بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية، بواقع 158 مليار برميل، أو نحو 9.1% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وبقيت أكبر منتج للغاز بعد الولايات الأمريكية المتحدة وروسيا بإجمالي 257 مليار متر مكعب سنويا، وثاني احتياطي عالمي بإجمالي 32 ترليون متر مكعب.

وقد استطاعت إيران أن تبني اقتصادا مقاوما في مواجهة الحصار الذي تقوده الولايات الأمريكية المتحدة، فأعطت أهمية كبيرة للفلاحة؛ إذ تساهم الزراعة بنسبة ربع الناتج الوطني الإجمالي، وتستوعب 28% من العمالة، ويركز الإيرانيون على إنتاج الحبوب بنسبة 75% من المنتجات الزراعية المتنوعة، خصوصا القمح، وقد سبق لإيران أن حققت أمنها الغذائي قبل أن تتراجع محاصيلها بسبب الجفاف.

وقد أدى بها التضييق على صادراتها النفطية إلى بناء صناعات متعددة من مشتقات البترول، ورغم تبعية صادراتها للطاقة (80 بالمائة) يعد الاقتصاد الإيراني من الأكثر تنوعا وتحكما في الإنتاج الصناعي والتكنولوجيا في الشرق الأوسط (السيارات، الصناعات الكربونية، الصناعات التحويلية، والكيمياوية، التعدين، الفولاذ، الإسمنت، الصناعات الفضائية، الصناعات النووية، صناعة السلاح، النسيج والملابس الجاهزة والسجاد، الأجهزة الكهربائية والالكترونية).

ويقوم الاقتصاد الإيراني أساسا على القطاع العام الذي يعده القادة السياسيون بأنه هو قاطرة المقاومة الاقتصادية، ولكن ثمة شبكة كبيرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة في مجال الفلاحة وبعض الصناعات، علاوة على ما يسمى بالقطاع التضامني الذي يشكل جزءا من خصوصيتها الإسلامية، بالإضافة إلى ما هو غير معلوم في شبكات القطاع الموازي الواسعة، وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي مقدار 1.5 مليار دولار حسب تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الذي يتابع تطورات الاستثمار الأجنبي في الدول، وهو رقم مرشح للزيادة المطردة من خلال اتفاقيات التبادل التي أبرمتها إيران مع شركائها الكبار، خصوصا الصين وروسيا والهند، وربما في المستقبل السعودية، وفق ما صرح به مسؤولون سعوديون مع اتفاق المصالحة.

 ويعتقد القادة الإيرانيون بأنهم يستطيعون بناء اقتصاد ناهض لولا الحصار، وأن معدلات البطالة المرتفعة نسبيا  (10 بالمائة)، ومعدلات التضخم الكبيرة (47.7 بالمائة) في العام الجاري، وما يسببه ذلك من احتقان سياسي كبير، إنما هو بسبب الحصار، وأن الانخراط الكلي في الحركة التجارية بين دول البريكس القوية سيبطل مخططات التحكم والإضعاف الأمريكية. غير أن انضمامها إلى منظمة البريكس بوجود دول عربية قوية، والمصالحة مع السعودية، سيفرض عليها التزامات جديدة هي من صميم قواعد بناء منظمة البريكس وشنغهاي، وهي عدم التدخل في شؤون الدول، وتخيف الصراعات الدولية، وتجنب الحروب من أجل تأمين الطرق التجارية. وعليه، فإن عدم التوجه نحو المصالحات الكبرى مع جيرانها، لن يسمح لإيران أن تكون عنصرا إيجابيا في تحقيق أهداف التهدئة التي تريدها الصين من خلال منظمة البريكس.