يحيي
العراقيون خلال هذه الأيام الذكرى العشرين لانطلاق
غزو العراق واحتلاله عام 2003، من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا، للإطاحة بنظام الرئيس الراحل
صدام حسين، بذريعة امتلاك بلاده أسلحة دمار شامل ودعم تنظيمات إرهابية.
وفشل غزو العراق الذي قاده الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن في إثبات المزاعم التي انطلقت على أساسها العملية العسكرية، والمتمثلة في وجود أسلحة دمار شامل وتعاون نظام صدام مع تنظيمات إرهابية، رغم رفض مجلس الأمن الدولي منح واشنطن تفويضا للعملية.
وخلف الاحتلال الأمريكي للعراق مئات الآلاف من القتلى المدنيين، مع تخريب كامل للبنى التحتية للمنشآت الخدمية وتفكيك مؤسسات الدولة وإقامة نظام حكم اعتمد تقسيم المجتمع العراقي إلى مكونات عرقية وطائفية.
وفي غياب حصيلة رسمية دقيقة لضحايا غزو العراق، تقول مجموعة "مشروع إحصاء الجثث في العراق" (IBC)، وهو جهد على شبكة الإنترنت لتسجيل الوفيات المدنية الناتجة عن غزو العراق عام 2003، إن قوات الاحتلال تسببت بشكل مباشر في مقتل ما يزيد على الـ100 ألف مدني، فيما أعلنت الولايات المتحدة رسميا عن مقتل نحو 4700 من قواتها بحلول موعد الانسحاب نهاية 2011.
ويستخدم المشروع تقارير من وسائل الإعلام الإخبارية باللغة الإنجليزية (بما في ذلك وسائل الإعلام العربية المترجمة إلى الإنجليزية)، والتقارير المستندة إلى المنظمات غير الحكومية، والسجلات الرسمية التي تم نشرها في المجال العام لتجميع المجموع الكلي.
وتسبب الغزو في سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، الذي أُعدم نهاية العام الذي بدأ فيه الغزو، ما أدى إلى تفكيك المؤسسات الأمنية والعسكرية، وأدخل البلاد في فوضى أمنية وشيوع ظاهرة المليشيات والسلاح خارج سيطرة الدولة، بحسب مقال نشرته وكالة الأناضول للكاتب رائد الحامد.
وبحسب الكاتب، فإنه لا يزال العراق يعاني من تبعات قرار سلطة الائتلاف المدني، بقيادة السفير الأمريكي بول بريمر، بتشكيل نواة وزارتي الدفاع والداخلية من عناصر المليشيات، سواء التي تأسست في إيران أو التي تشكلت بعد الغزو مباشرة.
وأسقط الغزو النظام السياسي القائم منذ الانقلاب على العهد الملكي في 1958، "في محاولة لبناء دولة ديمقراطية تعددية ذات سيادة تحتكم إلى نظام حكم يصلح أن يكون مرجعية لمجتمعات دول الشرق الأوسط التي يطمح معظم سكانها لمغادرة الدكتاتورية والتوريث إلى التبادل السلمي للسلطة والخضوع لإرادة صناديق الاقتراع"، بحسب الرؤية الأمريكية.
من المؤكد أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق نجحت في إسقاط النظام السياسي والإطاحة بنظام صدام، لكنها فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، بما فيها إرساء أسس نظام حكم ديمقراطي.
ولعل من أبرز نتائج الغزو: الحرب الأهلية بين 2006 و2008، وتهميش دور مؤسسات الدولة، وإقامة نظام سياسي يعتمد مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية في توزيع السلطة والموارد وفق تفاهمات بين الأحزاب الرئيسية وبإدارة سلطة الاحتلال دون إجراء تعداد للسكان لتحديد تمثيل كل مكون من مكونات العراق الأساسية الثلاثة (السُنة والشيعة والأكراد).
ويمكن القول إن الولايات المتحدة التي غادر جنودها العراق بعد توقيع اتفاقية أمنية مع بغداد عام 2008، أسقطت البلاد في دائرة النفوذ الإيراني والمجموعات العراقية المسلحة الحليفة لطهران التي تتبادل مع واشنطن حالة العداء، حيث أفرزت سنوات الاحتلال ارتفاعا هائلا في نفوذ إيران المباشر أو عبر القوى الحليفة لها.
في المقابل، نجحت القوى الحليفة لطهران في تحويل العراق إلى حاجز صد للعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إيران في 2018، ومتنفسا لإنقاذ اقتصاد إيران المتراجع عبر توريد الغاز والكهرباء والسلع الاستهلاكية إلى العراق بأكثر من 10 مليارات دولار سنويا، وفقا لرائد الحامد.
وبشكل ما، فقد ساهم غزو العراق في ظهور أو إعادة تنشيط ما تُسمى بالحركات والتنظيمات "الجهادية" التي تدرجها الولايات المتحدة ومعظم دول العالم على لوائح التنظيمات الإرهابية.
وتنفق الولايات المتحدة ودول أخرى بينها دول شرق أوسطية، عشرات مليارات الدولارات سنويا في إطار الحرب الكونية على الإرهاب التي تصاعدت بعد أحداث مدينة الموصل 2014، وسيطرة تنظيم الدولة على أجزاء واسعة من غرب وشمال غرب العراق وشرق وشمال شرق سوريا.
وأعاد غزو العراق صياغة التوازنات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط وفتح الباب واسعا أمام تعاظم نفوذ القوى الإقليمية والدولية سواء في العراق أو في دول جواره التي تأثر بعضها بتداعيات الغزو، الذي يقول محللون غربيون إنه ساهم إلى حد ما في إشاعة وعي جديد لدى فئة الشباب ينبذ الدكتاتوريات والأنظمة العسكرية وتلك التي تعتمد مبدأ توريث الحكم ضمن عوائل محددة.
وعلى صعيد التوازنات الإقليمية والدولية، فإن الشرق الأوسط "الجديد" بدا تتوزعه ثلاث قوى رئيسية من الدول والجهات الفاعلة، هي روسيا والصين وإيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
فيما تتموضع معظم الدول العربية في محاولة منها للحفاظ على الوضع القائم ورفض أي محاولات للتغيير عبر التحالف والتنسيق الأمني والعسكري تارة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل ما وتارة أخرى مع إيران والصين وروسيا.
في المحصلة النهائية فإن الغزو الأمريكي حتى بعد 20 عاما، ترك العراق غارقا في فساد مالي وإداري وفقدان الدولة الجزء الأهم من قرارها الأمني والاقتصادي والسياسي لصالح قوى وفصائل متنفذة تحتكم إلى قوة السلاح لفرض إرادتها، بحسب الكاتب.
وحوّل الغزو العراق إلى محطة صراع قوى إقليمية ودولية أبرزها الولايات المتحدة وإيران اللتان تقتسمان النفوذ، بينما تتوزع القوى العراقية في الولاء أو التبعية أحيانا لطرف منهما على حساب الآخر، وفي حالات قليلة الموازنة بين الولاء للطرفين.
لكن في كل الأحوال فإن العراق ظل بعيدا عن الديمقراطية بأي من أشكالها، عدا ديمقراطية "هجينة" اعتمدت مبدأ التفاهم بين رؤساء الأحزاب المتنفذة تحت مسمى "التوافقية" في توزيع السلطات والموارد بعيدا عن أي معايير تستند إليها سواء ما يتعلق بالتمثيل السكاني للمكونات أو الواقع الجغرافي أو حاجات المناطق أو المحافظات وسكانها للخدمات.
وختم الكاتب مقاله بالقول إن الولايات المتحدة، وأكثر القوى التي كانت تعوّل على النموذج الجديد للحكم في العراق، لم تعد ترى أن البلاد يمكن أن تصبح منطلقا لنشر الديمقراطية وحرية التعبير ووحدة المجتمعات وتماسكها بعد سنوات من الحروب الداخلية والصراعات المسلحة ذات البعد الطائفي بين المكونات أو البعد السياسي داخل المكونات نفسها.