سياسة عربية

هل يصمد اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران؟.. هذه دوافعه

السعودية وإيران وقعتا اتفاقا لعودة العاقات بينهما قبل أيام برعاية صينية على أن يتم تبادل السفراء مجددا خلال شهرين- جيتي
رغم الترحيب العربي والدولي الكبير الذي حظي به الاتفاق السعودي الإيراني لعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء مجددا، إلا أن تساؤلات عدة تُطرح حول مدى صمود هذا الاتفاق، وإمكانية تحويله إلى تطبيع كامل، والأسباب التي دفعت إلى توقيعه، بالنظر إلى التباين الشديد في موقف البلدين من ملفات عدة، لعل أبرزها ملفا الصراع في كل من سوريا واليمن، إذ يتبنى الطرفان مواقف على طرفي نقيض.

رسالة سعودية لواشنطن


يرى المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، روبرت ساتلوف، أن "توقيع السعودية لاتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، هو عبارة عن مناورة أكثر من كونه تغيرًا استراتيجيًا، فيه رسالة إلى الولايات المتحدة بأن المملكة بحاجة إلى تنويع عناصر (استراتيجيتها) الأمنية إذا استمرت واشنطن -من وجهة نظر الرياض- في كونها شريكًا أمنيًا غير موثوق به".


وتابع ساتلوف في حديث لـ"عربي21": "إيران هي المفتاح لهجمات الحوثيين. والسعوديون الذين بدأوا في تبني سياسة تصفير المشاكل مع الجيران يريدون وقف حرب اليمن كمصدر لانعدام الأمن. ومع ذلك، فإنه على المدى الطويل، تظل المصالح السعودية والإيرانية على خلاف عميق، في العديد من المجالات، وأنا أشك في أنه سيكون هناك الكثير من الوقت أو المضمون لهذه الاتفاقية الجديدة".

تحول تكتيكي


واعتبر ساتلوف في سلسلة تغريدات نشرها على "تويتر"، أن "رد الفعل على استئناف العلاقات السعودية الإيرانية مبالغ به، خاصة حول ظهور الصين كوسيط قوي في الشرق الأوسط، وأن هناك تحولا استراتيجيا للرياض بعيدًا عن شركائها التقليديين".

ولفت إلى أن "مسؤولا سعوديا كان قد قال في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، إن الاستراتيجية السعودية هي هزيمة إيران بالنمو الاقتصادي".

وأكد ساتلوف أن "حقيقة أن المملكة العربية السعودية هي أسرع دول مجموعة العشرين نموًا، مع استثمار تريليونات الدولارات في كل شيء من السياحة إلى التعدين، يدعم ذلك".

وأضاف: "ولكن النمو يستغرق وقتًا، ويمكن أن ينحرف النمو عن مساره بسبب انعدام الأمن، سواء من صواريخ الحوثي أو التهديد بالابتزاز النووي، لذلك قال المسؤول السعودي إنه لحماية الاستراتيجية طويلة المدى، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى الأمن".

ولفت مدير معهد واشنطن إلى أن "القيود الأمريكية على مبيعات الأسلحة، والتسليح القوي على اليمن وعدم اتخاذ أي إجراء بشأن التقدم النووي الإيراني الذي يتجاوز إلى حد كبير الغضب من مقتل خاشقجي، كل ذلك تضافر لتقويض وتقليل ثقة المملكة العربية السعودية بأمريكا، وأنها غير مستعدة للعب هذا الدور".


وتابع: "في تقديري أن التقاعس عن اتخاذ إجراء في التقدم النووي الإيراني الأخير، كان القشة الأخيرة التي أقنعت الرياض باتخاذ خطوة دراماتيكية، كذلك وجود الصين كراعية لهذا الاتفاق شكل صفعة إضافية لواشنطن، وربما للتعويض عن البيت الأبيض".

وأضاف: "يبدو أن السعوديين لا يتطلعون إلى تغيير المعسكرات بل إلى تنويع مصادر الأمن، وما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة، سوف يأخذونه (يشترون)، ولكن سوف يدفعون بعض الحماية لإيران، كما أنهم، في رأيي، سيكونون أكثر انفتاحًا، على الأفكار من البلدان الأخرى، بما في ذلك إسرائيل".

وأردف: "قرأ السعوديون المستقبل وتصرفوا، لكن هذا تحول تكتيكي وليس تغييرا استراتيجيا من الأيديولوجيا إلى الاستراتيجية، المملكة العربية السعودية وإيران هما خصمان مريران، وربما يدفع هذا السعوديين للتخفيف من حدة الصراع، لكنه يمكن أن يندلع وينفجر في أي لحظة".

أسباب الاتفاق



وكان من اللافت أن الاتفاق تم توقيعه من قبل مسؤولين أقل درجة من وزراء الخارجية للبلدين، ما قد يعتبر تعزيزا لحديث مدير معهد واشنطن بأن الاتفاق هو مجرد رسالة سعودية لواشنطن وأنه لن يستمر طويلا.

الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، يشير إلى أنه "صحيح لم يوقع وزراء الخارجية الاتفاق، ولكن يجب أن لا ننسى أن من وقعه هما أهم مسؤولين أمنيين في البلدين، وهذا اتفاق مبدئي وسيتم تنفيذه عمليا خلال الشهرين المقبلين".

وحول الأسباب التي دفعت البلدين وخاصة إيران لتوقيع هذا الاتفاق، أوضح قصير خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الاتفاق لم يأت من فراغ، حيث كان هناك منذ سنتين تقريبا محاولات لإعادة العلاقات بين البلدين، وجرت مفاوضات في العراق وسلطنة عُمان مهدت لهذا الاتفاق".

وتابع: "بالطبع كان هناك نقاط خلاف معينة بين الجانبين، ولكن يبدو أن الأوضاع في المنطقة ومنها مخاطر حصول حرب كبرى في المنطقة، والأوضاع المتغيرة في العالم، دفعت الطرفين إلى التسريع في الاتفاق، خصوصا في ظل رعاية صينية، وهو كما قلت استكمال لمسار بدئ به منذ سنتين تقريبا".


وأضاف: " بحسب معلوماتي؛ الإيرانيون كانوا يؤكدون أن أي مدخل لتطبيع وتطوير العلاقات هو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بالمقابل فالسعوديون كانوا يطالبون بمساعدة إيرانية بحل مسألة اليمن، ويبدو أنه حصل تزامن بين النقطتين حيث شهدنا بالأشهر الماضية نوعا من الهدوء على الملف اليمني والبدء بمفاوضات للوصول إلى تسوية كاملة هناك".

وأردف: "وثانيا وافقت السعودية على اتخاذ قرار بعودة العلاقات، ويبدو أن هناك نوعا من التقارب بالناحية العملية، إضافة إلى الدور الصيني الذي يشعر بأن هناك خوفا من حصول عمل عسكري كبير في المنطقة يمكن أن ينعكس على وضع الصين الاقتصادي، خصوصا أن بكين تعتمد على إيران والسعودية في تزويدها بالطاقة، وبالتالي فقد يكون هذا عاملا إضافيا دفع الصين للتشجيع على هذا الاتجاه".

وحول ما إذا كانت هناك رغبة لدى إيران بتحسين علاقاتها مع جيرانها، قال قصير: "بالتأكيد هناك رغبة بذلك، ومنذ فترة إيران تعلن هذا الاتجاه، لكن بسبب بروز نقاط خلافية وخصوصا موضوع اليمن فقد شكل هذا عائقا أمام تطور العلاقات".

وأضاف: "في تقديري الأمور ستتجه نحو الأفضل، خصوصا في ظل الخوف من احتمالية حصول حرب ما في المنطقة، لكي تقطع الطريق أمام هذه الحرب".

رغبة سعودية بالحل الجذري


من جهته أشار الكاتب والمحلل السياسي، عماد الجبوري، إلى "وجود مفاوضات بين البلدين استمرت 6 جولات في العراق وسلطنة عُمان، وكلها لم تثمر بنتائج مقبولة، لأن السعودية تسعى إلى طرح المشكلات كحزمة واحدة، بينما إيران تريد عزل كل ملف عن الآخر".

وتابع الجبوري خلال حديثه لـ"عربي21": "لكن ربما هذه المرة ستكون هناك نتائج إيجابية تجاه شروط السعودية الخمس، خاصة أن الصين هي راعية هذه الاتفاقية والضامن تجاه التزام إيران بتنفيذ الشروط الخمسة".

ولفت إلى أنه "لا توجد قواسم مشتركة بين البلدين بالمعنى البنّاء والمتطور لكلا الطرفين، بقدر ما تهدف السعودية لحل المشكلات بشكل جذري في المنطقة العربية التي توسع فيها المشروع الإيراني الطائفي، وزعزع أمن واستقرار دول المنطقة، بالمقابل فإن إيران تسعى من خلال المفاوضات لتذليل العقبات مع ما يخص الجانب السعودي فحسب".

وأكد أن "إيران مستعدة للتفاوض لحل المشكلات كحزمة واحدة لا تفريق بين ملفاتها، والضامن هي الصين بالتزام إيران بالتنفيذ، وهناك مهلة مدتها شهران على إيران أن تثبت خلالها تنفيذها للشروط، وإلا لن تكون هناك عودة للسفراء".


وأضاف: "بالمقابل كانت هناك حاجة إيرانية للوصول إلى اتفاق تكسب من خلاله السعودية إلى صفها، خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها إيران ضربات إسرائيلية موجعة داخليًا، وكذلك خارجيًا لقواعدها في سوريا، إضافة إلى مشكلات كبيرة وخطيرة للشعوب والقوميات داخل جغرافية إيران ضد نظام الملالي الاستبدادي".

استقرار مؤقت

ويبقى السؤال: هل ينجح البلدان في الحفاظ على اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية وتطويره، أم إنه سيسقط سريعا كما توقع روبرت ستالوف؟

يرى الجبوري أنه "على الرغم من أن الصين هي الضامن، إلا أن النظام الإيراني حين تأتي له الفرصة الملائمة سوف يتخلى عن التزامه بالمواثيق الدولية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فالاتفاقية مع العراق عام 1988 الموافقة على إنهاء الحرب، لم يلتزم بها في عام 1991 وتغلغل حرسه الثوري وعملاؤه في داخل الأراضي العراقية، وعملوا على بث الفوضى".

وأضاف: "بما أن إيران بحاجة لهذه الاتفاقية، التي هي بمثابة طوق نجاة مرحلي لها، لذا فستشهد المنطقة استقرارا لفترة زمنية، لكنه استقرارً ليس راسخًا وثابتًا لفترة طويلة الأمد، فإيران بعد الاتفاقية مع السعودية ستجمد مشروعها التوسعي في المشرق العربي، لكنها لن تلغيه بشكل كامل، وهنا مربط الفرس".

اتفاق كامل



بالمقابل أكد قاسم قصير أن الاتفاق سيثبت، وقال: "لا أظن أن دولة كبرى مثل الصين ترعى اتفاقا بين دولتين لكي ينتهي، ولكن بالتأكيد كما هي كل الأمور في الحياة فكل شيء متوقع، لكن على الأقل فإن دولة كبرى مثل الصين لكي تصل إلى هذا الاتفاق لا بد أنها أخذت ضمانات باستمراره خصوصا أن الاتفاق يتضمن خطوة عملية ستتم بعد شهرين وهي فتح السفارات، وهذا الأمر لا يتم بضغطة زر، بل يحتاج إلى تمهيد من أجل تحضير الأماكن وتعيين السفراء".

وخلص إلى القول: "في تقديري أن ما جرى هو اتفاق كامل، ولاحظنا حجم الردود العربية والدولية المرحبة بالاتفاق باستثناء إسرائيل، وهذا دليل على أن الجميع أصبح يتعامل مع ما تم التوقيع عليه في بكين على أنه اتفاق واقع، لذلك فأستبعد التراجع عنه فهو قد حصل، والآن فقط ننتظر الخطوات التمهيدية والنهائية لتنفيذه".