سياسة عربية

لماذا غيرت واشنطن موقفها من حكومة "حلفاء إيران" بالعراق؟

تصريح السوداني عن النفط، ربما يكون سياسيا أكثر منه اقتصاديا وقابلا للتحقيق- فيسبوك

أثار التغير المفاجئ للولايات المتحدة والمجتمع الدولي حيال حكومة عراقية توافقية، تشكلها قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي المقربة من طهران، تساؤلات عدة عن أسباب تبدل موقفهم، وذلك بعد دعمهم للتيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية بعيدة عن إيران وحلفائها.

ومنذ تكليف مرشح الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة، لم تنقطع سفيرة واشنطن في بغداد آلينا رومانوسكي عن إطلاق تصريحات لصالح بناء علاقات جديدة مع العراق، والترحيب بتشكيل محمد شياع السوداني الحكومة، فضلا عن زيارة أجرتها إلى مكتب الأخير.

وقالت السفيرة الأمريكية، الاثنين؛ إنها أجرت محادثة هادفة مع السوداني حول أهدافنا المشتركة. العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والعراق والتعاون مع الحكومة العراقية الجديدة، سيعزز مصالحنا المشتركة في تقديم نتائج ذات مغزى للشعب العراقي.

بدوره، شدد رئيس الوزراء العراقي المكلف بعد لقاء رومانوسكي على أهمية بناء علاقات دولية متميزة ومتوازنة، بما يصبّ في مصلحة الشعب العراقي، ومدّ جسور التعاون مع الشعوب الشقيقة والصديقة في المحيطين الإقليمي والدولي، حسب بيان لمكتب السوداني.

 

اقرأ أيضا: الرئيس العراقي الجديد يكلّف "السوداني" بتشكيل الحكومة

"المصالح أولا"

وبخصوص تغير موقف واشنطن تجاه الإطار التنسيقي الشيعي، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر لـ"عربي21"؛ إن ما يهم الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى هي مصالحها، فأين تكون المصالح تذهب خلفها، لذلك فإن أمريكا لا تتحفظ على قرب الحكومة من إيران أو بعدها، وإنما تتحفظ على قدر تعلق الأمر بالإضرار في مصالحها".

وأضاف البيدر أن "الولايات المتحدة حاضرة في المشهد العراقي، وتحاول الحفاظ على نفوذها وإمكانياتها. وفي الوقت ذاته، تعمل على استقطاب السوداني إلى جانبها والتقرب منه كي لا تتعرض لشيء، أو حتى تحذيره بألّا يذهب باتجاهات معينة أو رسم خطوط معينة للحكومة".

ولفت إلى أنه "من الطبيعي أن نجد شخصية السفيرة الأمريكية حاضرة في المشهد السياسي، فالولايات المتحدة لا تريد خسارة نفوذها في العراق، فكونها تجد نفسها أنها هي من صنعت هذه التجربة الديمقراطية وتريد إبقاءها، تدور في فلكها ما استطاعت".

وأكد البيدر أن "الموضوع يتعلق بالمصالح، بغض النظر إن كان إطار تنسيقي أو تيار صدري من يشكل الحكومة؛ لأن جميع الأطراف (الغرب) لديها علاقة أو تقارب بنسب معينة مع الإطار التنسيقي وإيران في الوقت نفسه، لذلك لا توجد مبادئ في لعبة السياسة، وحتى العلاقات السياسية الدولية لم تُبن على المبادئ والقيم، وإنما على المصالح".

من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي، الدكتور سعدون التكريتي لـ"عربي21"؛ إن "تغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الإطار التنسيقي، أمر غير مستغرب؛ كونهم يذهبون وراء مصالحهم بغض النظر عمن يشكل الحكومة، سواء كان قريبا من إيران أو بعيدا عنها".

وأوضح التكريتي، قائلا؛ "لأنهم (الولايات المتحدة) لا مشكلة لديهم حتى في العلاقة مع إيران نفسها في حال تحققت مصالحها، لذلك هم اتفقوا في السابق على الاتفاق النووي، ولم ينهوا الهيمنة الإيرانية على العراق، بل زادت بعد الاتفاق وتمددت إلى بلدان أخرى في المنطقة".

 

اقرأ أيضا: الصدر يهاجم السوداني ويرفض مشاركة تياره بحكومته

"ملف النفط"

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي ليث شبر خلال مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء؛ إن "التغير المفاجئ في الموقف الأمريكي والدولي، جاء بعد القرار السعودي بتخفيض إنتاج النفط، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة معاديا لخططها واستراتيجيتها، بل ومعاديا حتى لأمنها القومي، بحيث أصبحت واشنطن تتخذ قرارات ضد الرياض".

وأضاف شبّر أن "تغير موقف الإدارة الأمريكية حيال تشكيل الإطار التنسيقي الحكومة، جاء مباشرة بعد قرار السعودية، الذي أثر سلبا على الحالة العراقية وذهب بالأمريكان وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لدعم حكومة السوداني بقوة، والآن يدفعون بتسريع تشكيلها".

وأشار إلى أن "الإيرانيين أيضا لاعبون أساسيون بالملف العراقي، ولاعبون دوليون، وأعطوا تطمينات للأمريكيين بموضوع النفط، لذلك أطلق السوداني قبل أيام تصريحا خارج موضوع تشكيل الحكومة، بأن العراق سيذهب إلى تصدير النفط خارج حصص الأوبك، رغم أنه أمر غير ممكن في حقيقته".

وبيّن شبّر أن "واشنطن داعمة لتشكيل حكومة إطارية، على العكس تماما لما كانوا يقولون؛ إن أمريكا ضدهم، بل اليوم هم أصدقاء خلّص للأمريكيين، وهناك تنسيق مهم بينهما، وهذا ما تفسره زيارات سفيرة واشنطن وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، فاليوم هناك دعم دولي هائل لتشكيل هذه الحكومة".

من جهته، رأى التكريتي أن "تصريح السوداني عن النفط، ربما يكون سياسيا أكثر منه اقتصاديا، وقابلا للتحقيق؛ لأن العراق بلد ريعي ويعتمد على تصدير النفط بنسبة 90 بالمئة، وهذه فرصته الذهبية- ارتفاع الأسعار- لملء خزينته بمليارات الدولارات التي يجنيها من النفط".

وكان السوداني قد صرح قبل ثلاثة أيام من تكليفه بتشكيل الحكومة لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، بأن "العراق لا يمكن تحمّل خفض إنتاجه النفطي كجزء من تحرك (أوبك +) لخفض الإنتاج"، مشيرا إلى أن "البلاد بحاجة إلى الأموال لتعزيز اقتصادها المتعثر".

وأضاف السوداني، خلال تصريحه بعد أيام من اجتماع "أوبك +" في فيينا، بأن "تخفيضات الإنتاج التي فرضها التحالف النفطي، لن تنجح في العراق"، لافتا إلى أن "العراق بحاجة إلى بيع مزيد من النفط الخام للمساعدة في تمويل إعادة البناء الاقتصادي للعراق، في ظل النمو الكبير في عدد سكان العراق".

السوداني أكد في حينها أن العراق "يحتاج نصيبا أكبر من حصص الإنتاج"، مؤكدا: "سنطلب من أوبك إعادة النظر في حصة العراق" في الناتج الإجمالي للتحالف، إذا استطاعت كتلته السياسية تشكيل الحكومة.

"خطاب مرحلي"

وعلى صعيد تغير موقف المليشيات المسلحة الموالية لإيران من الولايات المتحدة وإيقاف التصعيد في الخطاب، قال البيدر: "واضح جدا أن الفصائل المسلحة والأحزاب القريبة منها لا تذهب باتجاه التصعيد، وأن خطابهم يكون ناعما ويدغدغ مشاعر العالم، فهم يريدون أن يظهروا بمظهر رجال الدولة، وهذه إحدى النقاط التي تجعلهم يطرحون خطابات معتدلة".

وتابع: "هم لا يريدون خلال هذه المرحلة استعداء أحد أو الوقوف بوجه طرف قوي ممكن أن يقلب المشهد ضدهم، إضافة إلى أنهم عندما يكونون في المعارضة، يطرحون وجهة نظر تختلف عما إذا كانوا بالسلطة، وهذا يجعل خطاب الأطراف المتشنجة يلين من أجل الحفاظ على السلطة، وعندما تخرج من السلطة، فسيعود خطابها إلى سابق عهده".

وفي هذا الصدد، يقول التكريتي؛ إن "تغير خطاب المليشيات المسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، أمر جدا طبيعي؛ لأنها من الأساس ليس لديها مشكلة مع أمريكا التي جاءت بهم إلى السطلة في العراق، أما الشعارات، فلا تغني ولا تسمن من جوع".

وأردف الباحث، قائلا: "كم مرة سمعنا تهديدات صدرت من قادة هذه المليشيات أو الأحزاب التي تدعي عداءها إلى الولايات المتحدة، بأنهم سيرفعون السلاح بوجه الأمريكيين ومصالحهم في العراق في حال لم يخرجوا قواتهم؟! وحددوا أياما وتواريخ، لكن شيئا لم يحصل".

وزاد التكريتي، بالقول: "هم يريدون أن تأتي شخصية سياسية منهم لإدارة البلد، ومن ثم الحفاظ على مصالحهم وسلاحهم الذي يحققون به مكاسب سياسية واقتصادية، كما هو الحال بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، الذي كان نتاجه الاتفاق على الغاز، وهذا اعتراف ضمني بشرعية الاحتلال".