قضايا وآراء

إلى المصريين في المنافي.. أفيقوا وانتفضوا يرحمكم الله

1300x600

هذا الموات المصري في المنفى قاتل للعزيمة ومحبط للنفس.. لا يختلف عن الموات المصري في الداخل، والذي تجلى مؤخرا في صمت "يصم الآذان" واكب قيام إثيوبيا بتوليد الكهرباء من سد النهضة. فلأول مرة منذ 30 مليون سنة، هي عمر نهر النيل (طبقا لموقع "نيو ساينتست")، يتم تشييد سد يحبس الماء عن مصر، بينما المصريون في الداخل والخارج "نيام في العسل".

هذا مقالي الثالث الذي أوجهه إلى المصريين في المنافي، المناهضين للانقلاب العسكري في مصر، محاولا تحفيزهم للانتفاض والحركة في اتجاه تشكيل قيادة سياسية ممثلة للشرعية المصرية. في المقال الأول اقترحت الشخصية التي أعتبرها هي الأنسب لاستلام زمام قيادة المصريين، وفي المقال الثاني حذرت هؤلاء المتقاعسين من أن يكونوا من الغافلين. لم تحظ هاتان المحاولتان بأي تعليق أو رد فعل، حتى أني ترددت في خوض هذه المحاولة الثالثة.

خلال العام الذي قضيته في مدينة إسطنبول، شاهدت حجم الغفلة والعجز والشلل والفرقة والتشتت المنتشرين في أكبر تجمع للمصريين في المنافي: غفلة هائلة عما ينتظر مصر وشعبها والمنطقة من كوارث قادمة.. عجز كامل عن تكوين رؤية واتخاذ قرار والقيام بأي مجهود في سبيل تحرير بلدهم المحتل.. فرقة وتشتت وصلت لدرجة أن بعضهم لا يطيق لقاء البعض الآخر. أعلم عن المصريين عموما أنهم يكرهون أو يعجزون عن العمل كفريق متناغم، وقد اتضح لي من محاولتيّ السابقتين أن هذا أيضا هو حال جماعة الكتّاب المصريين في موقع "عربي٢١"، بمعنى أنه يبدو لي وكأن كلا منهم يفضل أن يفكر وحده في جزيرة منعزلة عن الجميع. هم سمعوا طبعا بمصطلح "العصف الفكري" (Brain Storming)، أي تجمع مجموعة من الكتّاب حول فكرة أو اقتراح محدد ومناقشته، وتمرير الأفكار بعضهم لبعض، كما يمرر اللاعبون كرة القدم فيما بينهم إلى أن يصلوا بمجهودهم الجمعي المتناغم إلى إحراز هدف، فإذا فشلوا في إحراز هدف، يكررون المحاولة من اتجاه آخر بأفكار أخرى، يمررونها فيما بينهم بالتمحيص والتنقيح، حتى يتمكنوا من الهدف.. هذا ما يفعله لاعبو الكرة، ويعجز عنه أصحاب الفكر في مصر.

نعم.. هذا للأسف هو حال جلّ الكتّاب والمفكرين المصريين؛ عدم الاهتمام بالاطلاع على أفكار الآخرين، والبناء عليها أو تعديلها. كنت دائما أظن أن كراهية القراءة منتشرة فقط في أوساط العوام، لكن يبدو أنها منتشرة أيضا في أوساط النخبة المفكرة. لا أفهم كيف يكتب الكاتب ما يكتب، دون أن يقرأ لغيره، إلا إذا كانت الكتابة عشوائية لغرض الشكوى والفضفضة وملء المساحات. ما أعرفه عن بديهيات الكتابة الهادفة، هي أن يقضي الكاتب في القراءة أضعاف ما يقضيه من وقت في الكتابة، وليس أدل على أهمية القراءة من أن الأمر الإلهي الأول في القرآن الكريم كان "اقرأ".

كان انطباعي من الوقت الذي قضيته في إسطنبول، هو أن المصريين هناك بالذات يظنون أن مناخ الأمن والحرية الذي يستمتعون به، دائم لهم، وأن الجنسية التركية التي منحت للبعض منهم غير قابلة للإسقاط. واضح أنهم غير مدركين أنه إذا أُزيح الرئيس أردوغان في انتخابات ٢٠٢٣، ووصل حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي إلى الحكم، فسوف ينقلب على كل ما قام به الرئيس أردوغان دعما للمضطهدين واللاجئين العرب. يتناسى المصريون في المنافي، وعلى رأسهم مصريو إسطنبول، أن الله يمهل ولا يهمل.. تماما كما أمهل ملايين المصريين الذين لم يحفظوا نعمه عليهم (خلع مبارك، وبرلمان تعددي منتخب، ورئيس مدني منتخب) فتمردوا عليها في ٣٠ حزيران/ يونيو ٢٠١٣.

في تقديري المتواضع، فإن الأسباب الرئيسة لحالة التقاعس والتخاذل والغفلة تلك، هي: أولا، انعدام القيادة القادرة على تجميع ولملمة الشتات.. ثانيا، عظم المهمة التي يراد إنجازها، في مواجهة القوى الإقليمية والدولية الداعمة لتقزيم وصهينة مصر.. ثالثا، "الإيجو" المنتفخة التي تجعل كثيرين يرفضون أو يستخفون بأي فكرة يأتي بها غيرهم.

أدرك كم هو صعب أن تتفق أي جماعة على قيادة تقودها، فنرى مثلا كيف أن الأمر تطلب نبيا لكي يفرض على بني إسرائيل قائدا لهم، ولولا هذا لما قبلوا به وهم كارهون.

وردي على هذه النقطة جاء في مقالي الأول (٤ شباط/ فبراير)، كما أدرك أن المهمة صعبة، حيث أنه من بين جميع الانقلابات العسكرية في التاريخ الإنساني، لم يحظ انقلاب بإجماع عليه ودعم إقليمي ودولي وصهيوني له، كما حظي به انقلاب عبد الفتاح السيسي. ولعلنا نرى كيف أن الولايات المتحدة وأوربا من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، لم تتفق وتتحالف إلا على تحطيم البلدين اللذين يشكلان أكبر خطر على إسرائيل: مصر وسوريا.

ولكني أدرك أيضا بأننا غير مأمورين بإنجاز المهمة، إنما نحن مأمورون بالحركة والسعي إليها والأخذ بأسباب إنجازها، والنصر في النهاية من عند الله العزيز الحكيم. أما مشكلة "الإيجو" المنتفخة، فلا تعليق عليها إلا بالحديث النبوي الشريف: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".

أيها المصريون في المنافي، أفيقوا وانتفضوا من أجل المرأة المصرية المعتقلة مع أطفالها الثلاثة، الذين شاهدهم السيد رامي شعث (وهو محور حديثي في المقال الأول)، وذكر ذلك في حواره في الموقع (26 شباط/ فبراير الماضي).. من أجل أطفال الوزير المغدور باسم عودة، الذي لم تشهد مصر منذ النبي يوسف عليه السلام وزيرا للتموين مثله.. من أجل أطفال وأمهات وزوجات عشرات الآلاف من المظلومين المأسورين في سجون الاحتلال الصهيوني لمصر.. من أجل الشيخ جراح والمسجد الأقصى.. من أجل سوريا وشعبها. تذكروا أن كل هؤلاء يستصرخونكم: وا مصراه.