أفكَار

عودة طالبان.. كيف ستؤثر على الجهادية العالمية؟ خبراء يجيبون

ما هي تداعيات سيطرة طالبان على أفغانستان على الحركات الجهادية؟ (الأناضول)

منذ بداية ظهور حركة طالبان في تسعينيات القرن الماضي، وإبان فترة حكمها الأولى (1996 ـ 2001) حصرت حركة طالبان قتالها وجهادها داخل أفغانستان، وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، الذي أفضى إلى سقوط حكمها، اضطرت الحركة للكمون لسنوات ثم استجمعت قواها، وأعادت تنظيم صفوف مقاتليها، لمقاومة قوات الاحتلال الأمريكي، والقوات الأفغانية التابعة له.

ومن المعروف أن حركة طالبان لا تتبنى فكرة "عولمة الجهاد" كما تتبناها تنظيمات السلفية الجهادية المختلفة، فهي أقرب ما تكون إلى حركات التحرر الوطني، تسعى إلى تحرير وطنها من الاحتلال الأمريكي، بعقائديتها ومنظومتها الإسلامية، لذا فإن نموذجها الجهادي يختلف عن نموذج تنظيمات السلفية الجهادية، والمرتكز في جوهره على عالمية الجهاد، الذي لا يتقيد بالحدود الوطنية، بل هو عابر للحدود والقارات. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تنظيم القاعدة أحدث نقلة في تفكير السلفية الجهادية، بتحويل مساراتها من استراتيجية قتال العدو القريب، إلى استراتيجية قتال العدو البعيد، إذ كانت تلك التنظيمات تقصر قتالها على العدو القريب، الذي حددته بالأنظمة السياسية في دولها.

لكن الأمر اختلف في تجربة تنظيم القاعدة، إذ شرع زعيمه السابق، أسامة بن لادن في تطبيق رؤيته بشأن قتال البعيد، لمواجهة العولمة الأمريكية الممتدة بنفوذها إلى كثير من المناطق في العالم، ما دفعه إلى تخطيط وتنفيذ عمليات تفجيرية ضد أهداف أمريكية داخل أمريكيا كأحداث 11 سبتمبر، وتفجير سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في كل من دار السلام (تانزانيا)، ونيروبي (كينيا) في 7 آب (أغسطس) 1998 وغير ذلك. 

ووفقا لباحثين في شؤون تلك التنظيمات، فإن انخراط تنظيم قاعدة الرافدين في قتال القوات الأمريكية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، مثل حالة من اندماج الأبعاد، بين التصدي للعدو البعيد المستهدف للوجود الأمريكي العابر للقارات، ومواجهة العدو القريب في الداخل، وهو ما ظهر جليا في ممارسات تنظيم الدولة (داعش) لاحقا بعد ظهوره وتمكنه، من دمجه للبعدين في قتال العدو القريب والبعيد.

ومن المعلوم أن مفهوم (عولمة الجهاد) في أدبيات السلفية الجهادية وممارساتها يعني استهداف كل القوى التي تصنفها كأعداء في أي مكان في العالم عبر عمليات تفجيرية وتدميرية، من غير أن يتقيد بحدود جغرافية معينة، وهو مفهوم يختلف عن عالمية الجهاد الذي هو أوسع من مفهوم القتال، ويدخل فيه الدعوة إلى الحق ومحاربة الطغيان بالبيان والحكمة وغير ذلك، ما يعني أنه مفهوم شرعي دائم، حسب الشرعي الجهادي الكويتي، علي العرجاني. 

 



وأضاف: "أما إن كان المراد بالجهاد القتال تحديدا، فهذا الأمر بينه علماء الأمة، وبينوا أقسامه وأحكامه، ولا يصح عقلا ولا شرعا أن يمارس بكل حال، ومن قبل أي أحد كما هو منهج تنظيم الدولة (داعش)، والأمر يختلف في ما يخص طالبان في أفغانستان، فهي حركة واضحة الطريق من البداية، وهي حركة علمائية إصلاحية، تقاتل المحتل ومن يتبعه من المفسدين".

وتابع: "وهمّ الحركة الأول والأساسي هو أفغانستان ثم المحيط المجاور لها لتأمين أمن البلد واستقراره من الداخل، ولو تتبعنا مسيرتهم لما وجدنا لهم أي عمل خارج أفغانستان، وهذا يبين بوضوح أولوياتهم وهو الصواب، فليس من العقل والحكمة مواجهة الخارج وهم لا يملكون مقومات الدول وقوتها، ومن المقرر شرعا أن البحث عن الأسباب المناسبة لكل مرحلة هو طريق الأنبياء والمصلحين". 

وردا على سؤال "عربي21" حول مفهوم عولمة الجهاد عند تنظيمات السلفية الجهادية، أوضح العرجاني أن "هذا المفهوم بمعنى توسيع دائرة القتال مع كل الأطراف، ظهر في ظروف معينة من قبل تنظيم القاعدة، وليس من كل التيار الجهادي أو السلفية الجهادية كما شاعت تسميتها بذلك، واليوم هو شبه مرفوض عند الغالبية نظرا للوعي الكبير بعد التجارب المختلفة، فضلا عما ترتب عليه من خسائر كبيرة، وتضييع فرص كثيرة، ولم يبق من يتبناه من تلك التنظيمات إلا تنظيم الدولة (داعش)". 

وطبقا لمحللين فإن تنظيم القاعدة بعد مرور 20 سنة على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) تراجع كثيرا، ولم تعد رؤيته المتمثلة في "عولمة الجهاد" وتصور العالم بأسره ميدانا مفتوحا لعملياته، تحظى بذات القوة التي كانت عليها إبان زعامة ابن لادن للتنظيم، وهو ما بدا من خلال الظهور الأخير لزعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، وهو ما وُصف بالظهور الباهت، الذي يعكس ضعف التنظيم وتراجعه. 

من جهته قال الباحث في الحركات الإسلامية، مصطفى زهران، إن "من الضروري الانتباه إلى السياقات التاريخية والجغرافية والمجتمعية التي ظهرت فيها حركة طالبان، فهي حركة أفغانية محلية، لا وجود للمقاتلين العرب ولا للمقاتلين الأجانب لا في صفوفها ولا على أراضيها، ومن ثم فإن محلية الحركة تخرجها من إشكالية الحالة الجهادية المعولمة". 

وأردف بأنه "نظرا لأن حركة طالبان في طورها الأول تولدت من رحم سياقات الفتنة، وعلى إثر المعارك الداخلية التي دارت رحاها بين الأحزاب والقوى الجهادية الأفغانية بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، فإننا نجد حرص قادة الحركة، السابقين والحاليين على صيانة الحركة عن الانجراف نحو الفتنة الداخلية".

وواصل: "ومما يبعد الحركة عن التورط في ذلك أنها لا تتبنى فكرة عولمة الجهاد، وهي لا تقدم نفسها على أنها كذلك، بل هي حركة جهادية وطنية تستهدف تحرير أفغانستان من الاحتلال، وإقامة الإمارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية". 

 



وعن مدى تأثير عودة طالبان للحكم في أفغانستان على الجهادية العالمية، رأى زهران في حواره مع "عربي21" أن "صعود طالبان أحرج الجهادية العالمية على مستويين، أولهما يتعلق بفكرة عالمية الجهاد، لأن طالبان قدمت نموذجا ناجحا للجهاد المحلي، وهي بهذا تعزز وجود الجهاديات المحلية، وتجعلها تتصدر المشهد في مواجهة التنظيمات التي تتبنى عولمة الجهاد".

أما المستوى الثاني، كما يرى زهران، فيظهر في أن "مشروع الإمارة الإسلامية الذي تتبناه حركة طالبان ونجحت في تقديمه، في مقابل مشروع الخلافة الإسلامية الفضفاض الذي تتبناه تنظيمات السلفية الجهادية، هو الأنجح والأقدر على إثبات وجوده وحضوره، ما يعني تعزيز المشروع الأول وتقويته، وإضعفاف المشروع الثاني وتراجعه" على حد قوله. 

وفي ختام حديثه خلص زهران إلى أن "نموذج طالبان لنجاحه، وتمكنه من فرض وجوده وحضوره بعد انتصاراته الأخيرة وانسحاب أمريكا، سيقوي رؤية الجهاد الوطني المحلي في مقاومة قوى الاحتلال، والقوى المحلية التابعة لها، على عكس الجهادية العالمية كما تتبناها تنظيمات السلفية الجهادية المختلفة، وفق رؤيتها الجهادية العابرة للحدود الوطنية، ما يفشل مخططاتها، ويحبط نشاطاتها، ويدخلها في صراع مفتوح مع العالم كله".