ملفات وتقارير

لماذا أفرج القضاء العراقي عن قائد بالحشد رغم "أدلة تثبت إدانته"؟

الأدلة تتضمن "مكالمات هاتفية بين مصلح ومنفذي الاغتيالات، وإفادات شهود وذوي الضحايا ورسائل تهديد لعائلات الضحايا"- تويتر

تواصل قضية الإفراج عن القيادي في الحشد الشعبي، قاسم مصلح، إثارة الجدل في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، وذلك بعد اعتقاله على خلفية اتهامات باغتيال ناشطين في الحراك الشعبي بمحافظة كربلاء.


وأفرجت السلطات القضائية، الأربعاء الماضي، عن مصلح بحجة "عدم كفاية الأدلة ضده"، بعد أسبوعين من الاعتقال، وقال القيادي البارز بالحشد الشعبي في أول تعليق على قرار الإفراج عنه إن القضاء "أحق الحق وأنجز مهمة التحقيق بأسرع وقت".

ضغوطات كبيرة

وعلى خلفية ذلك تحدثت أنباء عن صفقة جرت بين الكاظمي والمليشيات للتهدئة مقابل الإفراج عن مصلح، لكن المحلل السياسي العراقي نجم القصاب استبعد في حديث لـ"عربي21" وجود مثل هذه "الصفقة".

وأوضح القصاب، قائلا: "لا أعتقد وجود صفقة سياسية، لأن الكاظمي بعيد عن التدخل في القضاء، فمن اعتقل مصلح هي أجهزة الحكومة، أما من أفرج عنه فهو القضاء، وهناك فصل بين السلطات طبقا للدستور العراقي".

لكن المحلل السياسي العراقي رجح "وجود ضغوط في القضية، وربما بالفعل قد حصلت للإفراج عن قاسم مصلح والحديث عن عدم كفاية الأدلة، لكن لا وجود للصفقات في القضية هذه".

 

اقرأ أيضا: الإفراج عن قيادي بارز بالحشد الشعبي متهم باغتيال ناشطين

ورأى القصاب أن "هذه القضية ستنعكس على مستقبل المظاهرات، وربما ستعود بشكل أكبر وأقوى خلال الأيام المقبلة، خصوصا أن المتظاهرين كانوا على أمل أنه اعتُقل أحد القادة المتهمين بقتل الناشطين. لذلك ستعود المظاهرات بشكل أكبر حتى تكون ضاغطة على القضاء".

في المقابل، أحال مصدر أمني في حديث لـ"فرانس برس" الخميس على القضاء مسؤولية الإفراج عن مصلح. وقال: "من جهتنا، قدمنا كل الأدلة الخاصة بملف مصلح، لكن القضاء هو من اتخذ القرار بالإفراج عنه بسبب ضغوطات مورست عليه".

وتابع المصدر نفسه، قائلا إن الأدلة التي جرى تقديمها ضد مصلح تتضمن "مكالمات هاتفية بين مصلح ومنفذي الاغتيالات، وإفادات شهود وذوي الضحايا ورسائل تهديد لعائلات الضحايا" تثبت تورطه، فيما يؤكد القضاء أنه لا يملك أدلة كافية لمواصلة احتجاز مصلح، بحسب المصدر نفسه.

من جهته، قال مجلس القضاء الأعلى في بيان إنه "لم يقدم أي دليل ضد" مصلح في جريمة قتل إيهاب الوزني، لا سيما وأنه "أثبت بموجب معلومات جواز السفر أنه كان خارج العراق عند اغتيال الوزني"، مضيفا: "محكمة التحقيق لم تجد أي دليل يثبت تورطه في تلك الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر لذا جرى الإفراج عنه".

هل تدخلت إيران؟

من جهته، رأى الباحث في الشأن العراقي، عماد حامد في حديث لـ"عربي21" أن "الإفراج عن قاسم مصلح جاء بعد ضغوطات كبيرة مورست على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي جرى تهديده بشكل علني لأكثر من مرة من زعامات مليشياوية".

وأضاف الباحث أن "واحدة من تلك الضغوطات هو اغتيال العقيد في جهاز المخابرات نبراس فرمان الفيلي، الاثنين الماضي، حيث كان يعد من أقرب الضباط إلى الكاظمي، ومسؤولا عن ملف المختطفين والمخدرات في الجهاز حسبما كشفت المعلومات".

ورأى حامد أن "اغتيال ضابط المخابرات كان تصعيدا دمويا واضحا من المليشيات ضد الحكومة، ويبعث برسالة تهديد إلى جميع ضباط وعناصر المؤسسة التي لا يزال رئيس الحكومة يديرها بنفسه، بأن صوت السلاح أعلى من القانون في البلد".

وأشار الباحث إلى أن "الإفراج عن مصلح بحجة عدم كفاية الأدلة كان مثار استغراب، فكيف يجري اعتقاله وفق المادة 4 إرهاب من دون توفر أدلة على تورطه في قتل الناشطين، أو أي جريمة لها علاقة بالإرهاب؟".

ونوه إلى أن "وصول قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد في اليوم الذي أفرج فيه عن قاسم مصلح، واجتماعه مع قادة الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق، يؤكد وجود صفقة برعاية إيرانية للتهدئة بين الحكومة والجماعات المسلحة".

وبيّن الباحث أن "إيران تحاول لعب دور الوسيط وتريد إثبات أنها طرف لا علاقة له بالتصعيد الحاصل وإنما تريد التهدئة في العراق، وأن لا تكون متهمة بإرباك الوضع خصوصا في المرحلة الحالية التي تفاوض فيها الولايات المتحدة من أجل ملفها النووي".

 

اقرأ أيضا: مليشيات العراق تصعد ضد أمريكا.. هل تتكرر التجربة الأفغانية؟

"خطوة خطيرة"

وبالمثل، رأى الخبير العراقي في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، حاتم كريم الفلاحي، أن "إطلاق سراح مصلح يبيّن مدى ضعف الحكومة ومؤسساتها الرسمية، ويبيّن بأن الكلمة للسلاح وليس للقانون والقضاء المسيس".

وتابع الفلاحي في سلسلة تغريدات على "تويتر"، الخميس، قائلا: "عليك أن تتصور نزاهة الانتخابات القادمة ومدى قدرة الدولة على إجرائها في ظل التهديدات الأمنية والسلاح المنفلت والمال السياسي وتبعية القرار للخارج".

وتساءل: "إذا كان الاحتكام للقضاء فلماذا جرى تطويق المنطقة الخضراء ومقرات حكومية بما فيها تهديد رئيس الوزراء؟ كما أن تصريح مصدر حكومي حول ضغوطات تعرض لها القضاء فيما يخص إطلاق سراح مصلح لا يعفي الكاظمي من المسؤولية، ولا يعفي القضاء أيضا الذي هيمنت وسيطرت عليه ميليشيات تعمل فوق القانون".

وفي السياق ذاته، علق نائب رئيس الوزراء العراقي السابق، صالح المطلك، في مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، بالقول: "عندما يلقى القبض على شخص بهذا المستوى وتساق هكذا اتهامات ثم يخرج لعدم كفاية الأدلة، فسيكون هناك عدم تصديق للقرارات اللاحقة التي ستصدر بحق الآخر".

ورأى المطلك أن "الخطوة التي حصلت خطيرة، فإما اعتقاله كان خطأ أو الإفراج عنه خطأ، وبالحالتين نحن في دولة واحدة يفترض أن يكون هناك تنسيق بين الأجهزة التنفيذية والقضائية والتشريعية، وأن لا يجري الاستعجال بحيث نقع في ورطة كبيرة جدا. أتمنى أيضا أنه إذا اعتقل على قضية 4 إرهاب فهناك 60 ألف معتقل ومحكوم على القضية ذاتها، فليطلقوا سراحهم أيضا كما أطلقوا سراح قاسم مصلح".