صحافة دولية

WP: بعد سنوات من أزمة الهجرة.. ميركل على حق وليس ترامب

هناك بيانات جديدة تدحض هستيريا منتقدي ميركل المعارضين للهجرة وهناك قصة دمج يمكن روايتها- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لإيشان ثارور، قال فيه إن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أعلنت في نهاية آب/ أغسطس، استعداد ألمانيا القوية للتعامل مع أزمة الهجرة حين قالت ما نصه: "سأقولها ببساطة.. ألمانيا بلد قوي.. يمكننا التعامل مع هذه الأزمة".

وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21"، فقد حملت كلمة "هذه" إشارة إلى تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، معظمهم من سوريا وأفغانستان والعراق، حيث أدى تدفقهم إلى مشاهد فوضوية في بلدان على حدود ألمانيا، مر من خلالاها عشرات آلاف اللاجئين الذين كانوا يمشون ليصلوا إلى أماكن أكثر أمنا بعد دخولهم إلى أوروبا عبر اليونان وايطاليا. وهدد هذا الوضع بتخريب الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية.  


وقال المقال إن ميركل اعتقدت أن ألمانيا تستطيع التعامل مع الأزمة واستيعاب مئات آلاف المهاجرين. وفي خطاباتها، كان الأمر ضرورة سياسية وأخلاقية.

 

وأظهرت الاستطلاعات في وقتها غالبية مؤيدة لمقاربة ميركل. وسعت السلطات في برلين إلى محاولة تسكين أكثر من مليون وافد جديد ودمجهم في المجتمع الألماني. ولجرأتها وحزمها، جعلت مجلة تايم ميركل شخصية عام 2015.

ولكن ردة الفعل كانت سريعة وطويلة. فقد استغل السياسيون اليمينيون استعداد السياسيين مثل ميركل لفتح الأبواب أمام مهاجرين أجانب – وفي الغالب مسلمين – لتصويره كنوع من الخيانة.

 

وخلال أشهر انقلب الرأي العام ضد ميركل في وقت انتشرت فيه العديد من العناوين الرئيسية حول حالات عنف اتهم فيها لاجئون وأشعلت السياسة في أوروبا.

 

ومنح تدفق طالبي اللجوء زخما لحزب البديل من أجل ألمانيا AfD الذي كان هامشيا والذي أصبح أكبر حزب معارض في ألمانيا عام 2017.

وعبر الأطلسي انضم الرئيس ترامب إلى هذا الجدل. وفي عام 2015 وكمنافس للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، استخدم أحداثا مثل هجوم تنظيم الدولة في باريس – والذي استخدم فيه عدد من الأشخاص الذين أتوا بنفس الطريق التي أتى بها اللاجئون من سوريا – لتبرير مقترحات لإلغاء برامج أمريكا للاجئين وحتى منع سفر المسلمين إليها وهو ما أوصله إلى الرئاسة.

وخلال وجوده في السلطة لم يتراجع ترامب عن مواقفه وهاجم ميركل أحيانا لاستسلامها المفترض للمهاجرين.

 

وفي عام 2017 ادعى أن معدل الجريمة في ألمانيا كان في حالة ارتفاع لأن ميركل سمحت ببقاء "كل أولئك [المهاجرين] غير الشرعيين".

 

ولكن العكس هو الصحيح بحسب الإحصاءات الرسمية: فمع حلول عام 2019 شهدت ألمانيا أدنى مستوى من الجريمة على مدى 18 عاما. 

والآن هناك بيانات جديدة تدحض هستيريا منتقدي ميركل المعارضين للهجرة. وهناك قصة دمج يمكن روايتها.

 

اقرأ أيضا : صحيفة روسية: ماذا وراء تصاعد الخلافات بين برلين وواشنطن؟

 

فبحسب صحيفة "الغارديان" هناك "أكثر من 10000 مهاجر وصلوا إلى ألمانيا كلاجئين عام 2015 أتقنوا اللغة الألمانية لدرجة تسمح لهم بالتسجيل للدراسة في الجامعات الألمانية.. وأكثر من نصف من وصلوا يعملون ويدفعون الضرائب.

 

ومن بين أطفال ومراهقي اللاجئين، يقول أكثر من 80% أن لديهم حسا قويا بالانتماء لمدارسهم الألمانية ويشعرون بأن أقرانهم يحبونهم". 

ولم يثبت هذا التدفق من الوافدين أكثر صعوبة في الاندماج من المجتمعات المهاجرة التي سبقته.

 

وقالت مجلة إيكونوميست إنه "مع حلول عام 2018 كان 43% من طالبي اللجوء الذين هم بسن العمل والذين وصلوا ما بين عامي 2013 و2016 يعملون أو يتدربون (مقارنة مع أكثر من 75% من نفس السن في ألمانيا كلها)، وهذا أفضل من موجة اللاجئين من يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي".

ولفت المقال إلى أن المستشارة الألمانية سياسية على يمين الوسط، ولم تكن يوما راديكالية كما يحاول ترامب وبعض معارضيها المحليين تصويرها.

 

وفي خطاباتها تحدثت بتشكك حول فكرة "تعدد الثقافات" وتحركت بهدوء لإيقاف تدفق المهاجرين بالتوسط في اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.


وكتب بول هوكينوس، الصحافي المقيم في برلين: "تتهم ميركل بأنها 'تفتح الحدود' وتدعو المهاجرين إلى ألمانيا عندما كانوا في الواقع لفترة طويلة في طريقهم ودخلوا عبر الحدود النمساوية الألمانية التي كانت مفتوحة على مدى عقود.. كما أنه وفي أدبيات تتجاوز الدوائر المحافظة فإن مهاجري 2015-2016 (وفي الواقع معظم اللاجئين) يعتبرون 'مهاجرين اقتصاديين'، أي أشخاصا يبحثون عن وظائف أفضل في الدول الأغنى".

 

ولكن هذا غير صحيح من ناحية إحصائية: حيث إن 85% من 1.3 مليون مقدم لجوء في أوروبا عام 2015 جاءوا بالذات من دول تمزقها الحروب مثل سوريا والعراق وأفغانستان وأريتريا.

كما أن نشر الذعر حول المتطرفين الإسلاميين أثبت أنه لا يتعدى كونه ذلك [نشر الذعر]. وقال بيتر نيومان، أخصائي الإرهاب في جامعة كنغز كوليج في لندن للغارديان: "نعرف أن بعض الرجال المتورطين في هجوم [باريس 2015] استغلوا الفوضى لتهريب أنفسهم إلى أوروبا، متظاهرين أحيانا بأنهم لاجئون سوريون...

 

ونعرف أيضا أن غالبية من وصلوا كانوا من الشباب، وهم الفئة المعرضة للتطرف ومع ذلك يمكننا القول إن أسوأ مخاوفنا لم تقع".

وبدلا من ذلك كان هناك زيادة واضحة في التحشيد اليميني المتطرف والعنف في ألمانيا، بما في ذلك أحداث شباط/ فبراير حيث قام إرهابي يميني بقتل تسعة أشخاص في ضواحي فرانكفورت.

 

وقال كونستانزي ستيلزنمولر من معهد بروكنغز في ندوة على الشبكة العنكبوتية يوم الخميس: "لم تقع الهجمات "الإرهابية" الإسلامية بالحجم الذي تم توقعه.. ولكن ما شهدناه هو زيادة في التطرف اليميني والتطرف في معاداة السامية". 

وتراجعت حظوظ حزب البديل من أجل ألمانيا مؤخرا، بينما بقيت ميركل التي أصبحت مستشارة ألمانيا عام 2005 والتي تنوي التنحي العام القادم تحظى بشعبية عالية بالنسبة لزعيم غربي انتخب ديمقراطيا.

 

واعتمادا على نتائج الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإنها يمكن أن تبقى بعد الرئيس الذي ذم سياساتها.

 

وقال ستيلزنمولر: "أغبطها للسهولة التي تتخلى فيها عن السلطة.. وعلى عكس الكثيرين، الكثيرين من السياسيين الذين نعرفهم أنا وأنتم، هي ليست بحاجة". 

ولا يبدو أنها نادمة على قرارها الخطير عام 2015، وقالت في وقت سابق من هذا الصيف متحدثة عن الصعوبات التي يواجهها الكثير من طالبي اللجوء: "كنت سأتخذ نفس القرارات.. عندما يقف الناس على الحدود الألمانية النمساوية أو الحدود الهنغارية النمساوية فتجب معاملتهم على أنهم بشر".