حقوق وحريات

هكذا لعب الإعلام المصري دورا "خطيرا" في شيطنة "رابعة"

إعلام السيسي روّج العديد من الشائعات والأكاذيب ضد اعتصام "رابعة"- أرشيفية

في الذكرى السابعة لأكبر مجزرة في تاريخ مصر على أيدي الجيش والشرطة بحق المدنيين، لا يزال النظام الحاكم وأبواقه الإعلامية يعملون على "شيطنة" اعتصامي "رابعة العدوية" بالقاهرة، و"النهضة" بالجيزة، فهي الستار الذي دلف من خلاله لفضهما بقوة السلاح، وهي الستار الذي نفذ من العدالة من خلاله أيضا.

من أجل تكريس صورة الإرهاب والإرهابيين عن الاعتصام والمعتصمين، لا يزال يٌحاكم المئات من معارضي الانقلاب بتهم الدعوة لاعتصامات غير سلمية، وتعريض حياة مواطنين للخطر، وقتل أفراد من الشرطة والجيش في أثناء فض الاعتصامين.

لكن بعد سبع سنوات من المجزرة، يبرز سؤال مهم يتعلق بتوقيت القيام بالمجزرة، الذي جاء بعد اعتصام استمر 45 يوما، وقامت قوات الجيش والشرطة بفضه بالقوة من خلال مداهمات واقتحامات استمرت نحو 12 ساعة، لم يتوقف فيها الرصاص بكل أنواعه، ولا دوي القنابل والمقذوفات، ولا صراخ وألم المعتصمين السلميين.

لماذا استمر الاعتصام كل هذه المدة، ولماذا لم تقم السلطات بفض الاعتصام بعد أول اعتداء على المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري، في 8 تموز/ يوليو، الذي راح ضحيته أكثر من 55 شخصا و400 مُصاب؟

"كيف مهد الإعلام لمجزرة رابعة"

يقول إعلامي مصري، ورئيس تحرير سابق بقناة CBC التي كان يمتلكها رجل الأعمال، محمد الأمين، قبل أن ينتزعها منه النظام الحالي: "إن مسألة التوقيت لم تكن عشوائية، وخضعت في حقيقة الأمر إلى عدة عوامل، لا داعي لسرد تفاصيلها؛ لأنها لم تنجح في تجنب الفض بالقوة، كالتفاوض مع قيادات الاعتصام، والوساطات الخارجية، إلخ".

 

اقرأ أيضا: في يومهم العالمي.. كيف أغلق السيسي المجال بوجه الشباب؟

وكشف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن أهم جزء من خطة من فض الاعتصام بالقول: "كان الوقت ومد الاعتصام مهم لإنجاح مخطط الفض؛ حتى يقوم الإعلام بدوره في شيطنة المعتصمين، وتأليب الرأي العام عليهم؛ لهذا احتاجت السلطات إلى مزيد من الوقت، حتى علت الأصوات إعلاميا وسياسيا بضرورة فض الاعتصام، ولو بالقوة".

وبيّن أن "التعليمات التي كانت تصلنا في غرف الأخبار والإعداد كانت تنصب حول تقديم بعض المقاطع المصورة عن تخزين المعتصمين للسلاح والذخيرة، وإعداد تقارير عن تحول أماكن الاعتصام إلى بؤر إرهابية، والانطلاق منها لمهاجمة مؤسسات الدولة، واستقبال مكالمات مفبركة من السكان في محيط الاعتصام للحديث عن الرعب والذعر الذين يعيشونه كل يوم وليلة".

 

"أبرز أكاذيب الإعلام"

كانت أبرز الأكاذيب التي سردها الإعلام المصري "نقل أسلحة خفيفة وثقيلة إلى مقر الاعتصام، بل وأسلحة كيميائية، ومجلس حرب، وتعذيب بعض المتسللين من الصحفيين والمخبرين السريين، وجهاد النكاح، ووجود أمراض منتشرة بين المعتصمين، فضلا عن الاتجار بالأطفال"، ولم يثبت صحة أي منها لاحقا على الإطلاق.

 

الإعلامي المصري، المحسوب على الأجهزة الأمنية، أحمد موسى، عرض فيديو يزعم أنه لدخول أسلحة ثقيلة، في حين أنه لا يوجد في الفيديو ما يؤكد مزاعمه.

 


ونشر موقع اليوم السابع مقطع فيديو رفقة المعتصمين أثناء عملية الفض، وزعم أن الاعتصام كان فيه دروع وأسلحة وذخيرة، على الرغم أن الفيديو لم يعرض شيئا من هذا القبيل.

 

"الإعلام.. ونسج الأساطير"

حمّل الإعلامي المصري وأحد المسؤولين بقناة مصر 25 سابقا، مسعد البربري، الذين قاموا بتغطية أيام الاعتصام عبر الهواء مباشرة، الإعلام مسؤولية شيطنة المعتصمين قبل الفض وبعده، قائلا: "منظومة الانقلاب العسكري وقائدها لن تترك رواية الضحايا وحدها تملأ وسائل الإعلام، وتترسخ في أذهان الجماهير، لأن ذلك بالطبع أحد أهم عوامل هدمه لاحقا مهما طال الزمن".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "لذلك لجأت منظومة الانقلاب الإعلامية إلى نسج قصص وشبهات وافتراءات على أعلى مستوى من التشوية والغرابة؛ بهدف التأثير على الجماهير، وبناء صورة ذهنية جديدة تفتح الباب لقبول أي فعل بحق الضحايا، ولا بد أن تستمر، فالقضية لا تزال تداعياتها مستمرة بوجود معتقلين ومختفين ومصابين ومهجرين.. إلخ".

ورهن المتحدث باسم حملة "خرجوا المساجين"، محاسبة المسؤولين عن تلك المجازر بالقول: "بتحرك الجماهير في ثورة شعبية حقيقية تستكمل وتحقق أهداف مبادئ ثورة يناير 2011، عندها سيتم محاسبة الجميع، وتحقيق العدالة للضحايا، وللوطن وتاريخه، لكن الآن النظام يسيطر على كل مفاصل الدولة، ويحكمها بالحديد والنار، ولا تستطيع أي منظومة تشريعية أو قضائية أو حقوقية أن تتصدى له".

 


 

"قتل ممنهج ومُدبر"

في تحقيق استمر عاما كاملا، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها، إن وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهرا بأيدي قوات الأمن المصرية، في تموز/ يوليو و آب/ أغسطس من عام 2013، ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية".

ووصفتها بالمجزرة الأكبر في تاريخ مصر، بالقول: "في ميدان رابعة، قامت قوات الأمن المصرية بتنفيذ واحدة من أكبر وقائع قتل المتظاهرين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث. لم تكن تلك مجرد حالة من حالات القوة المفرطة أو ضعف التدريب، بل كانت حملة قمعية عنيفة مدبرة من جانب أعلى مستويات الحكومة المصرية".

"لماذا الإفراط في القتل"

في معرض تعليقه، قال رئيس المكتب الإعلامي بالمجلس الثوري المصري، محمد صلاح حسين، إن "خطاب الإعلام المتطرف تجاه المعتصمين ساعد النظام العسكري بقيادة السيسي ورفاقه على اتباع سياسة الأرض المحروقة؛ لبث الرعب والخوف في نفوس الشعب، والوصول إلى نقطة اللاعودة مع المعتصمين والقوى السياسية؛ لأنهم يدركون أن غالبية الشعب المصري يرفض التفريط في تجربته الديمقراطية".

وأضاف لـ"عربي21": "ساعد على هذا الآلة الإعلامية التي احترفت الكذب والتدليس لشيطنة الثوار والمعارضة ووصفهم بالإرهابيين والمخربين بصورة ممنهجة، سواء من خلال برامج (التوك شو) لكل طبقات الشعب، أو من خلال المسلسلات والأفلام المؤدلجة؛ للتلاعب بعقول الشباب والصغار والكبار".

 


وكان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، قال لبعض وسائل الإعلام إنها مثل "سحرة فرعون"، الذين جمعهم لسحر أعين الناس.

وأضاف في كلمة له، في آذار/ مارس 2012، أن "الشيطان الذي أوحى للسحرة هو الذي يوحي للإعلاميين الآن، بأن يصور للشعب أن الإخوان هم بديل الحزب الوطني المنحل، وسيدمرون البلاد".

 

بالتوجه إلى القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، ومدير مركز إنسانية العالمي في إسطنبول، أشرف عبد الغفار، وسؤاله عن السبب الحقيقي في إفراط الجيش والشرطة في استخدام القوة، قال لـ"عربي21"، إن "السيسي كان يقصد ويصر على تنفيذ الجريمة، ولم يكترث لاحتمال وقوع آلاف الضحايا؛ من أجل ترويع المصريين كافة، وزرع الخوف في قلوبهم، حتى يستتب له الأمر".