حسنا فعلت جماعة
الإخوان
المسلمين باشتباكها الإيجابي مع أزمة
كورونا في
مصر.
وحسنا أن تخلصت من فكرة عدم
امتلاكها لأي وسائل للمساعدة في الوقت الحالي، بعد كل ما أصابها خلال السنوات
الماضية من قتل وتشريد وملاحقات ومصادرات لمستشفياتها وجمعياتها، وأموال أفرادها.
وحسنا أن تجاوزت المزايدين،
الذين يقفون دائما ضد أي خطوة عملية للالتحام بالشعب، ويشوهونها لحاجة في نفوسهم.
وحسنا أن قررت تشكيل لجنة
متخصصة ومهنية (في الخارج) لرسم السياسات والإجراءات العملية الممكنة للمساهمة في
مواجهة أزمة كورونا، وهي تتكون (حسب بيانهم) "من رموز ا?خوان من أساتذة الطب
والاقتصاديين وعلماء الشريعة والإعلاميين، وغيرهم، ليقوموا بدورهم وواجبهم في
إعداد محتوى علمي منهجي لتوعية الشعوب عامة والشعب المصري خاصة، ونشر تعليمات
مهنية متعلقة بكيفية مواجهة جائحة كورونا. وسيتم الاجتهاد، بقدر الاستطاعة وبقدر
ما هو متاح من أدوات، في أن تصل رسالة هذه اللجنة ومنتجها للشعب المصري كله".
وحسنا أن عقدت هذه اللجنة
أول مؤتمر صحفي لها بمشاركة بعض رموزها في مجالات مختلفة (طبية وشرعية واقتصادية
وحقوقية وإعلامية)، وكان المؤتمر"عبر دوائر تلفزيونية" وفي هذا رسالة
أخرى لمدى التزامها بالمعايير الصحية العالمية في مواجهة كورونا، وهي الاحتياطات التي
دعت الشعب للالتزام بها بكل قوة توقيا للوباء اللعين.
في المؤتمر الصحفي حرص
الإخوان على إرسال العديد من الرسائل للمجتمع المصري وقواه السياسية المختلفة، وكل
المخلصين للوطن، وكانت أولى الرسائل أنهم (أي الإخوان) وما يملكون فداء للوطن
والشعب، وأن ما يعانونه من حصار وملاحقات لن يمنعهم عن التحرك لتقديم ما بوسعهم في
هذه المعركة، معتبرين ذلك واجب الوقت على كل مصري.
كما أعلن الإخوان أن
الأولوية لديهم الآن هي مواجهة كورونا، من خلال التكاتف والتعاضد المنشود بين جميع
أبناء الشعب المصري الذي دعوه (بكل فئاته وتوجهاته ومؤسساته من قوى سياسية ومؤسسات
مدنية وجمعيات خيرية وهيئات إغاثية) للمشاركة (كل حسب موقعه وامكاناته) للتحرك والمشاركة
بأقصى طاقته في هذه المواجهة الوطنية الشاملة.
ولم ينس الإخوان في مؤتمرهم
التأكيد على ما طالبوا به في عدة بيانات سابقة؛ جميع أفراد المجتمع المصري الأخذ
بكل الأسباب، والالتزام بآراء أهل العلم والمختصين في ما يتعلق بإجراءات السلامة
والوقاية من المرض، بالالتزام بالبقاء في البيوت والصلاة فيها، وتنفيذ كافة
الاحتياطات الصحية، من إجراءات النظافة والتعقيم الدائمين، والحفاظ على مسافات
التباعد الاجتماعي المتعارف عليها عالميا. وكان من الواضح أن هذه الرسالة
تحديدا، بالإضافة إلى تعبيرها عن موقف أصلي للجماعة، فإنها جاءت ردا على الإدعاءات
التي تسوقها أذرع النظام ضدهم، ومن ذلك "البيان المفبرك" المنسوب لمكتب
الإرشاد والذي تضمن دعوة أفراد الإخوان وعموم الشعب للنزول من البيوت، بل وحتى
التظاهر في الشوارع!!
من الرسائل المهة أيضا دعوة
الإخوان لإنهاء أي مظهر من مظاهر حالة الانقسام المجتمعي التي قد تعرقل تضافر
الجهود في مواجهة هذا الوباء، وقد جعلوا شعار المؤتمر الصحفي "شعب واحد.. نقدر"،
كرد على جريمة الإنقلاب بتقسيم الشعب المصري إلى شعبين (إنتو شعب وإحنا شعب). والدعوة
هنا واضحة في حديثها عن المصالحة المجتمعية، التي تستهدف إعادة اللحمة إلى الشعب،
وتعضيد التضامن والتكافل بينه خاصة في هذه الأزمة، وهو ما دعوا وسائل الإعلام
لتبنيه والتركيز عليه.
الرسالة المهمة الأخرى هي
أنهم رغم اعتبارهم أن الأولوية في هذه المرحلة لأزمة كورونا، إلا أن ذلك لم يُنسهم
الدعوة لإطلاق السجناء (بمختلف انتماءاتهم) التي تعتبر أيضا جزءا من ملف كورونا،
وعاملا مهما في الوقاية منه. ومن المؤكد أن ملف السجناء ذو حساسية كبرى لدى
الإخوان وعموم القوى الوطنية والإسلامية، ولذلك فإن استجابة النظام لمطلب الإفراج
عنهم سيفتح الباب لخطوات أخرى، وهو ما أشار إليه الدكتور حلمي الجزار في رده على
رئيس تحرير جريدة الشروق عماد الدين حسين: "ونرى أن اتخاذ خطوات في ذلك
الاتجاه أسوة بالعديد من دول العالم هو ضرورة واجبة وعاجلة، نظراً
لخطورة أوضاع المعتقلين في ما يتعلق بتلك الجائحة، ونرى أن تلك الخطوة (في حال اتخاذها) قد تفتح
الباب لخطوات إيجابية أخرى من جميع الأطراف لتضميد جراحات المجتمع المصري، ولتخفيف
معاناته، وحل مشكلاته".
لغة الخطاب الوطني العام
وليس التنظيمي الضيق كانت هي الغالبة على المؤتمر الصحفي وبيانه الختامي، وكذا
مقال الدكتور حلمي الجزار، حيث الحديث عن ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية الصحية،
والاهتمام بالمتضررين ورعاية المهمشين ودعوة الشركات ورجال الأعمال والموسرين
لتقديم يد العون ردا لجميل الوطن، وكذا دعم مبادرة الأزهرالمتعلقة بإعانة بيت
الزكاة والصدقات المصري للعمالة اليومية المتأثرة بالأزمة، وتوجيه التحية للأطقم
الصحية، واعتبار موتاها شهداء للوطن وتكريمهم بالأنواط الوطنية.. إلخ.
"اليد الممدودة"
كانت رسالة أخرى من رسائل الإخوان في بيانهم الختامي، وهي حسب البيان "ستظل ممدودة
بالخير، لأجل مصر وشعبها، ولأجل البشرية والانسانية، نحمل رسالة سلام وأمان وتعاونٍ
وإخاء دون تمييز أو تفرقة".
وفي تقديري فإن هذا البيان
ألقى بحجر في بركة السياسة المصرية الآسنة، وقذف بالكرة في ملعب السلطة الحاكمة
التي لا تتوقف عن استخدام شماعة الإخوان وتحميلهم المسؤولية عن أي كارثة تقع في
مصر، لكن ذلك الموقف لن يعجب البعض، سواء من مناصري النظام أو مناهضيه، وقد بدأت
أصوات هؤلاء تتعالى عقب ظهور مقال الدكتور حلمي الجزار، حيث اعتبره البعض في صفوف
مناهضي الانقلاب بمثابة دعوة للتصالح مع النظام مقابل الإفراج عن السجناء فقط،
وتراجعا عن مقاومة النظام والقصاص منه، بينما هاجم بعض كتاب النظام الصحفي عماد
حسين واتهموه بالسعي لإعادة الإخوان إلى المشهد السياسي، وهذا من طبيعة الأمور،
وسنرى منه الكثير خلال الأيام المقبلة.
في تقديري أن الموقف الذي
تضمنه أيضا البيان الختامي للمؤتمر الصحفي وكلمات المتحدثين، ومن قبله مقال
الدكتور حلمي الجزار وكذلك جملة من البيانات الصحفية، هي مواقف رزينة من جماعة
الإخوان، تمت صياغته عبر مؤسساتها، ولا تمثل أفرادا بعينهم. وهي مواقف تفتح الباب
لنقاش جدي بين كل القوى الوطنية للاتفاق على صيغة للعمل الوطني خلال المرحلة
المقبلة؛ تأخذ بعين الاعتبار كل المستجدات على الساحات المحلية والإقليمية
والدولية، وتستهدف مصلحة الوطن أولا وأخيرا.