في زمن العقوبات الأمريكية المتتالية على
لبنان، كيانات وافراد وأحزاب بهدف ضرب حزب الله وحلفائه، لتشمل مصارف كجمال ترست بنك، وشركات وكيانات والحبل على الجرار (على ما يقول ديفيد شينكر نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والذي لبنان على موعد مع زيارته قريبا لاستكمال خط الواسطة لترسيم الحدود البرية والبحرية في زمن الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في الرقعة الرابعة في المياه اللبنانية ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة والتي تحتاج لفترة طويلة حتى يظهر فيها الخيط الأبيض من الخيط الاسود)، حطت طائرة السفيرة الأمريكية الجديدة دوروتي شيا في بيروت، والتي كانت في القاهرة في زمن الغاز المصري قادمة إلى مرحلة الغاز اللبناني.
إن السفيرة دوروتي تُعدّ ملفاتها لتقديم أوراق اعتمادها إلى المسؤولين اللبنانيين وتحديدا وزير الخارجية ناصيف حتي، الذي يتسلم نسخة منها ثم يتسلمها الرئيس اللبناني ميشال عون، تمهيدا للموافقة على هذا الاعتماد.
وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 أعلن البيت الأبيض عن نيّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترشيح دوروتي شيا، من ولاية كارولينا الشمالية، لتكون سفيرة فوق العادة ومفوَّضة للولايات المتحدة الأمريكية لدى الجمهورية اللبنانية.
لم تأت السفيرة الأمريكية الجديدة دوروتي شيا إلى لبنان من فراغ، وهي القادمة محملة بوصايا الخارجية الأمريكية بمزيد من الضغط على لبنا، وهي الخبيرة الفاعلة بعدد من مراكز حساسة عملت ضمنها في سياسات الشرق الأوسط، ومنها نائبة لرئيس بعثة
سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، ونائبة المسؤول الأول في القنصلية الأمريكية العامة في القدس. وللموقع الجغرافي دلالته في أيام صفقة القرن العجاف.
كذلك فقد كانت السيدة شيا مديرة مكتب المساعدة لآسيا والشرق الأدنى في مكتب السكان واللاجئين والهجرة، في أيام يمتلئ لبنان باللاجئين والنازحين بما يوازي ثلث قاطنيه، وهي عضوة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إضافة إلى كونها المستشارة السياسية والاقتصادية في سفارة الولايات المتحدة في تونس. أما أخطر مناصبها السابقة والذي يعطي دلالة لدورها القادم في الحياة السياسية اللبنانية، فقد كانت سعادتها مسؤولة سياسية في سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب في مراحل التنقيب الإسرائيلي عن الغاز، والأدهى بأدوارها المتعددة كونها لأعوام خلت مديرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي، فهل من تزخيم لهذا الدور لبنانيا في زمن الثورة اللبنانية في الشوارع للمطالبة بحقوق الإنسان والمرأة، والقضاء النزيه، وملاحقة الأموال المنهوبة، والانتخابات النيابية المبكرة التي قد تكون هدفا أمريكيا جديدا" في القادم من الأيام؟
وفي زمن انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي الذي بلغ مستويات قياسية بلغت ما يقارب 2700 ليرة للدولار الواحد، وانهيار ثقة المودعين اللبنانيين بالمصارف ودورها الذي يغدو يوما بعد يوم في دائرة الشبهة، خاصة بعد مثول رؤساء مجالس إداراتها أمام القضاء حول التحويلات التي جرت إبان الحراك في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 المنصرم والتي بلغت بحسب رئيس البرلمان أكثر من ملياري دولار، فإن البلاد على موعد مع القرارات القادمة السبت المقبل للحكومة بالتخلف عن الدفع للسندات المقومة بالعملة الأجنبية (اليورو بوند)، والتي تبلغ 1.2 مليار دولار، والتي ستشكل بداية صدام مع المجتمع الدولي والإدارتين الأمريكية والفرنسية وكثير في الداخل على ما يقول أحد الخبراء، وتاليا إلى إعادة الهيكلة دُر.
إن الدور الأمريكي يتجلى في ما قالته السفيرة الأمريكية المغادرة إليزابيث ريتشارد، والتي وصفها مرجع نيابي بـ"الراقية". ويردد المرجع أمام زواره أنه لم يكن يلتقي مع سياسات ريتشارد، "لكنها كانت تقدم مواقف بلادها بطريقة
دبلوماسية هادئة وغير فجة، على عكس سفراء كانوا يعمدون إلى ممارسة لغة الفوقية بعيدا من قواعد الدبلوماسية". وتأكيدا لدبلوماسيتها الناعمة، فقد قالت من بعبدا ما حرفيته: "إن لبنان يقف أمام نقطة تحول. في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، خرج المواطنون من جميع الطوائف والمناطق إلى الشوارع للمطالبة بالأفضل من حكومتهم. إنهم على حق. لا يوجد هناك سبب لهذا البلد المبارك بالعديد من النعم، بما في ذلك الموارد البشرية المذهلة، لأن لا يكون لديه في العام 2020 نظام حديث لإدارة النفايات، وكهرباء للجميع على مدار أربع وعشرين ساعة لسبعة أيام في الأسبوع، وكذلك قوة مسلحة واحدة تحت سيطرة الدولة، واقتصاد متنام".
إن التوجه المتشدد للإدارة الأمريكية يعد جبهة جديدة من الداخل في لبنان الذي لم يعد يحتمل المزيد، في ظل الكلام عن إفشال الإدارة الأمريكية التواصل بين الفرنسيين مع الإيرانيين لتخفيف وطأة الدور الإيراني في لبنان، تمهيدا لمساعدة لبنان في محنته الحالية والمرشحة للتفاقم مع الجدل القادم حول الاستعانة بصندوق النقد الدولي ووجباته السريعة اقتصاديا، مع ما تحمله من مأس في دول سابقة والقرار السيادي الاقتصادي للبلاد، وتاليا مواجهة بين حزب الله وحلفائه من جهة ومؤيدي محور النهوض الاقتصادي، والذين يعتبرون أن اللحظة الآنية لم تعد تحتمل سجالات حول الإجراءات الاقتصادية، وأولها مشورة صندوق النقد الدولي ودفع مستحقات الدائنين. وهنا أين سيكون موقف السفارة الأمريكية مع سيدة السفارة الجديدة، والتي من أول أيامها ستظهر وجها يقارب رؤية الرئيس ترامب الحادة تجاه لبنان؟
لقد تعاقب على موقع السفير الأمريكي بعد اتفاق الطائف العديد من السفراء الذين كانت لهم بصماتهم الخاصة، والتي طبعت مراحل أساسية ورئاسية لبنانية، وعلى رأسهم السفير ديفيد ساترفيلد، أكثر السفراء الأمريكيين فجاجة، والأصح أنه قدّم للبنانيين خطاب حكومته بفظاظة عبّرت عنها قسمات وجهه: حاد، وغير متساهل، واستفزازي، وغير متعاون وشرس من الطراز الأول، وهذا ما رفع مكانته في الخارجية لاحقا. ولقد كان حاضرا سلبا وإيجابا في جملة استحقاقات، أبرزها انتخاب إميل لحود، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000. وكان مناوئا ممتازا وعنيفا لحزب الله وحلفائه في الداخل اللبناني، رافضا مقاومته، وصديقا ودودا للحريري ومؤيدا شرسا لبرنامجه الاقتصادي الذي يتعرض إلى هجمة شرسة في هذه الأيام.
كذلك السفير الأمريكي الآخر جيفري فيلتمان الذي شهد الانقلاب والتحول الأمريكي في لبنان، عبر إصدار مجلس الأمن القرار 1559 في 2 أيلول/ سبتمبر 2004، والذي غدا آنذاك إنذارا إلى سوريا للخروج من لبنان.
وعليه فإنّ الرئيس دونالد ترامب يهدف إلى تغيير آداء السفارة الأمريكية مع كافة الأطراف والأحزاب اللبنانية، وذلك من خلال تعيينه سفيرة مقرّبة من جبهته المتشددة ومتناغمة مع ديفيد شينكر في محور الصقور المحافظين، الذين يمثلون سياسة الضغط المتواصل على كل من يتماهى مع الدور الايراني، وتاليا على كل اللبنانيين بدون استثناء توقّع نمط تعاطٍ أشد من السابق بأشواط حيال كل الملفات في لبنان وعلى كافة الصعد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، حيث كان السفير جيفري فيلتمان يصول ويجول كيف يشاء. وعليه نرى أن السفيرة المثقفة والناطقة العربية دوروتي شيا ستكون وجه السفير السابق جيفري فيلتمان ولكن بصورة نسائية.