نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين فرناز فصيحي وديفيد كيركباتريك، يقولان فيه إن أكثر من ثلاثين مسؤولا إيرانيا وعضوا في البرلمان أصيبوا بفيروس كورونا، بالإضافة إلى أن مستشارا كبيرا للمرشد توفي نتيجة إصابته بالفيروس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن وزارة الصحة اقترحت إرسال 300 ألف عنصر من المليشيات من بيت إلى آخر في محاولة لتطهير البيوت، لافتا إلى أن المدعي العام حذر من أن أي شخص يقوم باحتكار الكمامات أو الأجهزة الطبية فإنه يخاطر بأن يحكم عليه بالإعدام.
ويفيد الكاتبان بأن القيادة الإيرانية تنبأت قبل أسبوعين بأن فيروس كورونا الذي تفشى في الصين لن يكون مشكلة في إيران، حتى أنها تفاخرت بأنها تصدر الأقنعة للصين، لكن الآن تفشى فيروس كورونا في إيران وقتل 77 شخصا، وهذا من بين أعلى الأرقام خارج الصين.
وتستدرك الصحيفة بأنه بدلا من تلقي العون من الحكومة، فإن الأطباء والممرضين يقولون بأنهم تلقوا تحذيرات من القوات الأمنية بأن يبقوا صامتين، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين يقولون إن القيادة في طهران تقلل من الحجم الحقيقي للتفشي، "ربما، برأي الخبراء، لأنه سينظر إلى ذلك على أنه فشل للحكومة سيستغله الأعداء".
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي يصارع فيه العالم فيروس كورونا، فإن الوباء في إيران هو درس لما يحصل عندما تقوم دولة سرية لديها موارد محدودة بالتقليل من شأن التفشي، ثم تجد صعوبة كبيرة في احتوائه.
ويقول الكاتبان إن السلطات تبدو قلقة حول السيطرة على المعلومات أكثر من السيطرة على الفيروس، بحسب مقابلات هاتفية ورسائل نصية مع عدد من موظفي الصحة في إيران.
وتورد الصحيفة نقلا عن العديد منهم، قولهم إن أفراد الأمن الموجودين في المستشفيات كلها يمنعون الموظفين من الكشف عن النواقص أو عن المرضى أو عمن يتوفون بسبب فيروس كورونا.
وينوه التقرير إلى أن ممرضة أرسلت رسالة إلى عائلتها -وقامت عائلتها بمشاركتها مع "نيويورك تايمز" لاحقا- تصف فيها رسالة رسمية من الأمن تحذر بأن أي مشاركة لأي معلومات عن المرضى المصابين يشكل "تهديدا للأمن القومي"، ويعد "إثارة لمخاوف الجماهير"، وأن مثل هذه المخالفات "سيتم التعامل معها حالا من لجنة تأديب".
وينقل الكاتبان عن الأطباء والخبراء، قولهم إن السرية والبارانويا يعكسان ما يسمونه التركيز السلبي على صورة إيران العامة ومكانتها، التي يبدو أنها تتلف ثقة الجمهور وتعرقل الخطوات الأكثر عملية للاحتواء.
وتورد الصحيفة نقلا عن اختصاصي علم أمراض بارز في طهران، قوله إن موظفي المختبرات الذين يقومون بفحوص فيروس كورونا قالوا إنه تم تهديدهم بالتحقيق معهم والاعتقال إن قدموا أي معلومات لوسائل الإعلام الإخبارية.
وقال اختصاصي علم الأمراض في مقابلة هاتفية معه: "إنه لأمر مشين.. فمن خلال تحويل هذا الموضوع إلى قضية أمن قومي، فإنهم يضعون المزيد من الضغط على الأطباء والفرق الطبية ويخلقون أجواء من الفوضى والخوف".
ويقول الكاتبان إن "كل من تحدث معنا فإنه تحدث بشرط عدم ذكر اسمه بسبب التهديدات".
ويشير التقرير إلى أنه في إقليم غلستان في شمال إيران، حيث اعترفت إيران بأكثر من 20 حالة، فإن مسؤولا كبيرا في الصحة تحدث في مؤتمر صحافي يوم الأحد عن إحباطه بسبب رفض طهران الاعتراف بحجم تفشي الوباء.
وتنقل الصحيفة عن عبد الرضا فضل، قوله: "كنا نصرخ في وزارة الصحة بأن لدينا 594 مصابا بفيروس كورونا، لكن الوزارة كانت تقول لنا بأنه مع غياب نتائج فحص إيجابية فلن نعطيكم أيا من الأجهزة التي تحتاجونها.. واستمروا في قول انتظروا، انتظروا، انتظروا، وفجأة أعلنوا (إنكم تشكلون بؤرة)"، وأضاف فضل: "نحن كنا نعلم من أول يوم أننا بؤرة".
ويلفت التقرير إلى أن فيروس كورونا، الذي ظهر في الصين في أواخر عام 2019، وصل في لحظة ضعف للقيادة، فكان الاقتصاد الإيراني متعثرا بسبب العقوبات الأمريكية، وكانت القوات الأمنية تكافح لقمع موجة من المظاهرات الشعبية، فيما يعاني جيشها من اغتيال قائد عسكري بارز بطائرة مسيرة أمريكية، بالإضافة إلى أن السلطات عانت من أزمة مصداقية محليا بعد أن اضطرت للاعتراف بإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، التي كان معظم ركابها من الإيرانيين، خطأ، بعد أن راوغت لعدة أيام.
ويورد الكاتبان نقلا عن الباحثة في الشأن الإيراني في معهد "تشاتام هاوس"، سنام وكيل، قولها: "إنهم يترنحون من أزمة إلى أخرى.. وقللوا من قابلية تأثير فيروس كورونا".
وتفيد الصحيفة بأن مسؤولي الصحة الإيرانيين تفاخروا ابتداء حول براعتهم الفائقة في مجال الصحة العامة، وسخروا من نموذج الحجر الصحي؛ باعتباره "بدائيا"، وصوروا إيران بأنها نموذج عالمي يحتذى به، وأشار الرئيس حسن روحاني قبل أسبوع إلى أنه مع حلول السبت "الماضي"، فإن الحياة ستكون عادت إلى مجراها.
وينوه التقرير إلى أنه بدلا من ذلك، فإن إيران اعترفت يوم الثلاثاء بوفاة 77 مصابا بفيروس كورونا، وإصابة ما لا يقل عن 2300 آخرين، لكن الخبراء الصحيين يقولون إن وفاة 77 شخصا بناء على نسبة الوفيات المتوقعة يعني أن هناك حوالي 4000 شخص مصابون بالفيروس.
وينقل الكاتبان عن السلطات، قولها يوم الثلاثاء إنها أطلقت سراح 54 ألف سجين لم تبد عليهم أي أعراض، وذلك في محاولة لمنع تفشي العدوى في السجون المكتظة، إلا أنه لم يكن من الواضح من الإعلان عدد السجناء الذين تم فحصهم، نظرا للنقص الحاد في أجهزة الفحص.
وتبين الصحيفة أنه بسبب ذلك النقص، فإن الواقع هو أنه لا أحد يستطيع أن يخمن مدى انتشار فيروس كورونا في إيران، مشيرة إلى أن دراسة كندية قالت قبل أسبوع بأن العدد الحقيقي للإصابات بالفيروس قد يصل إلى أكثر من 18000 حالة، فيما قال إسحاق بوغوتش، وهو طبيب في تورنتو إن "أسبوعا يعد دهرا عندما تتحدث عن وباء".
وبحسب التقرير، فإن قائمة المصابين بالوباء من المسؤولين الكبار السابقين والحاليين، تتضمن نائب رئيس ونائب وزير صحة و23 عضوا في البرلمان، لافتا إلى أن الإعلام الرسمي الإيراني أعلن يوم الاثنين عن وفاة مسؤول نتيجة الإصابة بالفيروس، وهو محمد ميرمحمدي (71 عاما)، وهو عضو من أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى الإيراني.
ويقول الكاتبان إنه ليس من المعلوم ما إذا كان المستشار قد اجتمع بالمرشد آية الله خامنئي البالغ من العمر 80 عاما في الفترة الأخيرة.
وتفيد الصحيفة بأنه مرة ثانية، وبسبب الإحراج الذي تسبب به انتشار المرض، ردت السلطات الإيرانية بمزيج من الإجراءات المتناقضة، وخلطت عناصر من القمع مع محاولات لحفظ ماء الوجه، وهدد المدعي العام بإعدام أي شخص يحتكر الكمامات أو أي إمدادات أخرى، و"هذا بمثابة اعتراف بالمشكلة".
ويذكر التقرير أن وزير الصحة سعيد ناماكي أعلن يوم الأحد عن خطة لاستخدام 300 آلف عنصر من قوات الباسيج بملابس مدنية للذهاب من بيت إلى آخر لفحص السكان وتطهير بيوتهم، مشيرا إلى أن الأطباء والسياسيين الإيرانيين انتقدوا الخطة مباشرة، قائلين بأن رجال مليشيا غير مدربين سيقومون في الغالب بنشر الفيروس لا احتوائه.
ويورد الكاتبان أن الدكتور عميد رضائي، وهو طبيب أورام بارز في طهران، كتب على قناة الإعلام الاجتماعي "تلغرام": "تقوم وزارة الصحة بإعادة رسم حدود سوء الإدارة والجهل بشكل سريع.. أشعر بالحزن لأجلنا، لأننا نجلس في قارب يغرق وأنتم تديرونه".
وتقول الصحيفة إن "شوارع طهران، العاصمة، مهجورة؛ لأن السكان الخائفين يلزمون بيوتهم خشية العدوى، لكن في مدينة قم المقدسة، التي وقع فيها أول انتشار للمرض في إيران، لا تزال المزارات مفتوحة وتستقبل الحجاج بالرغم من نصيحة وزارة الصحة".
وينقل التقرير عن أمير أفخمي، وهو طبيب ومؤرخ في جامعة جورج واشنطن، درس ردة فعل الإيرانيين لأوبئة سابقة، قوله: "بصراحة، فإن عدم استعداد الجمهورية الإيرانية للحد من الزيارات الكبيرة لهذه المزارات في حالة هذا المرض يعد إجراميا.. فالحكومة تضع المكانة الدينية والصورة العامة بمرتبة أعلى من السلامة العامة".
ويورد الكاتبان نقلا عن الدكتور محسن بصيري، وهو طبيب إيراني في هيوستن الآن، قوله من خلال اتصال هاتفي، بأن زملاءه في إيران يقولون إن عناصر الأمن يكرهون الأطباء على إصدار شهادات وفاة كاذبة للوفيات التي يبدو أن سببها فيروس كورونا، وكتابة سبب الوفاة على أنه فشل رئوي أو قلبي لئلا يتم الاعتراف بوفيات مرتبطة بالفيروس، وأضاف بصيري: "ليست لدينا الإمكانيات ولا الأجهزة ولا المال ولا الإدارة ولا ثقة الجمهور لمكافحة وباء بهذا الحجم".
وتفيد الصحيفة بأن عضوي برلمان إيرانيين على الأقل أثارا ادعاءات شبيهة من أن السلطات تسعى لإخفاء عدد ضحايا فيروس كورونا بإدراج أسباب وفاة أخرى على شهادات الوفاة.
وينقل التقرير عن غلام علي جعفر زادة إيمان أباد، وهو نائب عن إقليم غيلان بالقرب من بحر قزوين، قوله لوكالة الإنباء الإيرانية، يوم الاثنين، بأن أكثر من 20 شخصا ماتوا في دائرته الانتخابية، وبأن المستشفيات وصلت إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة، وأن المركز المعين لمعالجة الفيروس بدأ يرفض استقبال المرضى، وأضاف أنه في بعض الحالات قامت السلطات المحلية بتسجيل سبب آخر لوفاة الضحايا، وقال: "بناء على الأرقام والشهادات والإثباتات التي وصلتنا، فإن أعداد الوفيات والمصابين بالفيروس أعلى بكثير مما تم الإعلان عنه.. مسؤولونا لا يكشفون الحقيقة كاملة حول الوضع".
ويشير الكاتبان إلى أن أحمد أمير عبادي فرحاني، وهو نائب من قم، توجه بشكوى مماثلة الأسبوع الماضي، فقال على "تويتر" بأن العاملين في مستشفيين يزورون شهادات الوفاة للتقليل من عدد ضحايا الوباء، وقال فرحاني في تغريدته: "الأطباء في مستشفى كامكار وفوغاني يكتبون بأن سبب الوفاة هو فشل في الجهاز التنفسي.. لكنهم يعلمون جيدا أن الوفيات تكون بسبب فيروس كورونا في قسم الحجر الصحي".
وتلفت الصحيفة إلى أن متحدثا باسم وزارة الصحة شكك بتلك الاتهامات، قائلا إن الاختلاف في الأرقام بين التقديرات المحلية والأرقام الرسمية يعكس التأخر الذي يحصل بسبب الفحوصات لتأكيد الإصابة بالفيروس، وقال المتحدث كيانوش جهانبور، بأن الوزارة تتأكد من النتائج من خلال إجراء فحص آخر قبل إضافة تلك الأعداد للعدد الرسمي.
ويفيد التقرير بأن آخرين اشتكوا من أن النقص الحاد في أجهزة الفحص وغيرها من الأجهزة قد يكون سببا مساعدا على جعل العدد أقل، مشيرا إلى قول برهام برسائي: "ليست هناك أجهزة فحص ولا معقمات وأجهزة وقاية موجودة في البلد بما تقتضيه سرعة انتشار هذا المرض.. وهذا هو السبب بأن الواقع أسوأ بكثير مما تعكسه الأرقام الرسمية".
ويورد التقرير عن الدكتور أفخمي، قوله إن إيران كانت على مدى عقود تتفاخر بقوة نظامها الصحي، وحتى عام 2008 حيث عملت إيران على منع انتشار وباء الكوليرا من البلدان المجاورة، وقامت بمنع جزئي لبيع الخضار وأطعمة الشوارع في بعض المناطق.
ويستدرك الكاتبان بأنه "يبدو أن السلطات الصحية في إيران هذه المرة لم تكن متأهبة، ولاعتمادها على الصين بصفتها أهم شريك تجاري في ظل العقوبات الأمريكية، فإن إيران تباطأت في وضع قيود على السفر من وإلى الصين بعد التقارير الأولى لتفشي الفيروس في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الدكتور أفخمي إنه في حينها تفاخرت طهران بأنها أرسلت إمدادات من الكمامات الطبية المنتجة محليا للصين، مخفضة مخزونها من تلك الكمامات، في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى تقوم بتخزين اللوازم الطبية بهدوء، والآن فإن "نقص الكمامات الطبية هو نتيجة فعل ذاتي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FA: هل تفقد المؤسسة الدينية الإيرانية شرعيتها بسبب كورونا؟
NYT: وباء كورونا يجتاح العالم فما هي استعداداتنا؟
الغارديان: مخاوف من اختراق فيروس كورونا طريق حج إيراني