ما يزال الغموض قائما بشأن سقوط طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وسط أفغانستان، قبل أيام، كانت تقل ضباطا في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA"، بحسب حركة "طالبان"، فيما زعمت وسائل إعلام إيرانية أن أحدهم، وهو "مايكل داندريا"، كان من بين المسؤولين الرئيسيين عن اغتيال الجنرال "قاسم سليماني" في العراق، مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي.
في المقابل، نفت واشنطن أن تكون نيران معادية قد تسببت بالحادث، وأعلنت لاحقا أن طيارين اثنين فقط لقيا حتفهما فيه، مكتفية بالتأكيد أنها تواصل التحقيقات، بينما لم يكن إعلان طالبان واضحا، إذ اكتفى المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، عبر "تويتر"، بالإشارة إلى "سقوط" الطائرة، قبل أن يؤكد لوسائل إعلام غربية المسؤولية عن إسقاطها.
بدوره، رفض مسؤول أفغاني التعليق بهذا الخصوص
لـ"عربي21"، ما يترك الباب مفتوحا أمام التكهنات، ويزيد من أهمية
التساؤلات عن ما إذا كانت واشنطن تخفي معلومات لتجنب انهيار المفاوضات التي تهدف
من خلالها إلى إنهاء أطول حرب خارجية في تاريخها، وكذلك عن مستوى التعاون والتنسيق بين
طالبان وطهران، وما إذا كانت أجنحة داخل الحركة تتحرك في منأى عن قيادتها، ما يخلق ثغرات تتيح لأطراف إقليمية ودولية تحقيق نفوذ
على الأرض، واستخدامه لتصفية حسابات.
ليست "طالبان
واحدة"
أشارت عدة تقارير على مدار السنوات الماضية إلى
انقسامات داخل طالبان، لا سيما بعد رحيل زعيمها الأسبق "ملا محمد عمر"،
جراء نزاع بشأن خلافته، وكذلك حول سياسات الحركة في المرحلة المقبلة، والموقف من
العملية السياسية والتفاوض مع الولايات المتحدة على ترتيبات إنهاء الحرب.
وبدا تخوف الحركة من انقسامها واضحا في إبقائها
وفاة "عمر" سرا لأكثر من عامين، حيث أعلنت في تموز/يوليو 2015 أنه توفي
في نيسان/ أبريل 2013 جراء إصابته بمرض السل، لكن جماعة منشقة، تطلق على نفسها اسم
"فدا محاذ" (جبهة الفداء)، زعمت أنه قتل في انقلاب قاده نائبه "ملا
أختر منصور"، الذي تولى الزعامة خلفا له.
وأكد القيادي "ملا منصور داد الله"
أيضا أن "عمر" قد اغتيل، وهو ما نفاه نجل الأخير، ملا محمد يعقوب، الذي
لم يخف في الوقت نفسه رفضه لتولي "منصور" قيادة الحركة، المدعوم من قبل
عناصر ما تعرف بـ"شبكة حقاني"، التي تعتبرها واشنطن "إرهابية"
منذ عام 2012.
وفي الواقع، فقد كان "داد الله" هو
الآخر يقود جناحا "أكثر تطرفا" داخل الحركة منذ عام 2010، بحسب تقرير
حديث لـ"معهد وارسو"، فيما أسفرت الخلافات الحادة عام 2015 عن انشقاق
مجموعة أخرى، تطلق على نفسها اسم "المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية في
أفغانستان"، بقيادة "ملا محمد رسول"، ثم "الحركة الإسلامية في أفغانستان"، عام
2016، بقيادة "عبيد الله هونار"، بالتزامن أيضا مع ظهور "تنظيم
الدولة" بقوة على الساحة واستقطابه العديد من المقاتلين.
اقرأ أيضا: إيران ليست العراق.. هذه الملفات تعقد الحسابات الأمريكية
إضافة إلى ذلك، فقد تولى "مولوي هبة الله أخونزاده" قيادة الحركة عام 2016، الذي يعتبره التقرير "شخصية دينية" لا تمسك بزمام القرار السياسي أو العسكري، كما تراجعت قدرة باكستان التأثير على الحركة، وهو مشهد يشير بمجموعه إلى ظهور المزيد من الثغرات لنفوذ أطراف إقليمية ودولية، أبرزها إيران.
في المقابل، يبدو جليا أن طالبان تحاول جاهدة
إخفاء تلك التصدعات، وإظهار أنها ما تزال مظلة جامعة لكل مقاومي "الاحتلال
الأمريكي"، على اختلاف توجهاتهم، وهو ما يظهر في تأكيدها المضي في العملية
السياسية التي يقودها ممثلو الحركة في الخارج منذ عام 2018، والمدفوعة برغبة شعبية
واسعة بإنهاء الحرب المريرة، من جهة، وتبنيها في الوقت ذاته العمليات المسلحة، وإن
تزامن بعضها مع اجتماعات سلام في الدوحة أو موسكو أو غيرهما.
نفوذ إيران
أعلنت إيران عزمها على الانتقام لمقتل سليماني، الذي كان قائدا لفيلق
القدس بالحرس الثوري، مؤكدة أن جميع نقاط تواجد الولايات المتحدة في المنطقة هي
أهداف محتملة، بما في ذلك أفغانستان، التي أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك
بومبيو، أن طهران تتمتع فيها بعلاقات قوية مع "طالبان".
وكانت عدة تقارير غربية قد حذرت بالفعل من "عواقب وخيمة"
لتأخر حسم واشنطن مفاوضاتها مع الحركة، حيث ستتمكن الأجنحة الأكثر ميلا للخيار
المسلح من استلام زمام المبادرة، ولن ترفض بالتأكيد عروضا سخية بالدعم من أي طرف، بما
في ذلك إيران.
وفي الواقع، فإن العلاقات بين الجانبين ليست وليدة اللحظة، وكانت
قيادات في الحركة تجري بالفعل زيارات إلى طهران من وقت لآخر، رغم التاريخ العدائي
بينهما قبل الغزو الأمريكي عام 2001.
ومنتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، أفاد تقرير لموقع "مليتاري تايمز" بأن الحرس الثوري عمل على تدريب عناصر
طالبان منذ عام 2010، وزودها بأسلحة، أهمها أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف،
ما يجعل إقدام أجنحة في الحركة على إسقاط الطائرة الأمريكية في إطار
"الانتقام الإيراني" أمرا غير مستبعد.
وفي الوقت ذاته، فإن إيران أيضا تظهر دعما لعملية السلام، وربما لوحدة
طالبان أيضا، فقد تحدثت مرارا عن خوفها من تمكن "تنظيم الدولة" من
التغلغل والانتشار في أفغانستان، وهو ما يعكس رسمها سياسية شاملة ومتوازنه تمكنها من الوصول إلى مختلف تيارات
الحركة، تقدم في إطارها ضمانات بشأن نواياها، ودعما غير مشروط، وتحوز في المقابل القدرة
على تسخير تلك الحالة المعقدة لتحقيق أهداف محددة، فضلا عن حماية الأمن القومي للبلاد.
اغتيال سليماني.. ما هي انعكاساته على الداخل الإيراني؟
الحرب ليست السبب الوحيد.. لماذا ينتقد أمريكيون قتل سليماني؟
اغتيال سليماني يفتح جميع السيناريوهات.. الترقب سيد الموقف