نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمعلق ديفيد غاردنر، يتساءل فيه عما إذا كانت هناك وسيلة لتفسير التبجح الصادر من الإدارة الأمريكية.
ويشير غاردنر في بداية مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى تهديدات الرئيس دونالد ترامب بتدمير تركيا اقتصاديا لو قامت بضرب المليشيات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، في حال خروج القوات الذي أعلن عنه الرئيس الشهر الماضي.
ويلفت الكاتب إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو جال الشرق الأوسط حاملا رسائل تطمينية لقادة المنطقة، بأن الولايات المتحدة ستعمل معهم لمواجهة إيران وإخراج آخر جندي إيراني من سوريا.
ويعلق غاردنر قائلا إن "هناك عدة أمور يمكن الحديث عنها، وتوضيح الطريقة التي تزيد فيها الولايات المتحدة من اشتعال المنطقة الأكثر التهابا في العالم، وحتى في ضوء الأخطاء الأمريكية الفادحة في الشرق الأوسط، وفي هذا القرن وحده، خاصة ما ارتكبه جورج دبليو بوش في عام 2003 وغزوه للعراق، بالإضافة إلى فشل باراك أوباما في فرض خطه الأحمر ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد، واستخدامه السلاح الكيماوي ضد أبناء وطنه، فإن الرئيس ترامب يقوم بتحويل وضع بشع إلى خطر جدا، فقراره للخروج، ومن طرف واحد، من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015 الذي قصد منها ضبط النشاطات النووية الإيرانية قد يثبت أنه قرار كارثي".
ويقول الكاتب إن "الاتفاقية التي تم التفاوض عليها بعناء شديد، ووافقت عليها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين، كانت إنجازا دبلوماسيا كبيرا، وكان البديل عنها هو حرب نووية وانتشار لأسلحة الدمار الشامل، وبدلا من ذلك قام ترامب بإثارة جهاد سعودي ضد إيران، ونشر حرب طائفية بالوكالة أخافت المنطقة منذ غزو العراق، الذي تمت الإطاحة بحاكمه ودفع به نحو الفلك الإيراني".
ويرى غاردنر أن "الكتلة العربية السنية لا تستطيع بقوتها موازنة الجيش الإيراني مهما كان الإعداد وميزان القوة، فهذه القوة لا تستطيع مواجهة المليشيات الشيعية الإيرانية في المنطقة ولا صواريخها".
ويبين الكاتب أن "جزءا من معادلة ترامب هو التحالف الواهم بين العرب السنة وإسرائيل، فالخوف المشترك من إيران لم يمنع الأخيرة من توسيع تأثيرها في المنطقة كلها".
وينوه غاردنر إلى أن "المحور الشيعي يمتد من جبال زاغروس إلى البحر المتوسط، ويمر عبر العراق وسوريا ولبنان، حيث يحافظ حزب الله على التأثير السياسي والعسكري هناك".
ويقول الكاتب: "يبدو أن فريق ترامب غير قادر على فهم كيف يمكن أن يؤدي دعمه لأهداف إسرائيل كلها في المنافسة مع الفلسطينيين، بما في ذلك منحهم السيادة على القدس، المقدسة لدى المسلمين واليهود والمسيحيين على حد سواء، وكيف سيؤدي هذا الدعم لوضع حدود للتقارب العربي مع إسرائيل، وربما قال حلفاء ترامب، مثل محمد بن سلمان، الذي تشوهت سمعته بسبب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول، غير ذلك".
ويفيد غاردنر بأن "قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو قرار غير واعد إن تم، فإنه سيؤدي إلى مفاقمة ثلاث مشكلات، أولاها تتعلق بقدرة الولايات المتحدة على استخدام تفوقها العسكري لتشكيل الأحداث، التي تم تدميرها بسبب غزو العراق، ومنح التعهدات لدعم المعارضة السورية للقوى السنية العربية، ومنحت بذلك تقوية للجهادية السنية، وخروجها سيؤدي إلى فراغ تستعد لملئه كل من تركيا وروسيا وإيران، وكلها تحن لأيام الإمبراطوريات التي فقدتها، ووضع هذا الثلاثي شروطا للسلطة في سوريا، وفكرة قيام تركيا أو حتى روسيا بإنهاء الوجود الإيراني من سوريا مضحكة".
ويشير الكاتب إلى أن "المشكلة الثانية تتعلق بنزاعين مرين في طريقهما للظهور، وتم تخيلهما في بعض العواصم في نهاية ثماني سنوات من الحرب التي لم ترحم، وسيخرج هذان النزاعان عن السيطرة، فعلى الرغم من اندلاع تنظيم الدولة على حدودها وداخل العراق وسوريا عام 2014، إلا أن تركيا ظلت تنظر إلى النزعة الانفصالية الكردية على أنها تهديد وجودي، وقد تجرأت هذه النزعة في مناطق الجنوب التركي، وبعد توغلين في شمال غرب سوريا، وكان الهدف منهما مواجهة الأكراد، تهدد أنقرة باستهداف المليشيات في شمال شرق سوريا بعد الانسحاب الأمريكي، وتسيطر مليشيات كردية على ربع سوريا في شمال شرق البلاد، وفي حال تخلى الأمريكيون عنها فقد تحاول البحث عن ملجأ عند الأسد".
ويفيد غاردنر بأن "إسرائيل تواصل في الوقت ذاته حربها الجوية، وبأكثر من 200 هجوم ضد الإيرانيين وحزب الله في سوريا، وقالت إنها القوة الوحيدة القادرة على منع إيران، وهددت بتوسيع الحرب إلى لبنان، ويعني الانسحاب الأمريكي أن إسرائيل لن تمارس سياسة ضبط النفس".
ويلفت الكاتب إلى أن "المشكلة الثالثة تتعلق بتنظيم الدولة، الذي خسر المناطق كلها، إلا أنه لا يزال قوة ضخمة، ويقدر عدد مقاتليه بما بين 10-20 ألف مقاتل، وهو العدد ذاته الذي كان لتنظيم القاعدة بعد زيادة القوات الأمريكية في العراق، وتعاونها مع عناصر الصحوة لتدمير قواها، فتدمير معاقل التنظيم والتصرفات الانتقامية للسلطات والمليشيات الشيعية، وجهود نظام الأسد لمنع اللاجئين السنة من العودة إلى مناطقهم، تغذي حس الراديكالية واليأس الذي تنتعش من خلاله الجماعات الجهادية".
ويعتقد غاردنر أن "تركيز تركيا على التحدي الكردي كان وراء خسارة تركيا مناطق الحدود الشمالية الغربية لهيئة تحرير الشام، التي هزمت الجماعات الجهادية في إدلب، ومنطقة خفض التوتر التي تضمنها مع روسيا".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "ربما اعتقد ترامب أنه يستطيع الإعلان عن النصر، لكن العناصر كلها موجودة لعودة التطرف السني الذي لا يحترم أي حدود".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: منافسو أمريكا يستعدون لملء الفراغ في سوريا
NYT: هؤلاء أهم الرابحين والخاسرين من قرار ترامب بسوريا
واشنطن بوست: هذا دليل سياسة أمريكا المتعرجة بسوريا