كتاب عربي 21

في مقعد القيادة

1300x600
في فيلم (وجدة - 2012 ) للمخرجة هيفاء المنصور، سعي حثيث من الطفلة وجدة لامتلاك دراجة هوائية وسياقتها إسوة بأقرانها الأطفال الذكور.

وجدة: أنا شفت بنات في التلفزيون يركبون سيكل.. أعطيني فلوس اشتري سيكل. أنا أدري.. شفت في غرفتك فلوس في الدرج.

الأم: البنات هنا لا يركبون سيكل وبعدين اذا ركبتي سيكل ما تقدرين تحملين ولا تجيبين عيال.
وجدة: انت ما ركبت سيكل وما جبتي عيال.

الأم: ايش ها الكلام ماما؟ أنا بغيت أموت ولا اجيبك.. اتوظي للصلاة.

ولأن الأبواب سُدت في وجه الطفلة الصغيرة، لم يكن أمامها غير استغلال الجانب الديني "المسيطر" على المجتمع للحصول على المال فكان أن تقدمت، بشكل فاجأ مديرة مدرستها، للمشاركة في مسابقة لتحفيظ القرآن. القرآن الذي يستنبط منه "علماء" ما يبررون به رفضهم لقيادة المرأة السعودية للسيارة/الدراجة في الفيلم. فازت وجدة في مسابقة تحفيظ القرآن. تسألها مديرة المدرسة.
المديرة: قولي لنا شو بتسوين بالجائزة؟

وجدة: اشتري سيكل من المحل جنبنا.
المديرة: نعم؟
وجدة: اشتري سيكل من المحل ايلي جنب بيتنا بس طبعا من دون الكفرات ايلي ورا لأني اعرف أسوق.
علامات استغراب على محيا المديرة وضحكات تتعالى من البنات.

المديرة: يعني.. مو من الأحسن نتبرع بمبلغ الجائزة مثلا لإخواننا في فلسطين. طبعا إنت عارفة أنو السيكل مو للبنات خصوصا البنات المؤدبات المؤمنات ايلي يخافون على روحهم وعلى شرفهم. بعدين أنا ما اعتقد ان أهلك يوافقون.. خلاص احنا بنتبرع بالجائزة تحت اسمك وبعون الله تنالين الثواب.. شكرا وجدة تقدرين تروحين الحين.

ذهول على محيا البنات وحسرة على وجه وجدة.
المديرة: (بصوت خفيض) الظاهر انو ما فيه فايدة.. تحسبين تقدرين تسوين ما تبينه وما حدا يدري عنك؟ تصرفاتك الغبية هاذي بتطاردك طول عمرك.
وجدة: تقصدين زي حراميك الوسيم؟

وقصة الحرامي الوسيم منتشرة بين تلميذات المدرسة ومعلماتها يلمزن بها شرف المديرة "المتسلطة" التي تحكي القصة كيف أنها أدخلت للبيت شابا وسيما قبل أن ينفضح أمرها ليتحول إلى لص اقتحم البيت. لم يبق من القصة إلا وسامة الحرامي التي تشي عن رواية أخرى ممنوعة من التداول والانتشار وعن "عار" يطارد المديرة حتى آخر العمر.

العار هو الذي سيطارد لا محالة تلك المؤسسة الدينية التي رضيت لنفسها أن تصدر الفتاوي والتصريحات للسلطان سلبا لعقود تحولت خلالها من دورها في نشر العقيدة الصحيحة إلى مجرد واجهة تبريرية لاختيارات الحكام الذين "أكلوا الثوم بأفواه علمائها" قبل أن يجبروا على التبرؤ من الفتاوي السابقة مخافة الوقوع تحت طائلة معارضة ولي الأمر والاعتراض على قراراته، أو السكوت على دعمها وتعضيدها ولو التوت أعناق النصوص وتفسيراتها.

وصاية دينية كان الاعتقاد سائدا أنها القائدة لمسيرة الحاكم قبل أن يتبين أنها مجرد واجهة للاستهلاك يختفي الحاكم خلفها عجزا عن مواجهة شعبه لكنها بالمقابل ولدت وصاية مجتمعية يصعب القفز عليها بين ليلة وضحاها سواء لدى رجال ألفوا التسلط بدواعي شرعية أو نساء حولهن الشحن الإيديولوجي إلى رافضات لكل انعتاق أو تحرر من التبعية والخضوع.

وإن كان من نتيجة لكل هذا العبث الذي استمر عقودا قبل أن يُعلن عن نهايتها المؤجلة حتى يونيو القادم فهي ضرب مصداقية المؤسسة الدينية في الصميم بالشكل الذي يجعلها خارج دائرة التأثير في التوجهات "المعلنة" للحكام الجدد بالسعودية وبقية الدول السائرة في طريق "العلمانية" المكتشف حديثا على يد العتيبة وأبواق الدعاية ل"دين أبو ظبي" الجديد.

بالمقابل، فقد ظهر سعي المملكة إلى تقديم نفسها بصورة البلد "المنفتح" عبر إقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة إلى فعل إدانة لبلد بقي صامدا لوحده في جبهة المنع تلك، وهو ما يجعل أي تنظير للسعي إلى تحديث المجتمع والدولة مجرد فقاعات غير قابلة للتصديق. فبلد لا يسمح للمرأة بالقيادة إلا اليوم يحتاج لسنوات ضوئية للتحول إلى نظام يقطع مع الشمولية السياسية والانغلاق الديني والرجعية المجتمعية المسيطرة على طبائع وتوجهات الاستبداد.

والواقع أن القرار مجرد مناورة سياسية موجهة لتلميع الصورة خارجيا، وهو ما ارتد عكس المراد، وحاجة اقتصادية لتنشيط الأسواق المحلية من خلال ظهور احتياجات استهلاكية جديدة وأنماط عيش يفرضها خروج المرأة إلى واجهة المجتمع متحررة من القيود والأغلال. والأهم من كل ذلك، السعي للتغطية على أخبار سلبية لها علاقة بالتورط في حروب خاسرة تحولت معها المملكة وحلفائها إلى الاستقرار في قاع لائحة أممية سوداء لمرتكبي الجرائم في حق الأطفال، أو تصدر الأخبار بتهمة اعتقال المعارضين أو الساكتين عن التهليل لحصار دولة جارة أو لرؤية اقتصادية يثبت يوما عن يوم استحالة تنفيذها أو غيرها من الأخبار السيئة التي تنال من سمعة المملكة،  بالتصدير لخبر قد يكون له تأثيره المرحلي قبل أن يخفت خبرا وينتهي كجبل تمخض فولد فأرا.

على سطح إحدى المنازل بالحارة حيث يسكنون، يتسامر أحمد وفرغلي وبهجت كما عادتهم كل يوم وهم يدخنون، والخبر العاجل اليوم: قرار بإنشاء حمام سباحة عام بالمنطقة.
أحمد: هما صحيح عملوا حمام سباحة في المركز؟

فرغلي: ايوه يا سيدي.. مش عارفين يعملوا رغيف العيش عملوا حمام سباحة.
بهجت: قل الحمدلله.. على الأقل حيستحموا.
أحمد: طب لعلمك انت وهو، ايلي فكر في الفكرة ده كان عامل دماغ عالية أوي أوي أوي.. بس عايزين دماغ تانية بقا علشان العيش والتعليم و.... عندك اقتراح تاني؟

فرغلي: دماغ للصحة.
بهجت: وللمواصلات.
فرغلي: والمزيكة.
أحمد: أنا رأيي نأجل الاجتماع السياسي ده علشان الحشيش ايلي موجود مش حيكفّي.
فرغلي: نبقى محتاجين دماغ حشيش.

تتعالى الضحكات في هذا المشهد من فيلم (يوم واحد للستات – 2016) للمخرجة كاملة أبو ذكرى، والسؤال: إلى متى يمكن شغل الناس عن التحديات الحقيقية التي تزاجه مجتمعاتها وعن السعي لانتزاع حقوقها كبقية خلق الله؟

أسواق النفط تأبى التعافي والإجراءات التقشفية كلفتها السياسية عالية حد التراجع عنها وكأنها لم تكن، ودولة الرعاية التي تتصرف بمنطق القبيلة بمعزل عن نماذج "العالم الحر" أضحت مستحيلة، والقرارات الترقيعية لم تعد لها مفاعيل زمن الانغلاق  عن الآخر الذي صار "الأنا" بعد أن تحول العالم قرية صغيرة بلا حدود مع سعي المملكة للتأسيس لصناعة الترفيه والسياحة بديلا اقتصاديا ترتفع أرقام معاملاته سنة بعد أخرى، والهدف تقديم نموذج غربي يستجيب لرغبات المستهلك السعودي المعتاد على استهلاك المنتج الترفيهي لدول العالم والجوار على الخصوص.

السياحة مشروع من أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030، والأمريكيون والغربيون متفقون، منذ الأفلام الأولى للصحراء العربية، على صناعة صورة نمطية تقوم على "شبقية" النساء العربيات اللائي يرتمين في أحضان كل عاشق عابر، بدءا من مراسلات واتصالات هاتفية مع الأغراب كما في حالة السائق يوسف أو كما وقع مع زهرة وصديقها الأمريكي آلن كلاي  في الفيلم الأمريكي (مجسم للملك – 2016) للمخرج توم تايكوير.

آلن كلاي كان قرر السفر إلى السعودية  سعيا منه لتفادي الإفلاس في منافسة مع مستثمرين صينيين يعرضون "بضاعتهم" أمام الملك الذي يقوم بإنشاء مدينة جديدة باستثمارات ضخمة.

ومع الإعلان الملكي عن قرار السماح للنساء بسياقة السيارات لم تجد إحدى الشركات العالمية غير شعار "مرحبا في مقعد القيادة" لتسويق سياراتها. المسألة في البدء والانتهاء بالنسبة للآخرين مجرد فرصة تجارية تبرر بعض دعوات الترحيب الدولي بالقرار. والخوف كل الخوف على الماسكين بزمام الأمور في المملكة أن تتنطلق الأصوات منادية بتسلم "مقعد القيادة الحقيقي".

فيلم (يوم واحد للستات – 2016) للمخرجة كاملة أبو ذكرى، حوار ساخن بين ليلى، التي فقدت زوجها وابنها في حادث العبارة المصرية الشهير، وشقيقها الإسلامي علي الذي يعيش عالة عليها.
علي: تعالي اعملي لي حاجة أطفحها.

ليلى: مش حعمل لك حاجة تطفحها.. عايز تطفح هات فلوس.
علي: انت هطلت يا بت ولا ايه؟

ليلى: متمدش ايدك عليا.. لو مديت ايدك عليا تاني حقطعها لك.. هدومك الوسخة مش حغسلها.. وقل لأصحابك بتوع ربنا أوي ان الجثة ايلي في البيت فاقت ولسه فيها نفس..