كتاب عربي 21

صلاة المنفى.. عن وفاة والد معتز مطر

1300x600
مساء أمس، الأربعاء، كنا في مسجد الفاتح باسطنبول، نصلي الغائب على روح الكابتن علوي مطر، والد زميلنا العزيز الإعلامي الكبير معتز مطر، صلينا، وجلسنا نقرأ القرآن لروح الوالد، ندعو له، ولنا، معتز كان أكثرنا ألما وتماسكا، لم يعرف أحدنا الكابتن علوي بشكل شخصي، نعرفه لاعبا بالنادي الأهلي، جيل الستينيات، لعب بجوار العظام، وكان حالة كروية، لو لم يكن والد إعلامي معارض لطارت أخبار وفاته في الجرائد والفضائيات، لكنها مصر، مات الرجل وحرم الابن من دفن أبيه وأخذ عزائه .. 

الجميع يتذكر، الجميع يبكي، أو يغالب البكاء، تذكرت والدتي التي أخبرتني أنها تخشى أن تموت قبل أن تراني ثانية، وغالبت الدموع زميلا لنا تذكر والده الذي كان عضوا بالبرلمان، ثم اختفى بعد الانقلاب قسريا، لا يعلم عنه أهله شيئا، حي هو أم ميت، تذكرت علاء، إسماعيل، حسام خلف، علا القرضاوي، أبو البخاري، عصام سلطان، عمر عبد المقصود، ليسوا كل من سجن وفقده أهله، لكنهم بالأخير أصدقائي، ولذلك أذكرهم .. ولا أنسى .. 

تذكرت نفسي، أولادي الذين نسوا ملامح بعض أقاربهم، ابني الذي غادر مصر وهو في الرابعة من عمره وما زال يسألني عن الإسكندرية وبحرها، ابنتي التي تتحدث إلى زميلتها القديمة في الفصل، تراها عبر اسكايب فتبكي، وتبكي الأخرى، ولا يتكملون، صغيرات في الثامنة، ذقن معنا مرارة الغربة وقسوتها، ودفعن – قبل الأوان - ثمن كلمة حق في وجه سلطان جائر .. 

لم أنم، ظللت أقلب صفحات الفيسبوك، أحاول أن أجد بعض السلوى، ياسر الهواري يكتب عن دومة، اتركوه، أخرجوا أصدقاءنا، لم نعد نريد إصلاح هذا البلد، فقط اتركوا أصدقاءنا واشبعوا به، آخرون يطلبون الحرية لعلاء عبد الفتاح، وغيرهم مشغول بإيقاف الإعدامات، ظلمة القبر، وظلمة الزنازين، ظلمات بعضها فوق بعض، تحيط بنا من كل جانب، تطوقنا كـ "كوردون" أمن!

توقفت أمام بوست للسيدة الفاضلة منار الطنطاوي، زوجة أستاذي الباحث، والصحفي الكبير هشام جعفر، المعتقل في سجن العقرب لغير سبب، تحكي منار عن تجربة زيارة زوجها في السجن، تقول: 
"من المبكيات في الزيارة بنتين زي القمر صغيرين جدا بيتكلموا معانا فبيقولوا لابني: أنت جاي تزور في "استقبال" قال لهم: لا "العقرب" قالوا له: العقرب؟!!! ده إيه؟ آآآآآه، عرفت، اللي بتمسك سماعة وهو سماعة؟ قال لهم: آه.

واحدة قالت له وليه باباك في العقرب مش في "استقبال"، فابني قالها علشان بابايا خطير جدا (ابني متخرج و لبنت 6 سنين) قالت له عمل إيه؟ ضرب عسكري؟ قال لها: لا ده العسكري غلبان .. قالت له: تعالى، ووشوشته في ودنه وبعدها لقيت وشها متغير .. 

بعد ما خلصنا الزيارة سألته: البنوتة كانت بتوشوشك بتقولك إيه؟ قال لي قالت له: أنت عارف العسكري اللي بتقول عليه غلبان ده الظابط يقوله شعلق بابا وهو يشعلقه علشان يضربه ...

أنا اتقهرت والله العظيم، اللي بنشوفه في الزيارات يتكتب في مجلدات، أنت مش بس بتـتـقهر على اللى ليك جوه، أنا فعليا بتأثر بأي حاجة تحصل وبتفضل قاهراني.. اللي بنشوفه كتير قوي، ذنبها إيه طفلة زي دي تعاني المعاناة دي؟ تعيش ازاي في مجتمع زي ده وتكبر فيه وهي عارفة إن أبوها مظلوم وبيتعرض لكل ده؟ 

حتى لو الناس طلعت، الجيل ده كله لما يكبر هيبقى إزاى؟ أنا مش قادرة أفكر اكتر من كده، بس أختم وأقول: الله يلعن السلطة والكراسي واللي عايزينها وفي مقابل كده بـيـبـيـدوا نفسيتنا وحبنا للبلد ... (من زيارة الأربعاء 11 اكتوبر 2017 لهشام جعفر في سجن العقرب)".

أغلقت هاتفي، ونمت، في الصباح، كنت على سفر، أغمضت عيني، دون نوم، وأسلمت قلبي للطريق، دار برأسي رأي قديم، هو الراجح من كلام العلماء، يقول: أنه لا تجوز صلاة الغائب على من مات في بلاد المسلمين، ووجد من يصلي عليه، إنما تجوز في حق من مات بـ "بلاد الكفار" ولم يصل عليه أحد!! بلادنا مسلمة، هي إذن ليست صلاة الغائب، إنما هو المنفى، صلاة المنفى، رحمة الله علينا ..