كتاب عربي 21

التحالف العربي في القائمة السوداء وماذا بعد؟

1300x600
عاد التحالف العربي مجدداً إلى القائمة السوداء التي تعدها الأمم المتحدة سنوياً بحق منتهكي حقوق الأطفال في العالم، وهو أمر كانت الرياض على وجه التحديد قد وضعت كل ثقلها لتجاوزه العام المنصرم، بل وهددت بوقف الدعم الذي تقدمه لبرامج الأمم المتحدة ما دفع بالأمين العام السابق بان كي مون، إلى الرضوخ على مضض لمطالب الرياض.

في الحروب قد يبدو هذا الأمر متوقعاً، وهناك انتهاكات لا تحصى يقوم بها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وسوريا، لكن الذي ليس متوقعاً هو أن التحالف العربي، لا يحارب في اليمن من أجل أهداف واضحة، بقدر ما ينساق إلى مستوى غير محتمل من العبث واختبار الأجندات الخطيرة على ساحة ملتهبة، ويمكن أن يزداد فيها الصراع تعقيداً إذا ما استيقظت النزعات المذهبية، أو دخل لاعبون جدد كأطراف مباشرين في الصراع المسلح.

صدَّقَ محمد بن زايد نفسه حين يردد في أكثر من مناسبة أنه يحارب في اليمن حتى لا يضطر إلى مواجهة الإرهاب على أرض الإمارات. إنها العقيدة السياسة والأيديولوجية نفسها التي يعبر عنها الغرب وهو يعبث بمقدرات المنطقة ويسوقها إلى مستويات خطيرة من العنف والخراب.

لكن محمد بن زايد يبالغ في إظهار قدراته العسكرية الناشئة ونسي أن الساحة اليمنية غير مأمونة، وأن مجيئه إلى اليمن تم في ظرف استثنائي عنوانه الانقسام والتشظي وتصفيات الحسابات العبثية، ومع ذلك لا يمكنه أن يؤسس نفوذه في اليمن بالاعتماد على استثمار هذه العوامل العابرة في تقديري. 

إن ما يكشف عنه مخطط بن زايد هو أن مهمة أبو ظبي في اليمن لم تأت ضمن الأجندة المعلنة للتحالف العربي، ولا تتقيد بأجندة الرياض التي تبدو أكثر حساسية تجاه تعقيدات الصراع في اليمن، وهي التي يمكن أن تدفع كلفة باهظة إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة في اليمن.

أبو ظبي تدفع بنفسها إلى قلب المهمة الأمريكية في اليمن، حتى يتسنى لها مواصلة مهمتها اللاأخلاقية بدون ضغوط أو تأثير من أي طرف.

التحالف العربي بهذه المنهجية المشوشة وغير الواضحة، يحطم أسلحته، وأدواته وحلفاءه في اليمن فحسب، ويقوم بهذا الفعل الأرعن بكبرياء مُحدث النعمة والقوة الذي يعتقد أن بإمكانه أن يعيش في جزيرة معزولة مستمتعا بعائدات النفط وبتحالف مفتوح مع الغرب، في زمن تلاشت معه ملامح الحدود السياسية وأوهام الاستقلال والسيادة الوطنية، وإلا لما كان استطاع أن يستبيح اليمن وهو بلد كبير في المنطقة ويتمتع بثقل سكاني هو الأكبر في الجزيرة العربية والخليج.

لا تبدو نهاية الحرب في اليمن وشيكة وترتيبات ما بعد الحرب لم تتضح بعد، وفي أحسن الأحوال تطبخ في غرف مغلقة على نحو ما يقرره لاعبون لا يكترثون لأصحاب الأرض ولا يعبؤون بتطلعات شعب يريد أن ينعم بالاستقرار وباقتصاد يلبي احتياجاته لحياة كريمة.

إن عودة التحالف العربي إلى القائمة السوداء للأمم المتحدة يؤكد يدفع بهذا التحالف إلى مسار مختلف، ويظهر في الوقت نفسه أن جزء كبيراً من معركة التحالف في اليمن تنصرف إلى مواجهة مناهضي هذه الحرب في الدوائر الغربية وفي الأمم المتحدة الذين بدؤوا في جني ثمار جهودهم المستمرة منذ آذار/مارس 2015. هذه المعارك ذي طبيعة حقوقية وتستند إلى الأرقام الكارثية التي أنتجتها الحرب الدائرة في اليمن، وتتورط أطرافها في انتهاكات، وبعض هذه الانتهاكات مقصود لذاته.

والجزء الأكبر من هذه الأخطاء المقصودة، ربما يرتبط بممارسات الميلشيا الانقلابية التي انتجها تحالف المخلوع صالح مع الحوثيين، وهناك أخطاء مقصودة ارتكبها ويرتكبها التحالف خصوصاً في حق حلفائه إلى جانب أنه لا يبذل ما يكفي من الجهد لتحري المعلومات، خصوصاً وأنه يعتمد على إحداثيات ميدانية لا يمكن الوثوق بعناصرها بسبب اختلاط الولاءات.

لا أعتقد أن التحالف هذه المرة يمتلك الوسائل المقنعة التي تضمن خروجه مجدداً من القائمة السوداء لمنتهكي الأطفال، لا يمكنه أن يلوح بالوسائل ذاتها أو بتذكير الأمم المتحدة أن الرياض هي أحد الممولين الكبار لميزانية الأمم المتحدة.

حتى وإن حدث هذا، فإن المنظمات الحقوقية باتت اليوم تمتلك مصداقية وهي تمارس الضغوط أو التشويش على الدعم الذي تقدمه الدول الغربية للتحالف العربي، بدافع الحفاظ على المصالح الاقتصادية الوازنة على قائدة التحالف.

واحدة من أسوأ التحديات التي وضعتها الأقدار أمام مسيرة التغيير العظيمة التي شهدها الوطن العربي وعرفت بالربيع العربي، هي أن أكثر الدول عدائية تجاه الديمقراطية التي حُملتْ على تلك الموجة، كانت هي المتحكم الأكبر بهذه المسيرة.

لذا، يتكرس الإحباط من إمكانية التوصل إلى حل في اليمن يقوم على مبدأ استعادة الدولة الاتحادية الديمقراطية، بعد أن استثمر تحالف دول المجاورة المناهضة للديمقراطية، مليارات الدولارات في مهمة قُصد منها دفن الربيع اليمني، وإعادة إنتاج نظام مشوه وهجين كالذي شهدناه في أعقاب احتواء ثورة السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1962.