كتاب عربي 21

الرواية السعودية والروسية بشأن منظومة (أس-400)

1300x600
نشرت وسائل الإعلام التابعة للمملكة العربية السعودية، أخبارا مكثّفة خلال الأيام القليلة الماضية عن بعض الاتفاقات التي قالت إن الجانبين السعودي والروسي كانا قد توصلا إليها، أثناء الزيارة التي قام بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، الأربعاء الماضي، لا سيما تلك الاتفاقيات ذات الطابع العسكري.
 
العربية على سبيل المثال، قالت إن "السعودية وافقت على شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية الحديثة (أس-400)".  

لا شك في أن مضمون الخبر لافت، لكن صياغته مثيرة للاهتمام أيضا. فالخبر بشكله المذكور يعطي انطباعا مفاده أن الجانب الروسي كان يتوسل للمملكة العربية السعودية لشراء منظومته الصاروخية المتطورة، لكن الأخيرة كانت ترفض ذلك إلى أن قررت يوم الخميس أن توافق على هذه الصفقة! 

لا يمكن لهذا الأمر أن يكون صحيحا بطبيعة الحال، وبالرغم من ذلك، تم التسويق لهذا الخبر بشكل كبير جدا، نظرا لدلالاته العسكرية والسياسية، ولم يوفر العديد من المحللين الوقت وراحوا ينظرّون سريعا للأبعاد الاستراتيجية لهذه الصفقة، وانعكاساتها الإقليمية.

في المقابل، نشرت وكالة "إيتار تاس" الرسمية الروسية رواية أخرى مختلفة تماما عن الموضوع نفسه. إذ نقلت تحت عنوان "السعودية مهتمّة بشراء منظومة (أس-400) الصاروخية الروسية"، عن نائب رئيس الوزراء الروسي قوله: "إن السعودية أبدت اهتماما بشراء منظومة (أس-400)"، مضيفا أنّ "المحادثات حول هذا الموضوع في تقدّم، ولكن ليس هناك قرارات نهائية بهذا الشأن".

الفرق بين الرواية الأولى والثانية شاسع جدا، ولا شك في أن الهدف من هذه الطريقة الملتوية في نقل الخبر تضخيم العملية ضمن حملة العلاقات العامة التي تديرها المملكة. 

التقارير الإعلامية كانت قد أشارت أيضا إلى سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي قامت الشركة السعودية للصناعات العسكرية بالتوقيع عليها مع الجانب الروسي ممثلا بشركة "روزوبورون اكسبورت". 

نصت مذكرات التفاهم هذه بحسب الرواية السعودية على تصنيع معدات وأسلحة عسكرية روسية متطورة في السعودية، ونقل التكنولوجيا المستخدمة لإنتاج مقذوفات كورنيت الموجّهة والمضادة للدبابات وقاذفات صواريخ والكلاشينكوف -فخر الصناعة الروسية- وحتى أجزاء من منظومة (أس-400)!
 
من الناحية النظرية، من الممكن تصنيع الفئة الأولى من الأسلحة محلّيا، وهناك بالفعل دول نامية قادرة على تصنيع نسخ محلّية منها، لكن فيما يتعلق بمنظومة أس-400 والأسلحة الأكثر تطورا، فهذه تحتاج إلى قاعدة علمية وصناعية متواجدة وراسخة، فضلا عن قدرات بشرية مدربّة، وتتمتع بالخبرة اللازمة.

ولا بد من الاعتراف أن مثل هذه العناصر غير موجودة في المملكة العربية السعودية فضلا عن العديد من الدول التي سبقتها في هذا المضمار.

من ناحية أخرى، عند تحليلنا لفحوى النسخة السعودية من الخبر، لا يمكن فهم الدافع الذي قد يقف خلف قرار روسي افتراضي بالسماح بنقل تكنولوجيا تصنيع عسكري متقدّمة إلى المملكة العربية السعودية، إذ لا يوجد هناك ما يشير إلى وجود تاريخ حافل لروسيا في نقل تكنولوجيا الصناعات العسكرية الخاصة بها إلى دول أخرى، لا سيما ما يتعلق بإنتاج أسلحة متطورة، ناهيك عن حقيقة أن تقوم موسكو بمثل هذا الأمر لدولة تعتمد بشكل شبه وحيد على الولايات المتّحدة كضامن أمني لها. 

ويبقى السؤال الأهم، ما هو الثمن السياسي الذي باستطاعة الرياض أن تقدّمه لموسكو مقابل هذا الأمر؟

ثمة عامل إضافي يجعل من النسخة السعودية من الخبر غير منطقية. هل من الممكن أن تقوم روسيا ببيع السعودية منظومة (أس-400) فيما لا تزال حليفتها الأول في المنطقة -أي إيران- تمتلك النسخة القديمة من هذه المنظومة في ظل التنافس الإقليمي بين الطرفين؟ 

إن حصل مثل هذا الأمر، فهو قد يؤدي على الأرجح إلى أن تحصل إيران في نهاية المطاف على أسلحة أكثر تطورا.

أضف إلى ما ذكر كله، أن الروس دخلوا في تجارب سابقة مع السعودية بشأن الحديث عن استعداد الأخيرة لاستيراد كميات كبيرة من الأسلحة من روسيا، لكنّ بقي ذلك ضمن إطار الحديث، ولم يتحقق عمليا على أرض الواقع. 

ولهذا السبب بالتحديد، فإن الروس لا يثقون كثيرا بالكلام السعودي، لكن لا شك في أن التجربة الحالية ستكون بمثابة اختبار جديد لانطباعاتهم السابقة حول هذا الأمر، خلال المرحلة المقبلة.