كتاب عربي 21

"يا عين مولاياتي" نشيداً وطنياً لسوريا المفيدة بالفيتامينات والمحتلين

1300x600
كان المذيع السوري، واسمه جعفر، غاضباً غضبة أمريكية، غير مضرية.

كان الشرر يتطاير من فمه، وهو يحقق مع ضيفيه، كالمذيع الجنرال المرحوم علاء الدين الأيوبي عندما كان يحقق مع أصحاب الجرائم والجنح في برنامجه التشهيري: الشرطة في خدمة الشعب. وكان البرنامج في خوزقة الشعب وتعذيبهم على جمر الهواء.

ولم يذكر جعفر، وهو غير جعفر دويتشه فيله، وإن كان مثله في المذهب، القصة المرعبة التي توجه الطفل وترشده إلى الوقاية من هدايا البائع من غير ثمن، والتي قد تقع لمراودته عن نفسه، وكأنها قصة من مدينة سادوم وعمورة. 

ولم يكن غضبه لحذف خريطتي لواء اسكندرون والجولان، والتي قيل في تبريرها: إن الطبّاع في مطبعة الكتب المدرسية السورية، لم تعجبه الخريطة لسوء الألوان، فبدلها بخريطة من عنده، وكأنه بائع بطيخ، أو بائع طماطم. والحق أن المشرفين على الكتب المدرسية أبدلوا اللواء السليب والجولان المنهوب بسميرة توفيق وصباح!

ولم يذكر المذيع، واسمه جعفر، عاشت "الأسامي"، صور أفلام الرعب الأميركية المنكرة، "بالماسك" على غلاف كتاب العلوم، فالنظام السوري نظام "هالوين" أصلي، وأمريكا هي مبتدعة أفلام الرعب والمسوخ، وهي التي ولت علينا هذه المسوخ في القصور الجمهورية والملكية. 

يقول المسيري: إن العلمانية الأمريكية ضحت بالغيب المسيحي الديني، وعوّضته بدين أفلام السينما: أفلام الإله السوبرمان، وأنبياء صحون الفضاء، والرجل العنكبوت... فلا بد من غيب، لكن من غير أمانة ومسؤولية، فالإنسان حيوان متدين.

ولم يذكر جعفر الأغاني الرديئة في المناهج، التي تفسد وجدان الأطفال، وهي أشعار "شعبية" مكسورة الميزان ومخلخلة البنيان، وتعلمهم الفحشاء والمنكر والبغي، وتؤلب حياً ضد حي آخر.. ولا الدمية المرعبة على غلاف كتاب العلوم، دمية أفلام الرعب الأمريكية القاتلة الشبيهة ببثينة شعبان.

ولم يشر المذيع واسمه جعفر، إلى اللغة العربية التي تُدمّر، على يد المبشرين الجدد،"الحالوتس"، فالأسئلة الموجهة إلى التلميذ ستردف بضمير للأنثى؛ تاء تأنيث، أو ياء مؤنثة مخاطبة، كما في اللغة الأجنبية!

والغربيون يقدمون الأنثى في الحفلات، وليال الأنس، والأمم المتحدة على الذكر، والعربية تقدم الذكر على الأنثى، والخطاب العربي يشمل الأنثى والذكر، ولو استطاعوا للغة العربية نقباً، لقدموا الأنثى على الذكر، وفي جميع اللغات يسبق الذكر الأنثى، فضمير الأنثى يتلو الذكر.

بدأ المذيع جوبيتر، عفوا جعفر، يتهدد ويتوعد المشرفين على المناهج الجديدة بالإشارة، وأحياناً بالعبارة، ليس على جناية  أغنيتي صباح وسميرة توفيق "الوطنيتين"" المقاومتين"، اللتين اختيرتا نبراساً للأجيال الجديدة بعد انتصار النظام على شعبه، وسميرة وصباح مطربتان من لبنان، وليستا سوريتين، وهما ملء السمع والبصر، في البث المسموع والمرئي، وليستا بحاجة إلى هدى القرطاس وهيبة القلم، وإنما  كان غضبه على قصيدة لياسر الأطرش، والشاعر الأطرش معارض، وقصيدته، لا شيّة فيها، سوى أنها تذكر الله في آخرها، "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ".

وكان الأقدمون يفرقون بين الشاعر والقصيدة، وورد في الحديث الشريف عن أمية بن أبي الصلت: آمن شعره وكفر قلبه. لكن المحدثون للشعب "بالمرصادي ي ي ي".

حقق المذيع جنيفر، عفوا جعفر، في كارثة علمية حاقت بمنهاج التربية الإسلامية، وهي أن شجرتي تفاح متماثلتين في كل شيء، زرعتا في أرض واحدة، وسقيتا بماء واحد، فنمت واحدة وترعرعت، وذبلت الثانية وكبت. وكان الجواب في المنهاج الإسلامي: إنها إرادة الله!

وأبدى سخطه على هذا المذهب الغيبي. وذهب ظنّي أنّ قلعة العلمانية لن تتدخل في عقائد المسلمين، فالدين لله، والوطن للمحتلين.

وكثير من الأديان فيها غيبٌ لا يعقله العلمانيون العرب، وذهب ظنٌّ آخر بالباص الأخضر، إلى أن المذيع قد يقول: إن شجرة التفاح السامقة هي من إنجازات الحركة التصحيحية! 

كانت المناهج الأدبية سابقاً، تبدأ بنصٍ من القرآن الكريم، ونصٍ من الحديث الشريف، والعرب كفاراً ومؤمنين، مسيحيين ومسلمين يؤمنون، أنّ القرآن والحديث أبلغ نصوص العربية، وفيها نصوص تناسب كل الأديان والطوائف.

وكان صحفي لبناني، قد حباه الله بالحكمة والفاصولياء، انقطع جسر صحيفة الحياة السعودية من دوس رجليه، قد دعا قبل سنوات إلى أغاني فيروز مظلةً وطنيةً، وعقيدة للشعبين السوري واللبناني. شعبان في بلدين وبمطربة واحدة، يعشيان على جسر اللوزية تحت أوراق الفي.

وأريد أن أبوح للقارئ بالقول: إنَ أهم القصص التي قرأتها في حياتي وأجملها، والتي بنت لي عمارتي الأخلاقية والنفسية، كانت من الكتب المدرسية الابتدائية، فلم تكن المجلات ذائعة وقتها، ووسائل الإعلام لم تكن قد بلغت سن الفطام وقتها.

ومن القصص التي قرأتها في السنوات الابتدائية: قصة ثياب الإمبراطور الجديدة، وقصة عن هرة تموء، فيفتح صبي في عمرنا لها الباب، بعد أن يكتشف أنّ الحيوانات تحبُّ الحرية، وقصة عن أحد أعلام العرب، فقد ساقه بعد أن كبر، فيقول إنه ما فقدها إلا لأنه أساء لعصفور وكسر رجله، فانتقم الله منه، القصتان؛ قصة ثياب الإمبراطور، والهرة، قصص عن الحرية التي قامت من أجلها الثورة السورية. وقد غابت عن المناهج مثل هذه القصص، وحل محلها قصص عن ولد يجب أن يحذر البائع حتى لا يغويه!

المناهج تتعرض للدق في المهابج، دقاً شديداً، يحولها إلى" هوا" جنوبي، ليس في سوريا، وإنما في السعودية السعيدة بولي عهدها الجديد، وفي مصر التي صار فيها محمود بدر، الشهير ببانجو، بطلاً، وحلَّ محل عمرو بن العاص.  الخرائط تتغير في المناهج الجديدة، وبغير الحرارة والبرودة تتمدد الخرائط والأوطان وتنكمش، فبرودة الضمير وحرارة الأخلاق هي الأصل في الخير والشر، فالناس إن ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

المناهج في يوتوبيا فيدرالية الكانتون السوري الفاضلة، وثنية، لكنها تتجه في تركيا نحو التأصيل، على عكس البلدان العربية، وكان أتاتورك قد ترّكها، وقد ألغت حكومة حزب العدالة والتنمية سيرة أتاتورك، ونهجت إلى تدريس السيرة النبوية بدلاً منها.

ومن هذا وذاك شيوع صورة للملك الراحل فيصل، في مناهج السعودية الجديدة، بجانب صورة شيطان اسمه يودا، وليس بجانب شخصية صلاح الدين الأوربي، ويودا شخصية من أفلام الخيال العلمي، من فلم حرب النجوم. قال صائغ الصورة عبد الله الشهري، بأنّ الصورة لاقت استحساناً كبيراً وقتها، وقيل في التبرير بأن يودا له شعبية كبيرة، فصلاح الدين الأيوبي يُحارب في بلاد العرب وبلاد الكرد. وقيل إن السادات عندما زار واشنطن سلّم على الفأر ميكي ماوس، ولم تكن في أمريكا شخصية لصلاح الدين الأيوبي حتى يسلم عليها. ولميكي شعبية كبيرة، وقد حذفت الصورة من المناهج، وهذا يشير إلى أن شعبية يودا محل شكٍ في بلاد نجد والحجاز، وأن شعب العربية يفرق بين الصحف وبين الكتب المدرسية.

كانت مسرحية "ضيعة تشرين"، تسخر في أحد المشاهد من النشيد الوطني، إذ يختار شعب غربة على دلعونة وعلى دلعونة، نشيداً وطنياً لدولة غربة المستقلة.
 
وفي دولة غربة، سقط الدبُّ عن الفنن، والفنن هو غص الشجرة. ونحن ضائعون في هذه "المرحلة الحرجة" من تاريخ أمتنا، بين صليل الصوارم، وبين هزِّ أرداف النواعم.

إسقاط الجنسية له أشكال كثيرة، يأخذ شكل عصام زهر الدين حيناً، و  شكل" اطناعش موليّا" أحياناً.

 وبدلاً من أن يسقط النظام في الكفن، والحمار عن الفنن، سقط الشعب من الوطن.