كتاب عربي 21

ما الذي يطيل أمد الأزمة الخليجية وهل يمكن أن تبقى مفتوحة؟

1300x600
على الرغم من مرور أكثر من شهرين على اندلاع الأزمة الخليجية التي بدأت مع اختراق الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية في 24 مايو الماضي، إلا أنّ بعض المسؤولين الخليجين من دول محور الحصار يتوقّعون أن يطول أمدها وأن تمتد إلى فترة غير محدودة من الزمن. وفي هذا السياق، تجهد الكتائب الصحفية والإعلامية المحسوبة على دول هذا المحور في تبسيط انعكاسات إطالة أمد الأزمة عندما تؤكّد أنّ الدول الأربع المعادية لقطر ستكون في وضع مرتاح وأنّ لديها نفساً طويلاً يخوّلها إطالة أمد الأزمة دون أي عواقب تذكر.

قد يجادل البعض بأنّ التكاليف المترتبة على استمرار هذه الأزمة حتى الآن ليست كبيرة بالنسبة إلى دول محور الحصار، هذا أمر قابل للنقاش بطبيعة الحال. لكن لا يمكن القول في المقابل بأنّ خيارات دول محور الحصار في التصعيد مفتوحة، أو أنّه بإمكانها الاستمرار فيها إلى زمن طويل فضلا عن القول إلى ما لا نهاية. 

باعتقادي، فإن مثل هذه النظريات لا تستند إلى أي معطيات واقعية ويتم طرحها كما جرت العادة بغرض سياسي دون حسابات دقيقة، وهي بهذا المعنى فرضيات غير صحيحة. لكن قبل أنّ نفنّد هذه المزاعم، من المهم بمكان الإشارة إلى الأسباب الحقيقية التي أدّت حتى هذه اللحظة إلى استمرار الأزمة حتى هذه اللحظة.

العلاقة الشخصية بين ترامب وكل من الإمارات والسعودية تلعب من دون شك دوراً في إطالة أمد الأزمة بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التي تعاني منها الإدارة الأمريكية والعمل البيروقراطي البطيء لأجهزتها. كل هذه العناصر أعطت الوقت اللازم لدول محور الحصار لإبقاء الأزمة مفتوحة وإن كانت إمكانية التصعيد الحقيقي لاسيما من الناحية العسكرية أصبحت شبه معدومة. 

بعض المؤسسات الأمريكية التي تنظر إلى الأزمة من منظور نفعي بحت، وكذلك الامر بالنسبة إلى بعض المسؤولين الأمريكيين يرون أنّ استمرارها من شأنه أن يدفع طرفيها إلى ضخ مليارات الدولارات داخل الولايات المتّحدة في محاولة لاستمالتها، وهو في نهاية المطاف أمر جيّد ومفيد لواشنطن -وفق نظرة هؤلاء-. 

علينا ألا ننسى كذلك ونحن نقرأ هذه الأسطر أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد قال صراحة وبشكل علني مرات عديدة بأنّه سيجعل دول الخليج تدفع المال وأنّه لولا الولايات المتّحدة لما كانت هذه الدول لتوجد أصلا (على حد قوله). الفارق هو أنّ ترامب لم يجعل هذه الدول تدفع وإنما قامت المملكة العربية السعودية والإمارات بالمبادرة تطوّعاً بالدفع المسبق وافتعال الأزمة مع قطر، الأمر الذي اضطر الأخيرة لأن تدفع أيضاً لتدافع عن نفسها.

حتى الآن رفضت معظم دول العالم وكل القوى الكبرى في المجتمع الدولي الإجراءات غير القانونية التي اتّخذتها دول محور الحصار ضد قطر، لكنّها لم تقم في المقابل بالضغط عليها لإجبارها على إنهاء الأزمة، وبالتالي فقد شعرت الدول الأربع أنّها قادرة على الاستمرار في الأزمة.

كل هذه العناصر ساهمت بالضرورة في استمرار الأزمة حتى هذه اللحظة، لكنّها لن تكون قادرة على إسعاف الدول الأربع في إطالة أمدها إلى ما لانهاية. نفس العناصر المذكورة أعلاه تحمل معها ما يشير إلى أنّه من غير الممكن عملياً إطالة الأزمة بشكل مفتوح لعدّة أسباب، لعل أهمّها: 

الجانب الأمريكي سيكون المتضرر الأكبر من إطالة أمد الأزمة إذا ما استثنينا أطراف الأزمة أنفسهم. واشنطن تمر الآن بمرحلة حرجة جدا على الصعيد الداخلي والخارجي، وهناك تحديات إقليمية ودولية متراكمة ومتسارعة في نفس الوقت تتطلب منها تركيزا كبيراً وحلفاء مستعدين للمشاركة معها في محاربة داعش والإرهاب وصد الخطر الايراني. ومن هذا المنطلق، لا يوجد أدنى شك لدى أي أحد بأنّ الأزمة تشتت تركيز الولايات المتّحدة وتبدد جهود شركائها وحلفائها في المنطقة ولا تفيد في نهاية المطاف إلا إيران، ولذلك فإن للعبة الاستفادة المالية من الطرفين حدود.

بهذا المعنى، كلما طال أمد الأزمة كلما زاد الضغط على الوضع الأمريكي. وحتى لو افترضنا أنّ المؤسسات الأمريكية لن يكون بإمكانها إقناع الرئيس الأمريكي بالتوقف عن استخدام علاقاته الشخصية مع السعودية والإمارات، إلا أنّه بإمكانها استخدام وسائل أخرى للضغط عليه ومنها التسريبات، تماماً كتلك التي تشير إلى مسؤولية أبو ظبي عن قرصنة موقع وكالة "قنا" القطرية.

أضف إلى ذلك أنّ إطالة أمد الأزمة مترافقاً مع صمود قطر هو بمثابة خسارة محتّمة لدول محور الحصار. تمرير الوقت من شأنه أن يوقع المحور الذي تقوده السعودية والذي تقول إنه يتزعّم العالم العربي –أو ما بقي من العالم العربي- في حالة إحراج شديدة بشأن صورته وقدراته. إذ كيف بإمكان هذا المحور أن يقوم بمواجهة تحديات ضخمة من قبيل الإرهاب أو صد إيران في الوقت الذي هو غير قادر فيه على أن يجبر دولة صغيرة من الناحية الجغرافية على تنفيذ مطالبه؟! هناك تناقض شديد بين الطرحين.

يجب أن لا ننسى أيضا أنّ الحصار المفروض على قطر يرتّب تكاليف سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية على الدول الأربع، وهو أمر لم يتم التطرق له بشكل كاف حتى هذه اللحظة بسبب التركيز على الجانب القطري. لكن ما أن تطول الأزمة فعلاً حتى يكون هناك متّسع من الوقت لتسليط الضوء على هذه التكاليف، ففي نهاية المطاف عدد سكان قطر محدود قياسا بالثروات التي تتمتع بها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى توافر العديد من البدائل في مقابل إجراءات الحصار، لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة إلى دول الحصار التي تعاني أصلا من أزمة مالية في الوقت الذي تهدر فيه عشرات المليارات من الدولارات في مغامرات فاشلة خارج حدودها في مصر واليمن وليبيا وسوريا والعراق. 

التركيز على قطر لن يمسح الخسائر والتكاليف الباهظة التي تدفعها هذه الدول في هذه الساحات ولن يحوّل فشلها فيها إلى نصر  بالتأكيد.