ملفات وتقارير

حادثة الطعن بالغردقة.. هل تقضي على آخر معاقل مصر السياحية؟

نكسات متواليةللسياحة في مصر - أ ف ب
أصيبت السياحة المصرية، الجمعة، بأزمة جديدة تضاف إلى أزماتها المتصاعدة مع بداية العقد الحالي، والتي أدت إلى تراجع الصناعة التي تعتمد عليها مصر في الحصول على العملة الصعبة.

فقد قتلت سائحتان ألمانيتان وأصيبت أربع سائحات أخريات من عدة جنسيات، نتيجة لتعرضهن للطعن بالسكين على يد شاب تسلل إلى قريتين سياحيتين بمدينة الغردقة على البحر الأحمر، مثيرا حالة من الذعر بين السائحين قبل إلقاء القبض عليه.



 التحريات الأولية للأمن المصري أكدت أن المتهم قام بطعن سائحتين ألمانيتين بسكين على شاطئ قرية ذهبية، ثم تسلل لشاطئ أحد الفنادق عبر السباحة وأصاب سائحتين أخرتين من التشيك بجانب سائحة روسية وأخرى أرمينية، فيما تمكن أمن ونزلاء الفندق المجاور من القبض على المتهم.

أحداث دامية

وشهدت مصر خلال الأسبوع الماضي، عدة أحداث دامية، بدأت الجمعة الماضية، بهجوم 
على  كمين في سيناء راح ضحيته 26 جنديا، ثم حادث سطو مسلح على شركة صرافة بقلب العاصمة القاهرة الثلاثاء، إلى جانب الهجوم على كمين سياحي بالجيزة؛ أودى بحياة خمسة عناصر للشرطة، صباح الجمعة، هذا مع استمرار الأمن بالقيام بعمليات التصفية الجسدية للمعارضين والقتل "خارج إطار القانون" طوال الأسبوع.

تحذير قبطي وألماني

ويأتي هجوم الغردقة بعد يوم واحد من إعلان الكنائس القبطية في مصر، الخميس، إلغاء الرحلات والمؤتمرات الصيفية حتى نهاية آب/أغسطس المقبل، لأول مرة منذ سنوات، بناء على مخاوف أمنية.

كما جاء هجوم الغردقة بعد يوم من تحذير أطلقته الحكومة الألمانية لمواطنيها، بشأن السفر إلى مصر، ودعت مواطنيها لتوخي الحذر، مشيرة لاحتمالات وقوع "عمليات إرهابية".

وحادث الغردقة ليس الأول من نوعه في الأشهر الفترة الماضية، ففي 10 يناير/ كانون الثاني 2016، اقتحم مسلحان اثنان فندق "بيلا فيستا" بالمدينة وأصابا ثلاثة سائحين (نمساويان وسويدي)، فيما قُتل أحد المهاجمين، وهو الحادث الذي ألقى بظلال سلبية على قطاع السياحة العام الماضي.

وتعيش السياحة المصرية أسوأ حالاتها منذ حادث تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، في 31 تشرين الثاني/أكتوبر 2015، وهو الحادث الذي تبناه تنظيم الدولة وراح ضحيته 224 شخصا أغلبهم سائحون روس. ومنذ ذلك الحين تفرض بريطانيا وروسيا حظرا على الرحلات السياحية إلى شرم الشيخ.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ أن عدد السائحين الوافدين إلى مصر بلغ في آذار/ مارس 654 ألفا و900 سائح، بينما كان العدد 440 ألفا 689 سائحا في آذار/مارس 2016، بزيادة نحو 49 في المائة.

فقدان الأمن

وحول تأثير مثل هذه الهجمات على السياحة في مصر، أكد أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، أشرف دوابة، أن وضع السياحة المصرية أصلا يرثى له نتيجة عوامل عديدة ومتشعبة؛ وأن من الطبيعى أن يزيد حادث الغردقة من أزمة القطاع الحيوي بمصر.

وأضاف الأكاديمي المصري، لـ"عربي21": "النظام كان ينتظر استعادة وفود السائحين من ألمانيا وروسيا وغيرهما، ولكن أعتقد أن هذا الحادث يقطع ذلك الأمل".

وقال دوابة: "تأثير حادث الغردقة يتعدى قطاع السياحة، ويطال تأثيره السلبي قطاعات الاستثمار بصفة عامة وقضايا أخرى كثيرة تمس الاقتصاد كله"، موضحا أن الحادث "يكشف أمام العالم أن مصر تفتقد للأمن والاستقرار، وهو الأمر الذي يحمل مردودا سلبيا على الاقتصاد والاستثمار والسياحة"، وفق تقدير.

"الريح والبلاط"

ويرى الكاتب والمحلل، إبراهيم فايد، أن "الحادث لن يؤثر كثيرا على السياحة، لأنها تعاني بالفعل، والأفواج الأجنبة لا تكاد تذكر"، مذكرا بالمثل الشعبي المصري "إيش ياخد الريح من البلاط"، بحسب تعبيره.

لكن فايد أوضح لـ"عربي21" أن "هذا لا يعني بساطة الحدث؛ لأنه بالفعل حدث جلل اهتزت له أوروبا بالكامل، ومراكز ومؤسسات أمنية واستراتيجية وحقوقية"، مضيفا:"إذا تحدثنا عن أزمة حقيقية هنا فلتكن أزمة أمنية بحتة".

وحمّل فايد وزارة السياحة في مصر "مسؤولية الفشل، لعدم قدرتها على الترويج لتراث مصر وآثارها (40 في المئة من آثار العالم)، فى حين أن دولا صغرى بدون حضارة ولا كنوز ولا آثار ولا تملك شيئا يذكر، أبدعت في ضخ عوامل جذب حديثة، واتبعت خططا واستراتيجيات تسويقية جذبت على أثرها السائحين"، واصفا حكومة مصر بأنها "نائمة في العسل"، وفق قوله.

المتهمون ثلاثة

وحول دلالات الهجوم الذي سبقته تحذيرات غربية من "هجمات إرهابية" محتملة، يرى فايد، أن الأمر يجب أن لا يتم حصره في إمكانية تورط تلك الدول من عدمه، لكن الاتهام الأساسي بعد توجيهه لأولئك الإرهابيين؛ يجب توجيهه لعدة مؤسسات رسمية، هي الخارجية والمخابرات والأمن".

وقال فايد إن الاتهام الأول موجه لوزارة الخارجية المصرية؛ "التي لم تتعامل أو تتفاعل مع تلك التصريحات الغربية بجدية؛ عبر سفاراتها وقنصلياتها بأوروبا"، مضيفا:  "هذا الخمول الدبلوماسي عهدناه مرارا وتكرارا وبمواقف مشابهة، ولم يتعلم الوزير سامح شكرى من الماضي، وانشغل بمطاردة ميكروفونات (الجزيرة)"، على حد وصفه.

وأكد أن "المتهم الثاني هنا هي الجهات المخابراتية التي انشغلت مؤخرا عن رصد الوضع الأمني، واكتفت بتتبع شباب الأحزاب والحركات السياسية المعارضة وشباب الصحفيين وغيرهم ممن يطالبون بمصرية جزيرت تيران وصنافير".

وقال: "المتهم الثالث هو الجهات الأمنية بسبب خططها العبثية المقتصرة - على الأغلب - في تنسيق الكمائن والمرتكزات الثابتة التي اختفت تقريبا من العالم، ما يعرض جنودنا للقنص بكل سهولة"، وفق تقديره.