قضايا وآراء

ارتفاع أسعار الوقود في مصر.. وماذا بعد؟!

1300x600
في الوقت الذي تعالت فيه أصوات رئيس برلمان الانقلاب في مصر ووزير البترول بنفي وجود أي اتجاه لرفع أسعار الوقود، تم إعلان الحكومة عن رفع أسعار الوقود ابتداء من الساعة الثامنة صباحا من يوم الخميس الماضي 29 يونيو/ حزيران 2017، وقد تراوحت الزيادة في الأسعار ما بين 55 و100 في المئة للمرة الثانية منذ 8 شهور، وذلك منذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. فحسب قائمة الأسعار الجديدة أصبح سعر لتر بنزين 80 هو 3.65 جنيهات مقابل 2.35 جنيه قبل الزيادة الأخيرة بنسبة زيادة تقدر بنحو 55.31 في المئة، وبنسبة زيادة منذ التعويم 128 في المئة. كما بلغ سعر لتر بنزين 92 أوكتان 5 جنيهات، مقابل 3.50 جنيهات بنسبة زيادة تقدر بنحو 42.85 في المئة، وبنسبة زيادة منذ التعويم 93 في المئة. وارتفع سعر لتر السولار من 2.35 جنيه إلى 3.65 جنيهات بنسبة زيادة تقدر بنحو 55.31 في المئة، وبنسبة زيادة منذ التعويم 102 في المئة. كما ارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز "الغاز المنزلي" من 15 جنيها إلى 30 جنيها بنسبة زيادة تقدر بنحو 100 في المئة، وبنسبة زيادة منذ التعويم 275 في المئة.

وهذا الارتفاع في أسعار الوقود ليس مفاجئا ولكنه كان متوقعا وإن اختلفت التوقعات في توقيت تنفيذه ونسبة الزيادة المقدرة، فالمتتبع لبيان الموازنة العامة للدولة يجد أن الحكومة ذكرت فيه صراحة اتجاهها لذلك بل والاستمرار فيه باسم استكمال منظومة ترشيد دعم الطاقة والتوسع في الدعم النقدي، وتخفيض عجر الموازنة لنسبة 9 في المئة، وعدم تحميل الموازنة  وحدها أعباء ارتفاع سعر البترول والذي تم حساب البرميل منه في الموازنة السابقة عند 40 دولارا ومن ثم حسابه في الموازنة الحالية عند 55 دولارا، وكذلك عدم تحميلها وحدها أيضا ما ترتب عن ارتفاع سعر الدولار بعد تعويم الجنيه المصري.

وكل هذه الأسباب تصب في سبب واحد هو تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي للحصول على الشريحة الثانية المتأخرة من الصندوق والتي تقدر بـ 1250 مليون دولار ضمن قرض الـ 12 مليار دولار. وهذا الأمر ليس جديدا في ظل سياسة العسكرة التي لا قيمة للمواطن فيها، والتي ينحصر كل همها في تجميل شكلها أمام دول العالم النافذة والمؤسسات الاقتصادية الدولية المرتبطة بها مع استخدام القوة الخشنة لإسكات شعبها. فالقوة العسكرية الخشنة في نظرة العسكر هي القوة الدافعة لتنفيذ تلك القرارات ومن يعترض فالسجون مفتوحة ووسائل القهر والتعذيب موجودة، وعقيدة الصدمة هي الحاكمة للمواطن حتى يكون لسان حاله الترحم على الصدمات السابقة من كثرة وقوة الصدمات اللاحقة. فهو لا يملك إلا الاستسلام في ظل نظام استبدادي لا رأي له في اختيار حاكمه، ومن ثم فمن يحكمه يفعل ما يريد لأنه يرى أن الملك بيده والقوة الباطشة تحت أمره فلا قيمة لكلمة أو كرامة شعب عنده، فليخضع هذا الشعب لأوامره ولا سبيل للرشاد إلا سبيله المليء بالظلم والطغيان.

لقد خرج السيسي على الشعب المصري في 20 يونيه/ حزيران بقراراته التي سماها قرارات الحماية الاجتماعية بنحو 75 مليار جنيه ممثلا في زيادة للعلاوات بـ 14 مليار جنيه والمعاشات بـ 25 مليار جنيه والدعم النقدي للفرد على بطاقات التموين بـ 32 مليار جنيه والدعم النقدي لمستحقي برنامج تكافل وكرامة بـ 4 مليارات جنيه، وقد جاء قرار رفع أسعار الطاقة ليأكل ما وعد به السيسي قبل أن يجد طريقه محل التنفيذ فما أعطاه باليمين أخذ أضعافه بالشمال. وما قيمة ما صرح به وزير البترول بأن قرار رفع أسعار الوقود وفر للموازنة من 35-40 مليار جنيه، وهو يلهب بقراره هذا ظهور الفقراء ويدمر ما تبقى من أركان الاقتصاد!!

إنه بمعادلة رياضية بسيطة نجد أن انخفاض سعر البترول العالمي هو محل تحقيق وفورات للموازنة المصرية كان من الأولى أن يستفيد المواطن بها، حتى ولو بتثبيت النظام لأسعار الطاقة في ظل تضخم تعدي نسبة 30 في المئة، فمن المتعارف عليه أن واردتنا من البترول تفوق صادرتنا حيث تبلغ الواردات البترولية أكثر من 60 في المئة من إجمالي الواردات والصادرات البترولية معا، ومع انخفاض سعر برميل النفط من 106 دولارات في عام 2012 إلى 45 دولارا حاليا يعني بالطبع مزيدا من الوفورات.

إن البيانات الحكومية تكشف أن نسبة دعم المواد البترولية بلغت 64 في المئة من إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في العام المالي 2011/2012 وانخفض في موازنة 2017/2018 إلى 33 في المئة. ومع ذلك نجد من يتغنى بأن هذا ضروري في ظل وجود أسعار حرة للوقود في دول أخرى في مقدمتها تركيا ناسين أو متناسين أنه لا وجه للمقارنة بين دخل الفرد في مصر ودخله في هذه الدول، فأولى للنظام قبل زيادة أسعار الوقود وغيرها أن يرفع من دخل المواطن ليكون كمثيله في تلك الدول وترك النظر بعين واحدة إلى ارتفاع الأسعار دون النظر بالعين الأخرى إلى حجم الدخول.

إن ارتفاع أسعار الوقود يعني الارتفاع في جميع أسعار السلع والخدمات الأخرى لأن السلع بطبيعتها ترتبط ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بالوقود، كما أن هذا الارتفاع وغيره من الارتفاعات المتوالية في الخدمات لاسيما في أسعار الكهرباء ونحوها يؤدي إلى انخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين، فضلا عن انخفاض الصادرات لارتفاع تكلفة السلع المصرية مقارنة بغيرها من السلع الأجنبية، وفي المقابل الاتجاه لزيادة الواردات، وهو الأمر الذي يزيد من الضغط على الدولار وبرفع من سعره. كما أن ذلك يزيد أيضا من تكلفة الاستثمار وهروب المستثمرين ومن ثم تحقيق المزيد من البطالة، ومع اتجاه النظام لرفع سعر الفائدة للحد من مخاطر التضخم فإن هذا الوضع سيؤدي حتما لمزيد من الركود التضخمي، وكل ذلك ينعكس في نهاية المطاف في زيادة نسبة الفقراء وارتفاع الضغوط الاجتماعية التي لا مناص في نهايتها من الانفجار.