كتاب عربي 21

اليوم معك وغدا لا تعلم مع من سيصطفون

1300x600
لا جدال في أحقية كل دولة كاملة السيادة في اتخاذ جميع الخطوات التي تراها سبيلا لصيانة أمنها الداخلي أو توسيع نفوذها الإقليمي أو غيرها من الطموحات التي تبقى مشروعة في عالم يسير بمنطق القوة والتحالفات.  لكن أن تُجمع عدد من الدول العربية فجأة على كشفها دولة تستهدف أمنها الداخلي وتدعم الإرهاب، مندسة بين ظهرانيها في التعاون الخليجي والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، فهذا مدعاة للاستغراب.

منذ بدء الحملة الإعلامية الموجهة ضد دولة قطر على إثر التصريحات المفبركة المنسوبة لأمير البلاد، كان منتظرا أن تتطور الأمور في اتجاه الأسوأ لولا بعض الارتكاز على حكمة وبعد نظر من بيدهم الأمر. الواقع أثبت أن الحكمة نُحيت إلى الجانب وفُتحت الأبواب للغة التهديد والوعيد بل التشفي والشماتة في شهر الغفران. والنتيجة أن دولة قطر تعيش على وقع ضربات تتوالى من الأشقاء في وقت يكتفي فيه "الأغراب" بالفرجة على ملحمة معاصرة من ملاحم الصراع العربي-العربي.

فلاش باك...

في شهر فبراير من العام 2015، ندد مجلس التعاون الخليجي بالتصريحات التي أطلقها مندوب مصر الدائم في جامعة الدول العربية يتهم فيها دولة قطر بدعم الإرهاب، ووصفها بأنها "اتهامات باطلة تجافي الحقيقة وتتجاهل الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف على جميع المستويات".

في شهر ديسمبر من العام 2016، أعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن انزعاجها من الزج باسم قطر في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة في مصر، باعتباره "أمرا مرفوضا"، في بيان أصدره الأمين العام للمجلس الذي أكد على "ضرورة التواصل في مثل هذه القضايا الأمنية، وفق القنوات الرسمية لتحري الدقة، قبل نشر بيانات أو تصريحات تتصل بالجرائم الإرهابية، لما في ذلك من ضرر على العلاقات العربية-العربية". وأضاف البيان أن "موقف دول مجلس التعاون جميعها من الإرهاب ثابت ومعروف".

لا يمكن للمتتبع لمسار تطور الأحداث أن يدعي فهما واضحا لما آلت إليه العلاقات بين مختلف الأطراف بين التواريخ تلك بالشكل الذي يبرر الإقدام على تحرير صك اتهام ثقيل في مواجهة قطر ملخصه: "احتضان جماعات إرهابية وطائفية من إخوان وقاعدة وداعش، والترويج لأدبياتها ومخططاتها ودعم نشاطات تلك الجماعات الإرهابية على جميع المستويات وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين والمطلوبين أمنيا على أراضيها".

لكن الأكيد أن الغرب في اتهامه للمسلمين بالإرهاب لا فرق لديه بين قطر والسعودية وبقية البلدان. النخبة السياسية والثقافية الغربية لا تبدأ الحديث عن دعم الإرهاب بتوجيه التهمة للقطريين بل تسبقه دوما بالإشارة إلى المملكة العربية السعودية قبلا، ومعها كثير من "النخب" العربية التي تعتبر الوهابية مصدرا لكل الشرور. الربط بين العربية السعودية والإرهاب ظل دوما مثار مزايدات أخذت زخما أكبر خلال الانتخابات التي شهدتها الدول الغربية في السنوات الأخيرة على وقع تنامي ظاهرة الإرهاب ونقله المعركة إلى أراضيها. فالخليج عند الغرب وحدة كلية لا قنافذ ملساء فيه. والسعي لإثبات تهمة الإرهاب على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي سلاح سيرتد لا محالة على البقية ولو بعد حين. وقتها ستنضب الآبار وستقل الموارد وتستنزف المدخرات صرفا على الأسلحة أو تعويضات على ما اقترفت أيادي الإرهاب وفق قوانين جاهزة لا تحتاج إلا لتوقيع لن يتأخر طويلا.

في فيلم (الذهب الأسود – 2011) للمخرج جان جاك آنو، يسأل الأمير العربي نسيب ابنه طارقا.

الأمير نسيب: أهناك أسوأ من أن تكون ملكا فقيرا؟ لا أملك زراعة أي محصول هنا أو تصدير شيء. لا أستطيع تحويل حبيقة لمركز تجاري.. في الواقع، أن تكون عربيا معناه أنك مجرد "خادم" في ولائم العالم.

وفي داخل إحدى غرف قصر عمار، أمير سلمة، في نفس الفيلم، يدور حوار بين الأمير وابنه عودة الذي جاءه مبعوثا من غريمه الأمير نسيب. عودة وأخوه كانا وهما صغيرين جزءا من اتفاق هدنة بين الأميرين جعلهما "رهينتين" في قصر نسيب.

الأمير عمار: يا بني.. كل ما تراه في هذه الغرفة تملكته بالدم أو الحب ولم أتملكه بالمال. كل ما يمكن شراؤه بالمال لا قيمة له.

عودة: أبي.. لقد جئت لتحذيركم. يملك نسيب جيشا مدربا على طول طريق الشمال مجهزا بأسلحة حديثة. ثروته تنمو دقيقة بعد أخرى. لقد استطاع ضم قبائل الجنوب إليه.

الأمير عمار: في المرحلة التي كان فيها نسيب فقيرا، كان أيضا يوفر المال لاقتناء السلاح. اعلم يا بني أن كل من يحصر إيمانه في السلاح جندي فاشل لا قيمة له. أما قبائل الجنوب فمستعدة لتغليب حضور عرس عن القتال عند بدء الحرب.

هكذا يرانا الآخر وتلك ما تختزنه مخيلة العالم عن منطقة منحها الله أكبر ثروة طبيعية فتحولت مع مرور العقود إلى نقمة جعلت الأمم تتكالب عليها لتحول أراضيها إلى ساحات حرب لا تنطفئ نيرانها حتى ينفخ السيد الأمريكي فيها من جديد.

الذهب الأسود مجددا..

في وقت كان فيه الأمير عمار منشغلا بتوقيف العمل في الآبار البترولية التي حفرها الأمريكان على أرض (الممر الأصفر)، الذي جعله اتفاق الهدنة بينه وبين الأمير نسيب منطقة محايدة لا تنازع عليها، وصلت طلائع قوات ابنه عودة وفق الخطة المتفق عليها قبلا.

الأمير عمار: الحمد لله.. ظننتك هلكت في الصحراء. وصلتني إشاعة عن ضمك بعضا من قبائل الجنوب لصفوفك.

عودة: بل كل قبائل الجنوب.

يصعق الأمير أن عمار ونسيب، الواقف بعيدا عنهم، بحجم القوات التي تهتف باسم عودة باعتباره المهدي.

الأمير عمار: ما الذي تخطط له؟

عودة: الاستيلاء على الممر الأصفر.

الأمير عمار: لا يمكنك ذلك. لقد اتفقت مع الأمير نسيب.

عودة: لا تملك ذلك الحق. الممر الأصفر ليس ملكا لك.

الأمير عمار: ومن يملكه إذن؟ أنت؟

عودة: بل هؤلاء من يملكونه (يشير لأفراد القبائل).

الأمير عمار: وهل تتطلع لبناء نظام جديد مع أمثال هؤلاء الجنود؟ هم اليوم معك وغدا لا تعلم مع من سيصطفون.

عودة: المهم أنهم اليوم مستعدون للموت من أجلي.

الأمير عمار: وبعد مماتهم، ماذا ستفعل؟ هل تعتقد أن الأمريكان سيستسلمون لإرادتك؟

عودة: سأنجز المطلوب. سأبني مدارس ومستشفيات.

الأمير عمار: نسيب يفعل الشيء نفسه. الأجانب يعاملوننا كالمحظيات ويرمون إلينا بالمدارس والمستشفيات كأنها حلي. لن يرحلوا أبدا. سيعودون بأعداد أكبر وأكبر وسيحفرون آبارا بالآلاف لأنهم يعانون من عطش لن ينطفئ أبدا. وإن قرروا يوما الرحيل لن نعود نحن كما كنا ولن نعرف أنفسنا.

كان هذا حوارا متخيلا عن مجتمع الجزيرة العربية في ثلاثينيات القرن الماضي.

في العام 2017 بدأت نبوءة الأمير عمار تتأكد حتى قبل أن يرحل الأمريكان.