مقالات مختارة

حجبوك فقالوا

1300x600
إذا صح أن في مصر 23 موقعا إلكترونيا تدعم الإرهاب والتطرف وتدعو إلى العنف إلى جانب تعمد نشر الأخبار الكاذبة، فذلك يعني أحد أمرين، إما أنها بلا قيمة ولا وزن بدليل أنها لم تحرك شيئا في المجتمع المصري، أو أن مصر بسببها في الطريق إلى استنساخ النموذج الصومالي أو الأفغاني، وهو ما تستبعده وتنفيه شواهد الواقع. وإذا صح ذلك فمعناه أن ثمة أسبابا أخرى لإصدار القرار الذي نشرته الصحف المصرية يوم الجمعة 26 مايو منسوبا إلى مصدر أمني بوزارة الداخلية.

تساعدنا عدة قرائن في تحري تلك الأسباب الأخرى. من ذلك مثلا أن المواقع التي تم حجبها ليست ذات طبيعة واحدة. فبعضها مواقع لصحف قطرية حجبت من باب الكيد السياسي، والبعض الآخر مواقع لقنوات وعناصر إخوانية معارضة مقيمة بالخارج. البعض الثالث والأهم لصحف مرخصة تصدر في مصر، أو لشركات صحفية تنشط في الداخل بشكل قانوني. مشكلتها أنها مواقع مستقلة ليست لها صلة بالكيانات السياسية المصرية. كما ظهر في قائمة الممنوعين اسم الموقع الرسمي لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومي ــ (إي جي نيوز)، الأمر الذي يعني أن الأمر لم يدرس جيدا.

إذا فهمنا الدوافع السياسية التي أدت إلى حجب مواقع الصحف القطرية والمواقع الإخوانية، فإننا لا نفهم سببا منطقيا لإدراج المواقع المصرية المستقلة أو المواقع الاقتصادية المتخصصة. وهو ما يدعونا إلى القول بأن الزوبعة الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج دفعت السلطات المصرية إلى التعبير عن التضامن مع بعض أطرافها من خلال حجب مواقع الدولة المشتبكة معها. في الوقت ذاته فإنها انتهزت الفرصة لكي تضم إلى القائمة المواقع المصرية غير المرضى عنها، لا لشيء سوى أنها مواقع مهنية ومستقلة، لا تتلقى التعليمات وخارجة على سيطرة أجهزة التوجيه المعنوي.

على صعيد آخر فإن السياق الذي تم فيه الحجب يوفر قرائن إضافية. إذ إلى جانب حملة التحريض التي تحركها الأجهزة الأمنية وتقودها الصحف القومية ضد المواقع المستقلة (الحملة لها صداها داخل أروقة مجلس النواب)، فإننا نلاحظ مؤشرات عدة تدل على تزايد سيطرة السلطة على المجال العام. تبدى ذلك في بسط تلك السيطرة على القنوات التليفزيونية، وفى تشكيلات القطاع الإعلامي وتعديل قانون السلطة القضائية وأخيرا في إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذي يجعل مصيرها مشروطا بإجازة الأجهزة الأمنية. وحين يتزامن ذلك مع حملة اعتقال النشطاء وإجراءات قمع العمال المضربين، فإن حجب المواقع المذكورة يغدو حلقة في السلسلة التي يبدو تقييد الحريات العامة قاسما مشتركا بينها، والصلة بينها وبين ترتيب الأوضاع قبل الانتخابات الرئاسية القادمة أمرا غير مستبعد في نظر البعض.

إذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما قيل عن دعم المواقع التي تم حجبها للإرهاب ودعوتها للعنف يبدو غطاء للحقيقة، يستلهم خطاب المرحلة الذي يتذرع بمكافحة الإرهاب لقمع المستقلين وتصفية المعارضين وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. أما الحقيقة فتتمثل في سياسة استكمال تشديد القبضة وتقييد الحريات العامة، ومنها حرية التعبير، بحيث لا يسمع إلا الصوت المرضى عنه، وهو ما يدخلها في مرحلة «لا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة».

لا أستغرب موقف أبواق الأجهزة التي احتفت بالحجب وبررته وانتقدت تأخير تقريره، لكنني استغرب موقف نقابة الصحفيين التي يفترض أن تكون حاملة لواء الدعوة إلى حرية التعبير ورفض الحجب والمصادرة وكل صور تكميم الأفواه. ولا تسأل عن العناصر «الليبرالية» واليسارية التي نسيت قيمها ومبادئها وانضمت إلى مواكب التصفيق والتهليل.

الشروق المصرية