كتاب عربي 21

السيسي: داهية أم عبيط؟

1300x600
بينما العالم مشغول بالمناظرة بين المرشحين للرئاسة الفرنسية ماكرون ولوبان، اختلفنا أنا وصديقي بشأن السيسي، ولم يكن بنا شك لواقف أنه انقلابي. صاحبي يرى أنه رجل من أمكر الناس، وأنا أجزم أنه عبيط ودُهل، وأقسم بالله تاني على ذلك.

استشهد صديقي بمكر السيسي في الإيقاع بمرسي وبالشعب المصري، وفي كسب قلوب الدول العظمى، فنال رضاها، ونال الشرعية الدولية، وباعته فرنسا الرافال، فاشتراها بالدين الربوي، وباعته روسيا الغواصات، كما يباع القَطْر للصعيدي، وخرم الرجل الجنيه، حتى إن المواطن المصري يكاد يبل الجنيه ويشرب ميته، مع العيش.

 واستشهدت بخطاباته وأفيهاته، فالرجل أضعف من شعبان عبد الرحيم الأمّي في صياغة الجملة والتعبير باللهجة المصرية، إنه عيي، كأنه يسأل عن عيل تائه، ويحتاج إلى مترجم، أو إلى مساعد بطل، أو الاتصال بصديق، كي يجعل منه بطلاً، مثل الصحفي إبراهيم عيسى، فيتدخل عندما يصمت الرئيس عاجزاً عن صياغة مكنونات صدره المحتوي على الكثير من الحب للرز والبترول: الصمت ده لوه معنى!

ثم شرد بي طائر الخيال وهيلوكوبتر الفكر إلى مناظرات الرؤساء في الغرب، فالمناظرة تقليد ديمقراطي أساسي من شعائر الإعلام والسياسة، تجلو عقولهم وتكشف أفكارهم، لم ير العرب في بلادهم من خليج العطش إلى محيط النار، إلا مناظرتين، الأولى كانت بين عمرو موسى وأبي الفتوح، ولم تكن مناظرة قمة.  ومناظرة موريتانية بين سيدي ولد الشيخ محمد عبد الله وأحمد ولد دادة في آذار 2007؛ فاز ولد الشيخ، ثم أطيح به في انقلابٌ عسكري زي الفل.

يقال كله عند العرب صابون، الصابون هو الانقلاب العسكري الذي يغسل الحضارات ويزيدها وسخا.
 
وكان الكاتب الصديق فيصل خرتش يتحسر في قصصه على مثقف يائس يحل ألغاز الكلمات المتقاطعة في المقهى، ويبحث عن اسم رئيس عربي سابق، فيخرج البصر خاسئاً وهو حسير.

وكان المنصف المرزوقي قد رمى القفاز في وجه السبسي، داعياً إياه إلى مناظرة يشيب لها شعر التاريخ، ويقول: "هرمنا"، لكن السبسي الذي بلغ من العمر عتيا، وباتت تخونه الذاكرة ويخونه العقل، لاذ بالفرار، وقال بازدراء: "مناطحة أكباش".  المناطحة تقليد غربي ديمقراطي، فلمَ تقلّدون العلوج في كل شيء؛ تقبيل أيدي النساء، وتربية الكلاب، وصناعة صناديق ديمقراطية مغشوشة، وتكفرون بهذا التقليد، وهو أحق أن يتبع، ساء ما تحكمون.

وتحدّى معاذ الخطيب بشار الأسد، ورمى جرابه في وجهه، لكن الظالمين في ضلال مبين.

في القرآن الكريم مناظرات بين الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى، وبين أخس خلقه إبليس، وتزخر قصص الأنبياء في القرآن بالمناظرات، منها مثلا: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ".. وكانت المناظرات تعجيزية، فكل المناظرين يطلبون معجزات، ويزدادون كفراً بعد الإتيان بها، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا، لكن الرئيس العربي الفائز بنسبة 99 بالمائة، لا يحب الجدل، حتى يتفرغ إلى المقاومة والممانعة، فجميعهم يحبون المقاومة في الفراش، والممانعة تحت ظلال الزيزفون. 

وفي السيرة النبوية آلاف المناظرات، نذكر منها مناظرة وفد بني تميم، في عام الوفود، لما انتهى حسان بن ثابت من قصيدته، الأقرع بن حابس، -وهو الموصوف بالأحمق المطاع في المأثور-: إن هذا الرجل لَمُؤتَّى له، خطيبهم أخطب من خطيبنا وشاعرهم أشعر من شاعرنا، ثم أسلموا. وفي هذه الحادثة نزلت الآية الكريمة: "إنّ الذينَ يُنادونَكَ من وراء الحُجُراتِ أكثرُهُم لا يعقلون"، ووفد نجران الذي خشي من المباهلة ورضي من الغنيمة بالإياب.

وتمتلئ كتب التاريخ العربي بالمناظرات بين الخلفاء وبين خصومهم، أو بينهم وبين ضيوفهم، وقد أفرد المؤرخون كتباً للأجوبة المسكتة، أسكت فيها خاصةُ الناس وعامتُهم الخلفاءَ، فسكتوا، وأُفحموا، لكن السيسي لم يرض بمناظرة حمدين صباحي، الذي كان قد سِعد بانقلابه على زميله مرسي آملاً بالرئاسة، فقال له قولةً يخجلُ قائلها: " يا سيسي يا سيدي "، فأقام الحجة على نفسه، وخسر خسراناً مبيناً، فقد لحق بسجع الكلام وشدو الكرسي، فخسر كل شيء، وهنالك خسر المبطلون.

تخيّل بخيالك العلمي، أو بخيال الواقعية السحرية، لو أن السيسي واجه حمدين صباحي، والفرق بين العقلين كالفرق بين القبقاب والطربوش. أما الكرامة وحزب الكرامة، فسلم لي على جوزك يا إسماعيل بيه. المناظرة مؤشر على الديمقراطية، لكن الديمقراطية في بلادنا مثل عود الكبريت، يحرقه أول سؤال للرئيس من أجل سيجارته.

وتخيل عزيزي القارئ لو جرت مناظرة بين بشار الأسد وميشيل كيلو مثلاً، لكن الرئيس البسكويت، لا يجرؤ على النزال إلا من وراء حجاب، من المحللين وسدنة الإعلام. الرئيس لا يرضى بالحال البشرية، فكله عورات، وتاريخه دم، لكن له الكثير من المال والسلطان، يشتري به أكبر العقول وأكثرها جدلاً لتدافع عنه، ومنهم رجال ألسنتهم أحد من السيف، وحججهم أقوى من حجج الشيطان، حلم الإمساك بهم، كالإمساك بالسمكة، واليد مرغاة بالصابون، ينكرون في الليل ما قالوه صباحاً، وكلام الليل يمحوه النهار، فالمحللون – التيوس المستعارة-  يعملون "دوبليرات"، يردّون عن الرئيس السهام.

الرئيس المصري يظهر أحيانا، ويتصل بالفضائيات المصرية بين الفينة والأخرى، ولا يخجل من عقله، فالشقي يسعد بعقله، فيظهر علينا يومياً من غير ورقة توت، أما الرئيس السوري، فلا يخاطب سوى الجمهوري الغربي، فالجمهور السوري تحت السيطرة التامة، وهولا يريد سوى الشرعية الخارجية.
الغرب مصدر السلطات الدستورية القضائية والتشريعية والتنفيذية.

عوداً إلى السؤال الأول، والعود أحمد عمر: السيسي داهية، أم في ستين داهية، أم عبيط؟

 الجواب: عصا السلطان السحرية تجعل القرد في عين أم الدنيا غزالاً.