قضايا وآراء

الموقف الإيراني من وثيقة حماس

1300x600
شهدت إيران نقاشات ساخنة حول الوثيقة التي أصدرتها حركة المقاومة الإسلامية حماس يوم الإثنين الماضي، ليس بعد إعلانها رسميا فحسب، وإنما بعد تسريب قناة الميادين نسخة عنها قبل فترة، فتواصلت النقاشات واحتدت بعيد المؤتمر الصحفي لرئيس المكتب السياسي للحركة إلى يومنا هذا. 

بالرغم من عدم صدور موقف رسمي من الخارجية الإيرانية حول الوثيقة، إلا أن ما صدر من تحليلات وتعليقات من مقربين من دوائر صنع القرار الإيراني خلال الفترة الأخيرة منذ التسريب إلى ما بعد الإعلان الرسمي، يكفي لاستكشاف موقف إيران في هذا الخصوص. من خلال هذا التقصي تبين أنه ليس هناك موقف موحد تجاه الوثيقة، وهذا بالدرجة الأولى يعود إلى المنطلقات الفكرية والسياسية للنخبة السياسية الإيرانية، الحاكمة او المحكومة، فهناك من حكم على الوثيقة وفق منطلقات ثورية مثالية أوصلته إلى نتائج مختلفة عن تلك التي وصل إليها من انطلق في تحليلاته من الواقعية السياسية. 

قدمت النخبة الإيرانية قراءتين للوثيقة، الأولى أن حركة حماس ابتعدت عن مبادئها وثوابتها وأن الوثيقة الجديدة تختلف اختلافا جذيرا عن ميثاق الحركة في الثوابت والتوجهات واللغة، والقراءة الثانية أن حركة حماس لم تغير من أهدافها الأساسية وثوابتها، وإنما غيرت من لهجتها ولغتها وأساليبها لتحقيق تلك الأهداف. 

واللغة التي اتبعها النخبة في نقاشاتهم كانت تتراوح بين النقد الموضوعي الحيادي، والانتقاد اللاذع التجريحي.

البند العشرين في وثيقة حماس وتناوله موضوع الموافقة على تشكيل الدولة الفلسطينية على حدود 1967 نال أكبر قسط من نقاشات النخبة الإيرانية، إضافة إلى عدم ذكر انتماء حركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين.

في تناول هذين الموضوعين، ذهب المعارضون للوثيقة إلى أن القبول بالدولة الفلسطينية على أراضي 1967 عمليا يعني تبني حل الدولتين، والاعتراف بإسرائيل رغم تأكيد الوثيقة على عكس ذلك، والانتقال من فصيل مقاوم إلى حزب سياسي، والدخول في مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. 

ومن ناحية أخرى، وحول دوافع حماس من إصدار هذه الوثيقة، طرحت النقاشات المحمومة، جملة أسباب ودوافع، أهمها: الرضوخ للضغوط العربية، ولاسيما السعودية، والقطرية، والتركية، والمصرية، وتطورات الربيع العربي ومآلاتها المأساوية، والبحث عن مشروعية إقليمية ودولية، والسعي لتحقيق الشراكة والمصالحة مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ومواكبة متطلبات المرحلة الراهنة، و...الخ. 

كما أشرنا آنفا لم يصدر حتى اللحظة موقف إيراني رسمي تجاه الوثيقة، وأعلى مسؤول إيراني تحدث عنها، كان مستشار القائد للشؤون الدولية رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام "علي أكبر ولايتي"، ففي رده على سؤال حول الوثيقة، أدلى ولايتي بتصريحات اتسمت بالدبلوماسية الحيادية الإيجابية، والرجل لم يتخذ موقفا من الوثيقة سلبا أو إيجابا رغم إشادته بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، واعتبارها حركة جهادية "مهمة جدا" بذلت جهودا مقاومية جبارة. 

حول الوثيقة، قال ولايتي إنه "من الواضح إذا كانت الوثيقة المنشورة تخدم الوحدة الفلسطينية وفصائل المقاومة، ولا تجيز أي تسوية مع الكيان الصهيوني وتعزز المقاومة، فالجمهورية الإسلامية دائما دعمت نضال الشعب الفلسطيني".

كما ربط اتخاذ موقف واضح من الوثيقة، بالاستماع إلى فصائل فلسطينية، حيث قال: "يجب أن نستمع إلى آراء بقية الفصائل مثل الجهاد الإسلامي".

متابعة فحوى الكتابات والنقاشات في إيران حول وثيقة حماس تظهر أن دوافع متناولي الموضوع لم تكن موحدة بل كانت مختلفة، وأحيانا متعارضة بتفاوت الانتماءات السياسية والحزبية والفكرية. 

يمكننا اختصار تلك الدوافع في ثلاثة عناوين رئيسة، هي: 

1ـ الحرص على المقاومة والقضية الفلسطينية، والقلق على مصير حركة حماس وسلوكها مسار خاضته حركة فتح، اعتبروه مدمرا ومؤخرا لتحرير فلسطين. هذا الدافع كان يظهر بشكل أكبر في تحليلات المحلليين المقربين من المحافظين المعتدلين والإصلاحيين المعتدلين، ورغم أن تحليلات أخرى لناشطيين محسوبين على مدرسة المقاومة الثورية كانت تستحضر قضايا لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالوثيقة، إلا أن هذا الحرص على حماس وتاريخها كان حاضرا بين ثناياها.

ثم إن أصحاب هذا الدافع أبرزوا تأكيدات حماس على التمسك بفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وعدم الاعتراف بإسرائيل، والالتزام بالمقاومة، ورفض اتفاقية أوسلو. وفي هذا السياق نظروا إلى البند العشرين المتعلق بالقبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. وإن كان لهم انتقادات لهذا البند، إلا أنهم حاولوا تبريره من خلال التركيز على البنود الأخرى. 

2ـ استحضار خلافات قديمة مع حركة حماس وعلى وجه الخصوص موقفها من الأزمة السورية، حيث كان ذلك حاضرا في كثير من المقالات والتعليقات. لعل تكاد تخلو التعليقات والتحليلات المهاجمة للوثيقة من استذكار الخلافات مع حركة حماس، وبالذات قضية خروج قيادتها من سوريا، حيث ربطت هذه التحليلات بين ما وصفه أصحابها بتراجع حركة حماس وانسلاخها عن مبادئها وبين الخروج من "سوريا المقاومة"، والارتماء في أحضان من وصفوهم بأعداء المقاومة والمتسابقين على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. 

غالبا ما كان ينظر هؤلاء إلى الوثيقة من خارجها الإقليمي الخلافي وليس من داخلها النصي الموضوعي، وكما قال ناشطون إيرانيون منتقدون لهذا التوجه، هم كانوا ينظرون إلى وثيقة حماس بمنظار سوري أو إقليمي. أي من منطلق الخلافات مع حماس حول القضية السورية، ومع قوى ودول إقليمية. 

3ـ تصفية حسابات سياسية داخلية.. 

المفارقة أنه في النقاشات التي جرت حول وثيقة حماس، تم إقحام هذه الوثيقة في الحسابات السياسية الداخلية، وهذا برز أكثر في تعليقات المعارضة الإيرانية، ولاسيما في الخارج، حيث حاولت من خلال الترويج لما اعتبرته تنازلات حماس عن فلسطين التاريخية، إحراج النظام الإيراني بكل مؤسساته الإصلاحية والأصولية، والأطراف المعروفة بدعم المقاومة، واتهامها بالفلسطينية أكثر من الفلسطينيين.

بالمجمل، منذ سنوات ولاسيما بعد خروج قيادة حماس من سوريا، ينتاب القيادة الإيرانية القلق من احتمال أن تكرر حماس تجربة فتح، وهذا ظهر جليا في تصريحات لقائد الثورة أكثر من مرة، حذر فيها المقاومة الفلسطينية من محاولات جرها إلى مسار التسوية. وأكد آية الله الخامنئي في المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية في طهران، المنعقد في 22 فبراير الماضي أنه "إذا ألقى فصيل مقاوم الراية أرضا فإن فصيل آخر سيخرج من داخل الشعب الفلسطيني بالتأكيد وسيرفع تلك الراية".

خلاصة القول، إنه يستبعد أن تلقى وثيقة حماس قبولا كبيرا لدى أتباع المدرسة الثورية المحافظة في إيران وناشطيها ومؤسساتها، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، حتى لو كانت عندهم قناعة بأن حماس لم تغير أهدافها وثوابتها، فعند الحرس الإيراني يبقى الخطاب الثوري لميثاق حماس هو الأكثر قبولا وتفضيلا، والأقرب إليه من خطاب الوثيقة السياسي.

أما مدرسة الدولة ونخبتها وناشطيها الإصلاحيين، يسهل عليهم استيعاب الوثيقة الجديدة لحماس وخطابها السياسي، حيث أن خبراء مقربين للخارجية الإيرانية، كان لهم تعليقات موضوعية، دافعوا من خلالها عن وثيقة حماس. وهذا كان واضحا من خلال رفضهم الهجمات على الحركة في بعض شبكات التواصل. حيث اعتبروا أن موضوع قبول الحركة بتشكيل الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ليس جديدا، وإنما هو مشروع قديم حديث، وأن حماس حركة مقاومة لها تاريخ مشرق في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي ما يتعلق بآثار الوثيقة على مستقبل العلاقة بين إيران وحماس، لا يتوقع أن تشكل الوثيقة عائقا أمام تطوير العلاقات، خاصة وأن إيران تنتظر أن تختار حماس قيادتها الجديدة لمعرفة وجهة سياساتها وتوجهاتها خلال الفترة المقبلة.