قضايا وآراء

"رصاصة" ترامب في قلب العلمانية

1300x600
الرئيس الأمريكي المثير للجدل، والمحرك لصفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام؛ بقراراته وتصرفاته التي تخالف من سبقوه، دونالد الغريب وترامب العجيب، يصدر اليوم قرارا من المنتظر أن يدوي صداه العالم وخاصة شقه العلماني الذي قامته ثورته العلمانية على مبدأ فصل دينه عن سياسته.

الرئيس الأمريكي وقع اليوم قرارا تحت مسمى "حرية التعبير والدين"، ومفاده أنه تم السماح من خلاله لرجال الدين والمؤسسات الدينة بممارسة السياسة، بعدما ظلوا محرومين منها، حيث تفرض الضرائب في الولايات المتحدة الأمريكية على كل رجل دين يفكر بالاشتغال بالسياسة.

تداعيات هذا القرار لن تقف عند البيت الأبيض لوحده، فمن المتوقع أن يحدث القرار ضجة عالمية وانتفاضة لرجال الدين في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وفي ولايات عالمية أخرى.. فالولايات المتحدة الأمريكية، حسب دستورها، هي دولة علمانية، وترفض خلط الدين بالسياسة، أو على الأقل تتظاهر بذلك أمام حلفائها الأوربيين الذين صدّروا لها ذالك النموذج العلماني الذي بدأوه في عصرهم التنويري، إبان ثورتهم خالدة الذكر. وكانت فرنسا سباقة في إبعاد الكنيسة عن الدولة، تحت مسمى اللائكية، ثم تلتها بقية العواصم الأوربية الأخرى من لندن إلى ميونيخ، قبل أن تستورد أمريكا الفكرة في خمسينيات القرن الماضي وتطبقها بداية من السبعينات إلى يومنا هذا، رغم طبيعة المجتمع الأمريكي المسيحي المتدين بطبعه.

يتساءل سائل اليوم: ماذا لو نجح رجال الدين الأمريكيون في الوصول إلى السلطة، وملكوا مفتاح البيت الأبيض المؤدي طبعا لسيادة العالم؟ بأي وجه ستواجه الولايات المتحدة التيارات الدينية الأخرى؟ وكيف ستقنع بقية العالم بأنها تقدم نموذجا ديمقراطيا فريدا تكون السياسة فيه هي المتحكمة والنافذة، ويُسمح فيه للجميع بالتعبير عن آرائهم، ويحترم فيه الدين ويقدس دون أن يتدخل في الحكم؟

وكيف سيتلقى أباطرة وفلاسفة العلمانية العربية والأوربية هذا القرار؟ وكيف يستطيعون الدفاع عنه، وقد كان يؤرقهم ما سمي ذات يوم بـ"الإسلام السياسي"، وتياراته ومعاركه وانقلاباته، بدءا من عشرية الجزائر السوداء، ومرورا بأحزان القاهرة اليوم. وأما القارة العجوز، فقد ذاقت من الحروب الدينية الويلات، وتلك فرنسا ذاكرتها لم تمح من حروب الكنائس وأباطرتها.

فلم يستفق المحللون من فوبيا ما سمي بـ"الإسلام السياسي" وصراع الأديان والحضارات الذي قيل أن العالم يعيشه اليوم، حتى جاءهم ترامب بالنموذج المسيحي السياسي وفي دولة تعد الأقوى في العالم، وينظر إليها كأم للديمقراطية ومدافعة عن العلمانية في العالم، وحتى وإن كانت أظهرت بعض الود لبعض التيارات الدينية، إلا أنها لم تتقبل وجود نظام إسلامي في الحكم.

ترامب أطلق رصاصة في قلب العلمانية في أمريكا وبقية المدن العالمية، وجعل من نبوءات الرئيس الأسبق بوش، والذي توقع ذات يوم، في أحد أشهر خطبه حين اجتمع بصحفيين وكتاب ومحافظين أمريكيين؛ أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية صحوة دينية ثالثة، فإذا بترامب يحولها إلى استفاقة، وربما ثورة دينية لرجال الدين والمؤسسات الدينية ستكون بدايتها واشنطن ونيويورك ولن تقف قطعا هناك.

قرار الرئيسي الأمريكي من المتوقع أن يشكل ضربة موجعة لكل علمانيي العالم، ولدعاة فصل ما هو ديني عما هو سياسي في الكونغرس الأمريكي البرلمانات في بقية مدن العالم، ليعود الصراع القديم المتجدد على يد ترامب بين الدين والدولة أو على الأصح بين العلمانية والدين.

فإلى أين يتجه العالم في ظل حكم ترامب؟ وهل ستشهد الولايات المتحدة تحولا تاريخيا على يد "المجدد" ترامب؟