قضايا وآراء

عودة "ريا وسكينة" بين الإخوان و"الموساد"!

1300x600
كنتُ أبحث عن مسلسل إذاعي قديم اسمه "عودة ريا وسكينة" على يوتيوب، محاولا الابتعاد عن التصور المُباشر ومنع الخيال الذي تهبه الدراما السينمائية والتلفزيونية.

أملت أن أجد المسلسل القديم الذي بقيتْ منه أطياف في الخيال؛ وفي العادة فإن شركة حكومية مصرية تقوم بتجميع حلقات أشهر المسلسلات الإذاعية القديمة بعد انتهاء الهدف الاقتصادي منها وتقوم برفعها.

ولم أجد بغيتي، وإنما وجدتُ مسلسلا آخر أنتجته الإذاعة المصرية عام 1972م، قبل حرب تشرين الأول/أكتوبر بشهور، فاستمعتُ لأغلبه.. قصة عن وسط إسكندراني مُرفه يفاجأ في ذكرى مرور نصف القرن على إعدام الراحلتين "ريا وسكينة" (أُعدمتا في 21 من كانون الأول/ ديسمبر 1921م) بظهور الأولى في صورة "كاترين" الأجنبية التي تُحضر الأرواح (أدت الدور صوتيا الراحلة ميمي شكيب)، وهو ما يستفز سيدة فتطلب مقابلة الروح فيتم ذبحها.

وبجهود المباحث على أعلى مستوى، يُكتشف أن وراء ذبح السيدة جواسيس للأعداء تم دسهم في العاصمة المصرية الثانية لإحداث الرعب؛ ومن هؤلاء "كوهين" و"ليفي" و"كاترين". وفي المسلسل قال ضابط المباحث (أدى صوته المُمثل يوسف شعبان) إن العدو هو الذي قام بالأمر لبث الرعب في الإسكندرية.. ولم يحتج لشرح أو قول إسرائيل أو ما شابه؛ فكانت الهمم المشحوذة آنذاك فاهمة واعية.. ولم يكن هناك إلا عدو واحد، ويكفي مع القول بعداوته أن يتم ذكر "كوهين وليفي".

راجعتُ أسماء فريق العمل، فوجدتُها لمشاهير في عصرها. فالمُؤلف "عبد الرحمن فهمي"، والمُخرج "محمود يوسف"، والغناء لـ"شفيق جلال"، وكلمات الأغاني لـ"بيرم التونسي" و"بخيت بيومي"، والمُمثلون المُشاركون في العمل منهم "مديحة حمدي"، "وحيد سيف"، و"رجاء حسين"، و"حسن حسني"، فأدركت مدى الاهتمام الرسمي بالمسلسل وقت حكم الرئيس الراحل "أنور السادات"، بالتحديد قبل حرب 6 أكتوبر.. وبتوجيه الطاقات ضد إسرائيل بإثبات أن المشاكل المصرية التي يحياها المجتمع نتيجة الحرب معها وعداوتها لمصر.

واحببتُ الاستزادة عن المسلسل فوجدتُ خبرا في قسم الحوادث من بوابة "الأهرام المصرية"، أو النسخة الالكترونية من الجريدة شبه الرسمية عن "عودة ريا وسكينة"، ففرحتُ قبل فتح الرابط لوجود مهتم في الجريدة الرسمية بمسلسل كان يُناقش حربنا مع العدو الصهيوني في وسط أجواء الانقلاب اليوم، وتأملتُ أن يكون في الأمر أمل ولو بعيد في رأب الصدع وتقريب هوة المفاهيم في مصر الآن.

ولما فتحتُ رابط الخبر الذي يعود إلى 21 من آب/ أغسطس الماضي تحت عنوان: "حقيقة ريا وسكينة في الإسكندرية" وجدتُ ان كاتبه يستعين بصورة ملتقطة عن مواقع للتواصل الاجتماعي تشتكي من اختطاف للفتيات في الثغر، وتعليق أخذه عن حساب غير معروف على فيسبوك، وداخل الخبر شرح الصحفي أن المخاوف التي تنتاب أهل الإسكندرية حول اختطاف فتياتهم الصغيرات ليس لها مجال من الصحة أو حتى التصور. فالأمن مُستتب في العاصمة الثانية، ومدير الأمن يسهر بنفسه على هذا، والكلام المُنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية حول خطف أنثى وثالثة وعاشرة في مناطق مختلفة ما هو إلا اختلاق من جانب الجماعة (الإرهابية).

وعمد الصحفي إلى شرح أن الإرهابية هي جماعة الإخوان المسلمين التي يغيظها أن الشعب المصري يعيش في أمن وسلام بعد تخلصه منها، واستدل بالتعليق المجهول على صفحة في فيسبوك بأن الطالبة المُختطفة حرة سليمة معافاة لم تزل.

وبعيدا عن الأمن الجنائي المُفتقد في عموم مصر كلها، لا الإسكندرية فحسب اليوم؛ والاهتمام الأمني المصري بالإخوان، الخصوم السياسيين للنظام المُنقلب عليهم، وترك الشعب يعاني؛ وهو الأمر الذي لم يغب حتى عن دراما سينمائية من مثل فيلم "من تلاتين سنة"، الصادر في تموز/ يوليو الماضي للمُخرج "مروان حامد" من بطولة نخبة من الفنانين على رأسهم "أحمد السقا" و"ميرفت أمين"؛ وفيه يتم قتل تسعة أشخاص من عائلة ثرية عبر عدة حوادث متقاربة السياق والتاريخ في العاصمة القاهرة دون تحرك من قبل الأمن، وبعيدا عن غياب الأمن الحقيقي في الشارع المصري، وهو الأمر الخطير غير الخاف، حتى إنه ليُجسد في أفلام سينمائية تُعرض تحت سمع وبصر المسؤولين، فإن الجماعة فصيل من الشعب المصري كُتابها كانوا يُشاركون في صفحات الرأي في جريدة "الأهرام" نفسها قبل سنوات قليلة.. فهل كانوا ينشرون الفكر الإرهابي فيها؟

بعيدا عن كل هذا، فإن استغلال العدو الصهيوني في بداية السبعينيات من القرن الماضي لتبرير عدم إحكام قبضة الأمن على الإسكندرية نسبيا.. كان أمرا مقبولا إلى حد ما.. تتحرك له قريحة مؤلف، ويتم استغلال شعر لقامة مصرية، من مثل الراحل "بيرم التونسي"، وتُسخر لأجله ملكات الإذاعة.. لتصوير أن الهدف العام لضباط المباحث والمخابرات والقيادة السياسية وعامة الشعب هو الصمود أمام العدو، وكانت كلمة العدو كافية ليعرف أبسط مصري أن المقصود إسرائيل وجهاز الموساد.

أما اليوم فتوظف الدولة إمكاناتها الإعلامية والأمنية لبث العبث وتفسير انتشار الجريمة في ربوع مصر؛ عبر استدعاء فزاعة "ريا وسكينة" المُستخدمة منذ 45 عاما ضد العدو الصهيوني، ولكن ضد فصيل من أبناء الشعب المصري، هذه المرة، وغير بعيد عن توجيه العدو الصهيوني.. ولذلك يطول الكلام من المُدعين والشرح والتبرير والتفسير ومحاولة لوي عنق الحقائق .. ولها الله مصر من "ريا وسكينة" اللتين تقمصتا دور طرف من رجال السلطة والإعلام في مصر!