مقالات مختارة

المشهد الفلسطيني ولقاءات واشنطن الخطرة

1300x600
التكهنات والتوجسات المتفشية في الساحة الفلسطينية والعربية تجاه تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف الفلسطيني تترافق مع تزايد حالة انعدام اليقين إقليميا ودوليا؛ فالكل بانتظار الرصاصة الأولى التي ستحدد معالم المواجهة المقبلة في الإقليم والعالم؛ ما يجعل من لقاء الرئيس عباس بالرئيس الأمريكي ترامب مسألة بالغة الحساسية والتأثير.

فالولايات المتحدة تملك القدرة على إطلاق الرصاصة الأولى، ولكن من الصعب أن تحصر الجبهات المشتعلة بسهولة؛ فالكل يسعى للاستثمار في اللحظة الحاسمة، والكل يتمنى ألا تكون الطلقة الأولى في جبهته؛ ما يبقي الباب مفتوحا لإمكانية ألا تندفع الولايات المتحدة في سياساتها والمترافقة مع تأزم كافة الجبهات واحتمال انفجارها دفعة واحدة والقضية الفلسطينية إحداها؛ ما يطرح تساؤلا مهما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية يتعلق بمسار هذه السياسة وتوجهاتها؛ فهل تدفع نحو الانفجار والتأزيم أم نحو الاحتواء والتهدئة؟

جملة من الحقائق يمكن رصدها تتفاعل في الوقت ذاته مع التحركات المرتبطة بالقضية الفلسطينية واللقاء المرتقب بين الرئيس عباس وترامب الأربعاء المقبل، يمكن أن تقدم إجابات لهذا التساؤل والسيناريوهات المرافقة الكامنة في باطنه، والتي من الممكن أن تطلقها عملية التفاعل والاشتباك الأمريكية مع ملف القضية الفلسطينية.

أبرز هذه الحقائق تتمثل بتأزم الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وحالة التأهب على خلفية الغارات الأمريكية في الشعيرات، والحشود الأمريكية المتصاعدة في المنطقة، والغارات التي يشنها الكيان الإسرائيلي في سوريا، إلى جانب التوتر المتصاعد مع ايران، مسألة تزيد الواقع الإقليمي والدولي غموضا، خصوصا أن آلية احتواء الصراع العربي الصهيوني وتحييده مرحليا استعدادا لأي مواجهة إقليمية ودولية تتم بآليات ومقولات تزيده تأزما على عكس المراد.

 الغموض وسيولة الأدوات والمقولات ترفع من مستوى خطورة المشاريع الأمريكية للتعامل مع القضية الفلسطينية؛ فالسياق الذي يأتي فيه النشاط السياسي الأمريكي للتعامل مع الملف الفلسطيني يعد سياقا خطرا يقع بين الوعود الانتخابية اليمينية والواقع الدولي والإقليمي المأزوم، والذي يحتاج إلى تبريد للقضية الفلسطينية لا إلى التسخين كما يحدث الآن.

إذ لا يتوقع أن تقدم الإدارة الأمريكية الجديدة شيئا في ملف القضية الفلسطينية؛ فجل تركيزها ينصب على الإيفاء بوعود ترامب الانتخابية وخوض المواجهة في شبه الجزيرة الكورية واستعادة التوازن مع روسيا. في حين أن جل اهتمام الرئيس عباس منصب على معركته التي يخوضها على قطاع غزة؛ ما يعني أن اللقاء لا يحتوي أي بند مشترك سوى المتعلق بحصار غزة وزيادة معاناته بكافة الوسائل والأدوات الممكنة، مضيفا بؤرة تأزيم جديدة في الإقليم والنظام الدولي مهيأة للانفجار كما غيرها من البؤر الساخنة.

اللقاء بين ترامب وعباس من الممكن أن يشكل فارقة مهمة في تاريخ السلطة الفلسطينية في رام الله ومستقبلها؛ إذ تذهب التكهنات إلى أن هناك محاولة لتجديد مكانة السلطة ودورها، ليتجاوز التنسيق الأمني المحصور في الضفة الغربية نحو مهمات جديدة تبرر وجودها من وجهة نظر الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي. ومن الممكن أن تتحول اللقاءات إلى بداية لنوع جديد من العلاقة بين السلطة والشعب الفلسطيني أيضا، لتزيد الوضع الإقليمي تأزما، وترفع مع احتمالات انفجار الصراع مع الكيان الإسرائيلي.

قدرة الإدارة الأمريكية على ضبط المشهد تكاد تكون شبه مستحيلة، والتركيز على جبهة واحدة بات مستحيلا، وفلسطين إحداها؛ فما تظنه الولايات المتحدة احتواء وسيطرة في فلسطين يتحول شيئا فشيئا إلى واقع متأزم ومتفجر لا يقل سخونة أو خطورة عن الجبهات التي تتعامل معها الولايات المتحدة في العالم؛ فالجهود الأمريكية المبذولة على الجبهة الفلسطينية تعطي أثرا عكسيا متراكما وخطرا على عكس المراد والمرغوب أمريكيا.

وفي ضوء هذا الواقع المأزوم وتلك السياقات الخطرة فان اللقاء المرتقب بين الرئيس محمود عباس والرئيس الأمريكي الأربعاء المقبل في واشنطن لا يقل خطورة من حيث الأثر على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع واتجاهات المواجهة فيه؛ إذ لا يعلم بعد مخرجاته المتوقعة وتأثيراته وتداعياته على مجمل القضية الفلسطينية والمنطقة؛ كما لا يعلم كيف سيتعامل الرئيس عباس مع الإدارة الأمريكية في حال قررت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأعلن عن ذلك في حضوره؛ وهل بإمكان الرئيس عباس أن يضع حدا لبناء المستوطنات أو الحصار على قطاع غزة؛ وكيف سيتعامل مع إضراب الأسرى وماذا سيعرض على طاولة ترامب؛ والأهم كيف ستتفاعل الأراضي المحتلة والشعب الفلسطيني مع هذا الحدث.

الأيام المقبلة ستكشف عن طبيعة الدور الجديد المناط بالسلطة في رام الله كما ستحدد شكل الصراع المقبل في الأراضي الفلسطينية؛ والذي سيكون له تداعيات إقليمية على الأرجح؛ والتكهنات حول ما بعد الزيارة سيكون لها تأثير واضح على علاقة السلطة بكافة الفصائل الفلسطينية؛ ما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون بداية ومرحلة جديدة من مراحل تطور السلطة في اطار مشروع دايتون القديم الجديد وهي وصفة أمريكية خطرة لمرحلة حساسة وخطرة يعيشها الإقليم والنظام الدولي.

مهمة محمود عباس في واشنطن باتت خطرة والمؤشرات المتعلقة بها سلبية إلى حد كبير فيه تتفاعل مع السياق الإقليمي، وتتجاهل السياق الفلسطيني الداخلي، وتتجنب التنسيق السياسي الداخلي والوطني؛ فالساحة الفلسطينية تمر بمرحلة حرجة في ظل إضراب الأسرى والأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة؛ ما ينبئ بانفجار وتدهور جديد في الضفة الغربية والقطاع تتجاوز مشاريع السلطة وانشغالاتها، كما تتجاوز قدرة الولايات المتحدة والقوى الإقليمي على احتوائها بأدوات تقليدية وقديمة لا تتناسب والظرف الدولي والإقليمي. 

السبيل الأردنية