قضايا وآراء

ملاحظات أساسية حول الاستفتاء الدستوري في تركيا

ماجد عزام
1300x600
1300x600
تتجه تركيا إلى الاستفتاء على تعديلات دستورية قد تكون حاسمة لمستقبل البلاد. التعديلات الـ18 تهدف إلى تغيير النظام الإداري البيروقراطي للدولة، كما يحلو للسيد بن على يلدريم القول دائما، وليس النظام السياسي برمته في تركيا الذي هو جمهوري وسيظل كذلك، بينما ستتحول إدارة السلطة والبلاد من الحكم البرلماني إلى الحكم الرئاسي، وليس المختلط في ظل إلغاء منصب رئيس الوزراء في المرحلة القادمة إذا ما وافق الناس على التعديلات المطروحة طبعا.

إذن التعديلات تتضمن إعطاء رئيس السلطات الصلاحيات التنفيذية مع إبقاء حق التشريع للبرلمان، باستثناء الميزانية العامة التي يضعها الرئيس، بينما سيتم خفض سن الترشح للبرلمان إلى 18 سنة، ورفع عدد النواب إلى 600 بدلا من 500 كما هو معمول حاليا. 

التعديلات لا تعطي الرئيس حق حلّ البرلمان على عكس ما يتم ترويجه، وإنما تعطي الطرفين عند الضرورة حق الذهاب إلى انتخابات رئاسية برلمانية مبكرة ومتزامنة، وتعطي البرلمان وفق آليات معينة غير تعجيزية حق عزل الرئيس، إذا ما أخلّ بواجبات منصبه.

حتى الآن تتحدث الاستطلاعات عن تفوق طفيف، ولكن حاسم لأنصار ومؤيدي التعديلات الدستورية وبنسبة تلامس حدود الثلاثة وخمسين بالمائة، وبينما رفعت نسبة المشاركة المرتفعة لأتراك الخارج، معنويات والتطلعات المؤيدين إلى الوصول حتى إلى عتبة الستين بالمائة كما قال وزير الخارجية شاويش أوغلو، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، إلا أن هذا يبدو رقم كبير وصعب في ظل الاستقطاب الحادّ الذي تشهده الساحة التركية الداخلية.

حول التعديلات مغزاها خلفياتها حيثياتها والتوقع بحصولها على الأغلبية المطلوبة يمكن تسجيل الملاحظات الأساسية التالية: 

- لا بد من الانتباه إلى أن مطلب التحول إلى النظام أو إدارة الرئيس للسلطة في البلد ضمن النظام الجمهوري هو مطلب قديم وطرح تقريباً من معظم الرؤساء في العقود الأخيرة، خاصة السياسيين أو من وصلوا إلى المنصب بعد نضال سياسي طويل من أمثال تورغوت أوزال سليمان ديميريل ورجب طيب أردوغان الرئيس. نجدت سيزر كان تكنوقراطا ولم يصل للرئاسة من السياسة، وإنما من القضاء؛ وحده الرئيس عبد الله غول مثل الاستثناء الذي يثبت القاعدة بعدم مطالبته علنا بالتحول إلى النظام الرئاسي مع الانتباه إلى أن المرحوم نجم الدين أربكان كان من أنصار إدارة الجمهورية بالنظام، أو طريقة الحكم الرئاسية، وتحدث عن ذلك حتى منذ زمن طويل.

- حجة تأييد النظام الرئاسي عند معظم المطالبين والمؤيدين هي نفسها بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والحزبية وتتمثل بفرض حالة من الاستقرار السلطوي منع الفوضى، وعدم الاستقرار التي سادت لفترة طويلة قبل حقبة العدالة والتنمية، والزعم أنه لا يمكن مواجهة التحديات بدون سلطة مستقرة وقوية ضمن نظام ديموقراطي طبعا.

- إلى ذلك بدت فكرة كتابة دستور جديد والتخلص من دستور الانقلاب محل إجماع تقريبا، للتخلص من الوصاية العسكرية، وحتى منع أي إمكانية للانقلابات العسكرية وصياغة دستور جديد عصري يتلاءم مع التغيرات السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي شهدتها البلد في العقود الأخيرة.

- حتى الانقلاب الأخير في تموز/ يوليو 2016 كان ثمة إجماع في الساحة السياسية على ضرورة صياغة دستور توافقي جديد، وفعلا قطعت الأحزاب السياسية الكبرى في البرلمان - قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة - خطوات مهمة بهذا الاتجاه، إلا أن انهيار عملية التسوية، وإنهاء حزب العمال الكردستاني لوقف إطلاق النار من جانب واحد، ثم الحرب التي خاضتها البلاد على عدة جبهات وحالة عدم الاستقرار بعد الانتخابات التشريعية في حزيران/ يونيو 2015 الذهاب بالتالى إلى انتخابات برلمانية مبكرة في تشرين ثاني/ نوفمبر، وصولاً إلى الانقلاب الفاشل في تموز 2017 خلطت الأوراق، وأعادت تشكيل المشهد، وأوجدت بيئة جعلت من إمكانية التحول إلى النظام الرئاسي ولو ضمن حزمة تعديلات دستورية مقلصة أمرا ممكنا، خاصة مع التحول الذي حصل لدى حزب الحركة القومية وانتقاله إلى تأييد الانتقال نحو إدارة الحكم الرئاسية واستعداده للعمل مع حزب العدالة والتنمية لإنجاز الهدف، وهو ما تحقق فعلا علما أن ثمة تباينات حصلت بين الطرفين، وتم تخفيف بنود الحزمة الدستورية من 21 إلى 18، وكان العدالة والتنمية حريص لأسباب إجرائية ديموقراطية ووطنية على نيل رضا وتأييد الحزب اليميني الذي بدون دعمه ما كان بالإمكان الوصول إلى النقطة التي نحن بصددها الآن.

- انطلقت حملة التأييد للتعديلات الدستورية مع 46 بالمائة تقريباً، والدعم أتى أساساً تقريباً من قبل جمهور ومؤيدي حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية مع الانتباه إلى أن 80 بالمائة من مؤيدي العدالة الخمسين بالمائة 50% ونصف مؤيدى حزب الحركة أيدوا التعديلات وبحماس. هذا يعني أن خمس مؤيدي الحزب الحاكم ونصف مؤيدي الحزب القومي كانوا مترددين أو رافضي للتعديلات، ولكن مع سير الحملة وصلت نسبة المؤيدين ككل على المستوى الوطني إلى 52% تقريبا، وإذا ما تذكرنا أن مجموع الأصوات الحزبيين تصل إلى 62% تقريبا، وهذا يعني أن عشرة بالمائة منهم ما زالوا مترددين، أو رافضين والأسباب هي نفسها تقريباً؛ الخشية من تركيز السلطات بيد شخص أو سياسي واحد أو حتى الخشية على حجم الصلاحيات والسلطات من أي زعيم أو سياسي بعد الرئيس أردوغان.

- داخل حزب العدالة والتنمية فإن معظم مؤسسي الحزب نظروا إلى الأمر بتحفظ وومخضرمى ومؤسسى الحزب مثل الرئيس السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت ارنتيش ونائب رئيس الحزب السابق محمد علي شاهين، كانوا ميالين إلى كتابة دستور جديد وتطوير وتحديث النظام البرلماني، بينما بدا رئيس الوزراء السابق وأبرز شخصيات الجيل الثاني للحزب أحمد داوود أوغلو متردداً أو مؤيد، ولكن دون حماس كبير ومع مقاربة لافتة ترى أن الوقت غير مناسب أو على الأقل أن التحول الدستوري لا يمثل أولوية قياساً إلى التحديات التي يواجهها البلد. 

الحملة الدعائية للتعديلات مرت كذلك بمراحل أو تحولات، فبدا الأمر مع حماس كبير للرئيس أردوغان ومؤيديه، وكانت اللهجة عالية في الداخل والخارج على حد سواء في اتجاه الخارج وتحديداً أوروبا كانت سقف الخطاب عالي جداً، خاصة مع الأخطاء غير المبررة من قبل بعض الدول الأوروبية والرسالة تم إيصالها بخطاب قومي قوي مفاده الاستفتاء يصب في مصلحة البلاد، ولولا ذلك لما اصطف ضده اليمين الأوروبي الفاشي، وجلب وراءه بعض الحكومات في الداخل كانت اللهجة أيضاً حادة وعالية، واتهام أو وصف لكل معارضي التعديلات بالخونة أو الإرهابيين، لكن حدث التحول الواضح في الحملة مع زيارة الرئيس أردوغان لخيمة الرافضين للتعديلات، والتي انعكست إيجاباً على أجواء الحملة بشكل عام.

- أما السجال السياسي الاعلامى الأخير فيتحمل مسؤوليته زعيم حزب الشعب السيد كمال كليتشدار أوغلو الذى شكك في الانقلاب الأخير، واتهم الحكومة أو الحزب الحاكم بالمسؤولية عن تدبيره وإدارته، هي تهمة لا يمكن تحملها في أوساط الحزب والحكومة، وحتى الأجواء الشعبية المؤيدة لهما. ومن هنا جاء سقف الرد من الرئيس أردوغان حاد وقاسي، وبدا وكأنه يستهدف كليتشدار أوغلو شخصياً، وإبقائه في دائرة الاتهام والتعاون مع الانقلابيين.

- عموماً فإن حملة معارضة التعديلات بدأت متأخرة ضعيفة، وحاولت التركيز على الرئيس أردوغان شخصياً، بدلاً من مناقشة فحوى ومضمون التعديلات التي اتضح أنه حتى كليتشدار أوغلو نفسه يجهلها، وغير ملمّ بها، وعجزت الحملة بالتأكيد عن خلق حالة اصطفاف وطني معارضة مقابل تلك المؤيدة والداعمة.

في الأخير وباختصار يبدو التأييد للتعديلات الدستورية محسوم او شبه محسوم والترقب متعلق فقط بنسبة التأييد، هل ستكون ضيقة محدودة ولكن كافية ديموقراطياً وشعبياً فقط التعديلات ومعبرة بالتالى عن حالة الاستقطاب والتباعد أو نسبة تتجاوز الـ55% وتلامس حدود الستين بالمائة، وتؤكد بالتالى حجم التأييد الوطني الواسع للانتقال بالبلاد من مرحلة إلى مرحلة أخرى.

* باحث وإعلامي فلسطيني
0
التعليقات (0)